تتعرض هيئات المال العربية كسائر أسواق المال في العالم إلى مخاطر التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم، خاصة في المرحلة الحالية التي تشهد فيه القارة الاوروبية حربا مستعرة بين روسيا وأوكرانيا، وقبلها الجائحة التي عصفت بتلك الاسواق، والتي أدت إلى تراجع في قيم الأوراق المالية العالمية، ونتجت عنها مشاكل اقتصادية للدول نتيجة لارتفاع أسعار النفط والغاز في العالم. هذه التحديات والمخاطر تتطلب من الجميع ضرورة التعامل معها بحكمة وتروٍ، لا سيما فيما يتعلق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب التي تتزايد عملياته في مثل هذه الحروب، والتصدي لاحتمالات ومخاطر تداعي الأسواق المالية بسبب الأوضاع الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، فضلًا عن المخاطر السيبرانية ومخاطر الاحتيال التي تتزايد هي الاخرى كل يوم.
لقد تم بحث هذه المخاطر في الاجتماع الدوري التي استضافته الهيئة العامة لسوق المال العُماني قبل أيام مضت بمشاركة جهات مماثلة في الوطن العربي. والهدف من اللقاء كان لتعزيز سبل التعاون للارتقاء بالمستوى التشريعي والتنظيمي لأسواق الأوراق المالية العربية، مع العمل على تحقيق العدالة والكفاءة والشفافية. وقد تم التركيز أيضا على رفع وتيرة الرقابة على المعاملات اليومية في أسواق المال العربية بجانب بحث الاليات المتاحة لمواجهة التحديات والمتغيرات والمستجدات على الساحة الإقليمية والدولية.
هذه الاسواق العربية تحتاج دائما إلى المتابعة والتجديد وتعزيز التعاون فيما بينها، الأمر الذي تم التعرض له من خلال بحث مجالات بناء القدرات الذاتية المتعلقة بالاستدامة والأدوات المالية للاقتصاد الأخضر والحوكمة، بجانب تبادل الخبرات الفنية والمساعدات في مجالات التمويل المستدام لدعم مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية.
الرئيس التنفيذي للهيئة العامة لسوق المال العماني الشيخ عبدالله السالمي اشار في كلمته على أهمية تطوير أسواق رأس المال العربية، ومواجهة المخاطر النظامية ودعم السيولة والاستدامة المالية، مؤكداً أن الاقتصادات العربية متشابكة ومترابطة بين الدول العربية والعالم الخارجي، الأمر الذي يفرض على هذه الجهات ضرورة النظر في مختلف المسائل التي تهم هذه الاسواق وإيجاد بدائل وأدوات تمويلية مستدامة تحقق أهداف الامم المتحدة للتنمية المستدامة 2030.
الكل يعلم بأن التقنيات الحديثة أسرعت من التعاملات المالية اليومية، الأمر الذي يتيح الفرصة للجميع في نقل الاموال النظيفة وغير الشرعية من إلى المنطقة العربية، وهذا ما تم التطرق إليه بضرورة التشديد على التعامل مع تلك التقنيات التي تتعلق بالقضايا المالية والمخاطر السيبرانية، وخلق جيل من الشباب وإدماجهم في عمليات صنع القرار والعمليات التشغيلية وتدريبهم وتأهيلهم في مجالات تقنية المعلومات والاتصالات مع ضرورة أخذ الحيطة والحذر من هذه المخاطر التي أضحت تمثّل تهديدًا يوميًا لأسواق المال العربية والمؤسسات والشركات. وهذا المطلب لا يمكن مواجهته إلا من خلال العمل على إجراء الدراسات وتصميم الأعمال والإجراءات التي يمكن أن تعمل على تغيير الذهنيات العاملة في الطواقم الفنية التابعة للجهات وهيئات المال العربية.
وإذا كانت هذه الهيئات حريصة على التعاملات الخارجية، فإنها أكدت أيضا على أهمية تعليم وتعزيز توعية المستثمر المحلي مهما كان متمكنا في مجالات السيولة والتعاملات المالية، الأمر الذي يتطلب تعزيز الوعي لديه ليتمكن من التقديم أو الحصول على خدمات مالية تشمل تساعد على استقرار معاملاته وتطوير أدائها.