Image Not Found

مجلس الخنجي يستعرض كتاب فلسفة التسامح بين جون لوك والسلطان قابوس طيب الله ثراه

تغطية: حيدر بن عبدالرضا داوود

استضاف مجلس الخنجي الافتراضي هذا الاسبوع الدكتور عبدالمنعم همت مؤلف الكتاب “المنهج الفلسفي عند السلطان قابوس – رئيس مركز الوعي والدراسات والبحوث بالسودان للتحدث حول موضوع “فلسفة التسامح بين جون لوك والسلطان قابوس طيب الله ثراه-” بجانب تناوله لعدة محاورأخرى منها تعريف التسامح ونشأته. حضر الجلسة عدد من المهتمين من السلطنة ودول مجلس التعاون والمغرب والسودان.

في بداية حديثه قال بأن العالم الاسلامي أنتج العديد من العلماء منهم ابن رشد وابن خلدون وابن سيناء الذين استفاد منهم الغرب في دراساتهم وفي جامعاتهم، بينما وصلت إلينا هذه العلوم لاحقاً وكنا آخر من يستفيد منها. وفي مدخل كتابه تحدث عن الدهشة والمشاهدة، موضحاً أنه عند زيارته للسلطنة ذهب إلى المسجد للصلاة في إحدى المساجد في حضور عدد من الاشخاص الذين كانوا معه من مختلف المذاهب، ورأى أنهم يصلون في مسجد واحد.

وعلّق على ذلك بأن الصراع المذهبي في بعض الدول العربية والاسلامية تحوّل إلى صراع ديني للأسف الشديد، بينما وجدتُ في عمان أناس متسامحون، وأن المسجد يجمع بينهم باختلاف انتماءاتهم ومذاهبهم، الأمر الذي شجعني بالبحث لمعرفة مفهوم التسامح والتعرف عليه عند جلالة السلطان قابوس رحمه الله، فيما نرى في عدة دول اسلامية أنهم يتقاتلون من أجل المذاهب.

وقال بأن التسامح يعني قبول الآخر رغم اختلاف مبدأ التفكير وحياته ونمط العيش والثقافة لديه، اي تقدير التنوّع الانساني واحترام الجميع ومبادئهم واعتقاداتهم، والابتعاد عن عملية الاستعلاء الديني والمذهبي. وقال بأن في السودان لدينا اليهود والمسيحيين والمسلمين، وأن هناك قبولاً للاخر، إلا أنه في العالم الاسلامي ما زال صراع المذاهب قائم من قرون وممتد في البيئة العربية والاسلامية في الوقت الذي لا يوجد مبدأ الصراع في الاسلام على هذا الأمر.

ثم تحدث المحاضر عن شخصية جون لوك الفيلسوف والطبيبُ الإنجليزيُّ الذي ولد سنة 1632، مشيراً إلى أنه له العديد من الكتب والرسائل في موضوع الفلسفة السياسية والتسامح، ويعدُ واحداً من عصر التنوير، ولقب بأبو الليبرالية. واعتقد لوك بأن الطبيعة البشرية تتميز بالعقل والتسامح، إلا أنها تسمح أيضا للناس بأن يكونوا أنانيين. فكل الناس متساوين ومستقلين، ولكل فردٍ حق طبيعي في الدفاع عن حياته وحريته وممتلكاته. ويرى في نظريته السياسية عن الحكومة أن وجودها مبني على رضا المحكومين، وأن واجبها حماية الحقوق الثلاثة الأساسية، وهي حق الحياة والحرية والملكية. وكانت مقالات لوك عن التسامح الديني نموذجًا مبكرًا لمفهوم فصل الدين عن الدولة. وكان يرى أن المجتمعات هي التي تشكل الحكومات وفقًا لعقد. وفي رسائله حول التسامح يرى لوك أن على الحكومات احترام حرية المعتَقد ما لم يهدد هذا المعتَقد النظام العام في المجتمع.

وقال المحاضر بأن لوك طالب باستخدام العقوبات والعنف مع المخالفين في بادئ الأمر، وعمل الكثير من المراجعات، إلا أنه طالب لاحقا بمشاركتهم في القضايا لأنه لا فائدة من العنف، موضحاً أنه ليس علينا أن نفرض الجوانب الدينية على الاشخاص، ولكن علينا تقديم العون لهم لممارسة شعائرهم. كما طالب بالفصل بين الكنيسة والدين، وهذا التطور فرض على جون لوك بأن يشرح الأمر، بحيث تكون الدولة مسؤولة عن المواطن في الجانب الدنيوي فقط. فالتسامح عند لوك واجب في هذا الشأن.

