Image Not Found

مجلس الخنجي يتناول قضية توظيف التاريخ في خدمة المناشط الاقتصادية

Visits: 18

تغطية: حيدر بن عبدالرضا اللواتي

استضاف مجلس الخنجي الافتراضي هذا الأسبوع المكرم السيد نوح بن محمد بن أحمد البوسعيدي عضو مجلس الدولة- رئيس الجمعية التاريخية العمانية في جلسة حضرها الكثير من الشباب العمانيين والمهتمين بقضايا التاريخ سواء من السلطنة أو بعض دول مجلس التعاون الخليجي.
وقد تضمنت المحاضرة المعنونة “من متاريس الحروب إلى شرفات الغروب” عدداً من المحاور منها أهمية التاريخ بالمجتمع العماني، وومضات تعريفية عن الجمعية التاريخية العمانية، ومقومات تاريخية تخدم الاقتصاد، وكيفية توظيف التاريخ في خدمة المناشط الاقتصادية(رسملة التاريخ)، بالإضافة إلى طرح عدد من المقترحات في هذا الشأن.
بدأ السيد حديثه عن الهدف في التحدث في هذا الموضوع، مشيراً إلى أن ثمة اعتقادات خاطئة لدى بعض الشباب عن التاريخ وعن الاهتمام الذي توليه الدولة لهذا الأمر، حيث يصف البعض بأن العمانيين تائهون وغارقون بالتاريخ. أي أن هناك بروز ما يشبه الانكار للتاريخ في أوساط الشباب، والتساؤل عن فائدته وأهميته، وأنه لا ينفع الحاضر بشيء، موضحاً أن التاريخ ليس كتبا بالية ولا مقولات تشويقية أو تفاخر، بل هو كنز اقتصادي كبير فيما تم استغلاله. وفي العهد المتجدد، فان التاريخ يمكن أن يكون مصدر إثراء كبير، حيث هناك دول جعلت من التاريخ مورداً سياحيا واقتصادياً مهماً.
ثم تحدث السيد نوح عن الجمعية التاريخية العمانية، مشيراً إلى أنها تأسست في 5 فبراير عام 1972 بأمر سامي من جلالة السلطان قابوس بن سيعد – طيب الله ثراه، حيث تشكلت بادىء الأمر من عدد من الأجانب وبعض العمانيين لتحقيق عدد من الأهداف منها أن تكون الجمعية مركز فكري في البلاد، وتبرز الأهمية التاريخية لعمان في أوساط الجاليات ونقلها لدولهم. وقال أن عام 1972 كان مليئا بالتحديات الاقتصادية والأمنية والعسكرية، وأن إنشاء الجمعية في ذلك العام يعني له دلالة خاصة من لدن جلالته رحمه الله للحفاظ على كل أمر يتعلق بالتاريخ والتراث. وقد كانت للجمعية دوراً في نشر عدد من الكتب القيمة. أما عن تاريخها الجديد فيكمن في إعادة ترتيب أدواتها من حيث الحصول على الممكنات التي حظيت بها سابقاًـ والقيام بدور أشبه بـ THINK Tank أو مركز فكري لتقييم الرؤى وتحليل العناصر التاريخية والتراثية، وتوظيفها في خدمة المجتمع، ورسملة التاريخ العماني، والبحث عن الأدوات والأساليب موضحاً أن عدداً من الشخصيات تعاقبت على مجلس إدارة الجمعية خلال العقود السابقة التي كانت لها دوراً كبيرا في تعزيز أعمال الجمعية.
وتحدث السيد نوح عن التاريخ، مشيراً إلى أنه “الماضي وأحداثه وقصصه ومواعظه وتجاربه، وهو كل فات من ثواني ودقائق وسنوات وقرون وأحقاب”. فنحن جميعا نتاج التاريخ، وهو المرآة التي نرى من خلالها الحياة، وأنه ينطق وإن بدا ساكتاً وأنه أكبر معلّم للجميع. وتحدث عن بعض الأحداث التاريخية كالحرب العالمية الأولى والثانية والحروب الإقليمية وما تركتها من أحداث وقتلى وغيرها من المآسي، مؤكدا أن المواطن العماني هو صياغة تاريخية بحق، فهو نموذج حي للتاريخ ، وان المواطن بمطرح على سبيل المثال يصحى الصبح وأول ما يشاهده هو قلعتها الشاهقة الصادرة بكبرياء تراقب المشهد اليومي لهذه المدينة، وهذا هو الحال في المشاهد التاريخية في الولايات العمانية الأخرى. فالتاريخ لعمان هو عنصر مهم في تركيبة الهوية العمانية، وعنصر في العقد الاجتماعي والثقافة العمانية، وفي العلاقات الإقليمية والدولية وفي الأمن القومي العماني.
