يتبدل التصنيف الائتماني “Credit Rating” للدول وفقًا لقدراتها المالية ومدى التزامها بدفع مستحقات المؤسسات التمويلية الدولية في موعدها، إضافة إلى مدى نجاحها في السياسات المالية والاقتصادية نحو تنويع مصادر الدخل والنمو الاقتصادي.
واليوم ما تواجهه دول العالم في هذا الشأن ليس بغريب علينا في السلطنة، فمن خلال بيانات المؤسسات المالية الدولية فيما يتعلق برفع التصنيف الائتماني لأي دولة، فإن ذلك يعزّز من حرص المستثمرين على منح المزيد من القروض الخارجية لحكومات تلك الدول والمشاركة في بناء وتأسيس المشروعات المختلفة لتعزيز التنمية بها، فيما يؤدي ذلك إلى تسهيل مهام الحكومات والبنوك المحلية في الحصول على القروض الخارجية وبنسب فائدة معينة، كا تبقى قيمة العملات المحلية لها في مأمن من التراجع.
وبالنسبة للسلطنة، فقبل أيام أعلنت وكالة “ستاندرد آند بورز” عن رفع تصنيفها الائتماني للسلطنة إلى BB- من+B مع نظرة مستقبلية مستقرة؛ حيث يأتي هذا التصنيف بعد سبع سنوات عجاف، وذلك نتيجة لتحسن المؤشرات المالية العامة للدولة وانخفاض مخاطر الدين العام مؤخراً. وفي الوقت الذي تعمل فيه الحكومة على اتخاذ خطوات جادة بهدف تحسين هذه المؤشرات من أجل تحقيق المزيد من المكاسب وتنويع مصادر الدخل خلال المرحلة المقبلة وفق احتياجات البلاد من مشاريع التنمية والحفاظ على قيمة الريال العماني، فقد أعلنت وزارة المالية عن خططها لسداد قروض بقيمة 2.85 مليار ريال نهاية الشهر الحالي ضمن خطتها الاستراتيجية لخفض الدين العام للدولة.
ومنذ أن بدأت أسعار النفط العالمية في التحسن تدريجياً لأسباب جيوسياسية واقتصادية بعد معاناة وتحديات واجهت البلاد لأكثر من سنتين بسبب جائحة كوفيد-19، وما تركت من آثار سلبية على الاقتصادات والمحلية والعالمية وتوقف حركة الأنشطة التجارية والاقتصادية الأخرى، فإن الدول المنتجة للنفط ومنها السلطنة تعمل اليوم على إعادة الترتيب المالي لها، والإسراع في تكوين الاحتياطات المالية الجديدة، إضافة إلى زيادة جرعات المبالغ للمؤسسات المالية الدولية للتقليل من عبء الديون التي ترتبت عليها في السنوات الماضية، بالإضافة إلى خفض العجز المالي وتقليل كلفة ومخاطر الدين العام.
ووفقا لبيان وزارة المالية، فإن الميزانية العامة للدولة لهذا العام تعمل على الالتزام بسداد أقساط الدين بواقع 2.7 مليار ريال عماني، فيما ترى وكالة “ستارندر آند بورز” أن التحسن المالي للسلطنة يعزى إلى الإجراءات المالية التي اتّخذتها الحكومة العمانية في إطار الخطة المالية متوسطة المدى، وارتفاع متوسط سعر بيع النفط ومعدل الإنتاج النفطي. وهذه العوامل جميعها- وفق بيان الوكالة- تؤدي إلى تحقيق فائض مالي للبلاد بنسبة 5.7% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الحالي، بخلاف توقعاتها السابقة بأن تمر السلطنة بعجز مالي بنسبة 4.6% من الناتج المحلي الإجمالي. وبذلك فإن هذه النتائج الإيجابية سوف تؤدي إلى خفض معدل الدين العام من الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة وتراجعه إلى نحو 49.6% بعدما كان يقدّر معدل الدين العام بنحو 65.1% من الناتج المحلي الاجمالي وفق توقعات الوكالة في العام السابق، بينما بلغ معدل الدين في الفترات السابقة نحو 90% من الناتج المحلي الإجمالي؛ الأمر الذي يعزّز من رفع التصنيف الائتماني للسلطنة خلال المرحلة المقبلة، ويزيد من معدلات الإنتاحية للقطاع غير النفطي، وزيادة نمو أنشطته بمعدلات بنسبة 2.2% إلى عام 2025، مقارنة مع 1.8% خلال العام الحالي.