عند تناول حديثه عن المرحوم جلالة السلطان قابوس طيب الله ثراه، ذكر المحاضر إن جلالته باعتباره قائداً في المقام الأول كان يفكّر كثيراً في موضوع التسامح، مع العلم أن كلمة (التسامح) لم تدخل إلى القاموس إلا حديثاً، بينما هي موجودة في الكتب منذ القدم. فالخلافات موجودة في العالم الاسلامي والعربي منذ 1400 سنة، وأن جلالته رحمه الله رأى أن العالم مقسم إلى ثلاثة مدارس وهي مدرسة القبول لكل شيء، ومدرسة القبول لا شئ، ومدرسة بين النموذجين. وأن باب الاجتهاد يجب تفعليه لاستنباط الأحكام. كما أن جلالته أعطى اهتماماً كبيراً للتراث ودراسته وإيجاد الحلول من خلال العمل بالاصالة والمعاصرة، أي أنه أدخل السلطنة إلى المستقبل من بوابة الماضي في السبعينيات من القرن الماضي. وكان جلالته يؤمن بالله وحب الوطن والعمل بمكارم الاخلاق، بالاضافة إلى الاعتزاز بالماضي لمعرفة الحاضر مع العمل في هذا العصر على استنباط الاحكام، أي حصول اجتهاد عصري من مبادئ الدين الحنيف، واحترام التراث. وفهم جيداً الواقع العماني بأنه متنوع بوجود ثلاثة مذاهب، وتنوّع قبلي حيث أن القبيلة لها وزنها في المجتمع العماني بجانب التنوع الاجتماعي والثقافي اي ( احترام التراث). كما اهتم بالتعليم باعتباره مسؤولية كبيرة، وأن التزمت في فهم الدين يجب ألا يؤدي إلى تخلّف المسلمين، حيث أن العنف يسبب في القضاء على التنوع. ومن هنا دعا جلالته ضرورة إيجاد بعض المواقف والنظر إليها في الفكر الاسلامي، كما ركز على حقوق المرأة، مع حرصه على عدم إزدراء المذاهب، وحديثه عن نشر العدالة باعتبارها الرافع الأساسي، حيث أنه لا يمكن للبشرية أن تكتب لها الحرية إلا باحترام حقوقه ونشر العدالة بين الجميع. وهناك العديد من الاقوال لجلالته في هذه الأمور. وقال بأنه للأسف الشديد فاننا نرى في العالم الاسلامي هناك من يحارب الشخص الذي يتحدث حول تلك الحقوق.

وفي جلسة الأسئلة والاجوبة، أجاب الدكتور عبدالمنعم حول سبب مقارنة شخصية جلالة السلطان بالفيلسوف جون لوك قائلا: ان سبب المقارنة هو أن لوك يعتبر من أكابر الفلاسفة الذين تناولوا موضوع التسامح في كتاباته، وأول من ناقش هذا المفهوم بشكله العلمي، الأمر الذي تطلب مقارنة جلالة السلطان بهذه الشخصية أي مقارنة الكبار بالكبار. وأضاف أن هناك فصلاً في كتابه حول مقارنة شخصية جلالة السلطان قابوس أيضا بـ ابن خلدون أيضا مشيراً إلى ان جلالته تأثر بالثقافة العربية والاسلامية وكان متواجداً في بيئة التنوّع الذي نشأ فيه من أب إباضي وأم سنية وعاش في هذا الجو مما استوجب عليه معرفة تلك الامور. كما أنه حمل الكثير من المفاهيم، وتشبع بالتاريخ والدين واللغة العربية بالاضافة إلى عيشه في الغرب للدراسة ومواصلة عمله العسكري بحيث تعرّف على الكثير من الأمور الأخرى التي ساهمت في مواصلة تلك المفاهيم في حياته اليومية. كما درس الكثير من القضايا حيث ساعدته البيئة في معرفة الامور التي ترتبط بالتسامح الفكري.
وحول التربية قال يجب أن تكون على مستوى التزام الاخر، وهي البداية في كل شئ ومهمة أيضا لأن الناس متساوون في الحقوق والواجبات، بينما الفروق بين الناس موجودة في كل مكان، الأمر الذي يتطلب عدم التطاول على الآخرين. وفي هذا العهد عام 2021 علينا الابتعاد عن التزمت والجمود، بل علينا استخدام المرونة في الامور والعمل بها، لأن التفرقة العنصرية تلغي فكرة التسامح. وعند السلطان قابوس رحمه الله فان واجبات المواطن هي أكثر من الجنس والقبيلة والمذهب والوضع الاجتماعي وغيرها من الامور الأخرى. وأن الخلاف يجب ألا يكون كبيراً لاننا ( كلنا من آدم وآدم من تراب). فالسلطان قابوس تحدث عن الانسام وتحدث عن المواطن.

وفي سؤوال آخر حول استفادة الاخرين ممن كانوا حول جلالته، أجاب الدكتور المحاضر أنه ليس كل من كان بالقرب من جلالة السلطان قابوس فهم هذه المفاهيم، وأن بعضهم أخفقوا في فهم تلك الأمور. فجلالته رحمه الله كان يجول في مختلف المناطق العمانية ليتعرف على مشاكل الناس وأفكارهم ويحثهم في نفس الوقت على التسامح وقبول الآخر. لقد كان جلالاته قامة انسانية كبيرة. وهو تحدّث أكثر من مرة بالقول بأن الفكر ليس جامد، وأن التسامح له أجنحة التي تستطيع أن تعطي الحياة الكثير من الأمل. فليس هناك فرق بين العربي والعجمي إلا بالتقوى، وهذه مرحلة انسانية وفكرية كبيرة، إلا أنه في زمننا ما يقال في الدين مختلف. فاكثر الشعوب في التسامح هي أقربها قرباً للانسانية. فالانسان بقيمته أكثرهم تسامحاً.

وقال بأن الغرب يتحدثون عن التسامح والعدالة ولكن نفسه استغل الشعوب واستثمرها لخدمة أهدافه، بل أذل الانسان وحول الشعوب إلى مستعمرات، وغرسوا فيها الكراهية، مقابل تقديم بعض العلوم لهم. أي هناك تناقض بن الفكر والتطبيق عند الغرب فيما يتعلق بالتسامح. فالضغوطات عندما تمارس بدون وجود عدالة وعدم الرضا، فان ذلك يسبّب خللاً في المنظومة، مختتما قوله بأن جلالة السلطان قابوس رحمه الله كان مفكراً وقائداً حيث قال في بعض المناسبات ” لا يوجد في عمان رجال الدين بل علماء الدين”. كما أجاب المحاضر على العديد من الاسئلة التي تتعلق بالتسامح والدراسات المتعلقة بهذا المصطلح.