فالهوية العمانية سواء في الشكل من لباس وعادات وطعام وتفاعل اجتماعي هي خيوط ممتدة في عمق التاريخ، وأن الثقافة العمانية متأثرة بارتباطاتها التاريخية من حيث التفاعل مع الأقاليم القريبة أو الاحتكاك مع الشعوب التي اختلط بها العمانيون سواء في الحرب أو السلم. فعلى سبيل المثال فان التسامح مستقى من التفاعل التاريخي لعمان القائم على الاحترام والتعايش، وفي العلاقات الإقليمية والدولية فان عمان تتميز بعلاقات مختلفة عن باقي الدول العربية خاصة مع الهند وإيران والغرب وأفريقيا بسبب خصوصيتها التاريخية، ودائما يقاس الحاضر بالماضي.
وأكد المحاضر على أهمية جلب الاستثمار السياحي والتشويق للسائح الثقافي والتاريخي من خلال (رسملة التاريخ) حيث من الضروري أن يعطى التاريخ القديم لعمان الاهتمام الذي يستحقه، حيث أن لارتباط عمان بالعالم القديم في بلاد الرافدين ومصر وتفاعلها مع الحضارات القديمة دوراً يمكن أن يجلب للسلطنة اهتماما عالميا، وهناك أثاراً كثيرة في كل عمان بهذه القضايا.
وطالب المحاضر باستغلال وتوظيف التاريخ في الأنشطة الاقتصادية، مشيرا إلى أنه منذ مغادرة البرتغاليين عام 1650م وقلعة مطرح على ما هي عليها الآن، فماذا لو أقيم في هذه القلعة مطاعم في باحاتها العلوية المطلة على البحر (مطعم سياحي لجذب السواح وأخر مطعم عماني عائلي؟). كما يمكن إقامة مناشط ترفيهية كقيام الفرق الموسيقية في تنظيم أمسيات كلاسيكية وأخرى للطرب العربي والإنشاد، وتخصيص وقت الغروب لدخول السياح والمواطنين لمشاهدة وقت الغروب برسوم رمزية، كما يمكن ربط البحر بإنشاء بلازا وعمل نفق للسيارات، وإنشاء باحة سياحية بمطاعم ومارينا وملاعب أطفال، وبهذا سوف نعزز القيمة المضافة لهذه المشاريع. وهذه الأعمال يمكن تعميمها على بقية القلاع في المحافظات الأخرى واستغلال الأسواق الشعبية والمنتجات الحرفية من خلال إنشاء وتنظيم للفعاليات وتسويق السلع والمنتجات المحلية التراثية. فعمان تتميز بالحارات التي تفتقدها العديد من الدول، ويمكن ترميمها وإعادة الحياة لها مثلما هي في خان الخليلي في القاهرة، وكذلك تعزيز الزيارات إلى أفلاج عمان، والبحث عن الاستثمارات في هذه المجالات الحيوية. فعمان لديها كنز من المساجد الأثرية القديمة ومواقع للنحاس والمقابر والأضرحة ومواقع للكتابات الصخرية والممرات والمسالك تحت الارض، وجميعها يمكن استغلالها في السياحة وهي جاذبة لأعمال التصوير العالمية وأماكن لإقامة الاوركسترا وغيرها من الفعاليات العالمية.
وفي جلسة الأسئلة والأجوبة، أكد السيد نوح على أن هناك آثاراً مغمورة في البحار العمانية، وأن جميع الآثار التاريخية المتواجدة تحتاج إلى توفير الخدمات والمرافق وتسهيل الدخول إليها، وتقديم المزيد من المبادرات والانفتاح والتخلي عن بعض الأمور لضرورة رسملة التاريخ. كما أكد على أهمية الاستمرار في تشريب المناهج العمانية بالعلاقات التي تربط عمان بالأقاليم التي كانت تحت سيطرتها كزنجبار وجواذر ومكران وغيرها، مقترحاً بإعطاء تأشيرة الدخول لمواطني هذه المناطق التي كانت تحت سيطرة الدولة في الماضي مجاناً. كما يجب التعاطي الإعلامي التاريخي بصورة حضارية، وان نلطف بارتباطاتنا التاريخية مع الدول، وان ننظر إلى الجوانب المشتركة فيما بيننا. فالقوة المعنوية والتاريخية والحجج تعطينا القوة للدفاع عن أي أمر يأتي إلينا من الخارج، وعلينا أن نقوي أسلحتنا القانونية لأي ادعاء باطل.
كما نحتاج إلى جهة تقوم بالدراسات والبحوث فيما يتحدث فيه البعض على ادعاءات غير صحيحة، وعلى المجتمع استغلال حاضره من خلال التاريخ القديم. فعلى سبيل المثال بالرغم من أن أطفالنا يقرأون يوميا عن قيام العمانيين بطر البرتغال من المنطقة، إلا أن إلى يومنا هذا لا توجد لنا علاقات دبلوماسية مع هذه الدولة، كما ان الميزان التجاري معها متضائل جداً.
وهنا من الضروري توفير الوعي للتعاطي مع الأمور التاريخية والحضارية وتكاتف القطاعين العام والخاص في عملية الوعي، خاصة وأن المؤسسات الحكومية لها دور كبير في تشكيل الوعي حول المورث وكيفية توظيفه في مختلف المجالات.