وكلما شهد النمو الاقتصادي للبلاد تحسنا في الأوضاع الاقتصادية والمالية لها مع تشغيل المزيد من العمانيين الجدد، فإن التصنيف الائتماني سوف يتحسن هو الآخر، إلا أن على الحكومة في جميع الحالات العمل بخطط ناجحة تؤدي إلى رفع التصنيف الائتماني إلى درجة أكبر وبصورة تزيد من الاستمرارية والإنتاجية للمؤسسات غير النفطية. فأي تراجع أو تراخٍ في تنفيذ الإجراءات المالية، سيكون له تأثيرات سلبية، الأمر الذي يتطلب من الجميع دعم هذه التوجهات والتكيّف مع الأوضاع المالية السائدة في البلاد لحين الخروج من معمعة المديونية وفوائدها السنوية التي تقصم الظهر. وفي هذا الشأن فإن رفع درجة التصنيف الائتماني سوف يعزز من الوضع الاستثماري والمالي للبلاد مستقبلا، فيما تقدّر الوكالة بأن يبلغ الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للسلطنة في العام الحالي نحو 3.9%.
نحن على علم بأن الحكومة تعمل على تحريك القطاع الخاص من خلال المبادرات التي تتخذها، بجانب تقليل مصاريف الخدمات التي تهم هذا القطاع ومنها مصاريف خدمات التأشيرات والمأذونيات والإقامة والخدمات الأخرى. وكلما تراجعت رسوم هذه الخدمات فإن ذلك يكون في مصلحة بقاء مؤسسات القطاع الخاص ودفعها نحو مزيد من الاستمرارية في الإنتاج والعطاء. وعلى مؤسسات الدولة التوجه نحو إنشاء إطار تنظيمي أكثر ملاءمة للأعمال التجارية، وإعادة النظر في اللوائح التنظيمية لتحفيز الاستثمار وتمكين المستثمرين في الداخل والخارج من مزاولة الأنشطة التجارية والاقتصادية بشكل سليم والابتعاد عن الحصول على عشرات التواقيع والموافقات من أجل التوجه نحو الاستثمار. فأي إجراء مؤاتٍ جيد للأعمال سيعمل على تعزيز اقتصاد البلاد، وأي توجه نحو التقليل من الدين وفوائده السنوية سيقلل من ضغوطات التمويل الخارجي. والكل يعلم بأن حدوث أي مخاطر في عدم الدفع أوالوفاء بالالتزامات، يؤدي إلى تراجع التصنيف الائتماني للدول والمؤسسات نحو مزيد من السلبية وتراجع الجدارة الائتمانية لها. ومن هذا المنطلق تعمل الحكومة للحفاظ على المستويات الآمنة والمستدامة للإنفاق العام، وتسديد الدين والتوجه نحو الإنفاق الاستثماري ورفع مساهمات الإيرادات غير النفطية، مع العمل على توفير مزيد من فرص العمل للمواطنين والباحثين عنه.
وعمومًا.. إن قوة التصنيف الائتماني لأية دولة يعني أن لديها جدارة ائتمانية، تمكنها من الحصول على القروض، وسدادها في موعدها، وهذا ما تتجه إليه السلطنة لتصبح في يوم ما خالية من أي التزام مالي للآخرين أو من ديون متعثرة.