يجمع المسار بين الرياضة والمتعة والنزهة ويزوره الكبار والصغار
عمان: كتابة وتصوير – سامي البحري:
ليست كثيرة هي المدن التي تتميز بتنوعها الطبيعي وتضاريسها البديعة المتباينة، وفي هذه المساحة نتحدث هنا عن متنفس طبيعي في قلب العاصمة العُمانية مسقط الضاربة بجذورها في عمق التاريخ؛ فمن صخب المدينة المليئة بالحياة يشق (مسار سداب) لمحبي رياضة المشي طريقَه صعودا في اتجاه الشرق في جبل متوسط الارتفاع سهل المنال حتى الارتقاء على الإطلالة الشاطئية الخلابة، حين تلتقي أمواج البحر بجبالها الشامخة وشواطئها الوادعة حيث الرمال الناعمة وأصداف المحار المتنوعة، وما خُفي تحت المياه من شعب مرجانية مع ألوان وأشكال وأسماء متنوعة من الأسماك الجميلة.
مسار سداب
مسار سداب الجبلي يبدأ من قرية سداب بمحاذاة جبلها الشرقي بين قصر العلم العامر وفندق قصر البستان الزاهر، حيث يبدأ المسار تحديدا من المقبرة المحاذية للتجمعات السكنية بصعود بسيطٍ للجبل ثم صعود السلم المثبت هناك، ويستمر المشي في الأعلى ليقف الناظر لالتقاط أجمل الصور لتخليد المشهد الرائع، بعدها يتحول المسير نزولا متعرجا للأسفل حتى يبدأ المسير الرملي على الشواطئ المختبئة خلف الجبال تارة وعلى الصخور تارة أخرى وهنا قد تنقسم الشواطئ إلى اتجاهين إما لليمين أو لليسار جميعها تؤدي إلى أجمل المناظر والمشاهد؛ حيث تتداخل الجبال مع ألسنة مياه البحر في لوحة ربانية أبدعها الخالق جل في علاه. ومن يسلك اتجاه اليسار ويحاذي أمواج الشاطئ الهادئة ويناور بين الصخور حتى يصل إلى المقابر المسيحية وقد كتبت بعض التواريخ والعبارات على القبور التي يرجع الكثير منها إلى عشرات السنين حيث توضح بعضها العمر وتاريخ الوفاة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على روح التسامح والتعايش السلمي في سلطنة عمان منذ القِدم.
المسار واضح المعالم وقد تمت تهيئته مؤخرا من قبل بعض الفرق الرياضية والشباب المهتمين برياضة المشي وصعود الجبال والتسلق أو ما يعرف برياضة (الهايكنج)؛ حيث تم استبدال الدرج الخشبي القديم بدرج حديد مثبت في الجبل من الأسفل والأعلى، كذلك تم وضع حبل حديدي محاذي للدرج لمزيد من الأمان، كما تم استحداث بعض المقابض الحديدية التي تمكن الشخص من وضع القدم عليها والتنقل بيسر وسهولة، إضافة لتهيئة التربة في مسار المشي ووجود بعض العلامات الملونة.
المقابر المسيحية
ونقلا عن «أثير» كتب د. محمد بن حمد العريمي: ((بحسب الاطلاع على الموقع الجغرافي للمقبرتين يبدو أن المقبرتين تقعان في ذات المنطقة خلف سداب وقريبًا من مدينة مسقط القديمة، ويمكن الوصول إليهما من مسقط عن طريق مسار جبلي خلف حارة ولجات أو من سداب. وقد ضمت هاتان المقبرتان رفات عدد من جنود جيوش الكومنولث التي خاضت الحرب العالمية الأولى.
تُعرف المقبرة القديمة محليًا باسم «Sa’Ali Cove» أو Cove Christian Cemetery ، ويوجد بها حوالي 19 قبرا تضم رفات 21 شخصًا، أقدمها قبر المهندس الكسندر كيرستينج الذي دفن عام 1866، وهو مهندس ولد في هانوفر بألمانيا، وأحدثها قبر ويليام ميريفيلد ويعود لعام 1922م. ومن أبرز الشخصيات المدفونة في هذه المقبرة: تومالس فالبي المطران والمبشر الفرنسي الذي توفي عام 1891 بعد إصابته بضربة شمس أثناء سفره من مطرح إلى مسقط، ويقع القبر في قاع الوادي الضيق الذي تحيط به الصخور السوداء، وبحسب الباحث منتظر حسن اللواتي فإن المطران المشار إليه كان بريطانيًا، وكان المطران الأول للاهور، وقبره يختلف عن بقية القبور حيث إنه بني من الرخام بخلاف البقية. كما يوجد قبر الوكيل السياسي البريطاني الفريد واي الذي دفن عام 1871م. أما المقبرة الجديدة فتعرف بمقبرة مسقط البحرية الجديدة، وتعرف محليًا باسم شيخ جابر كوف.
نزهة
يجمع مسار سداب بين الرياضة والمتعة والنزهة ويزوره الكبار والصغار؛ فهو لا يتعدى كيلومترين مشيا بين الجبال والرمال في مسار يعتبر متوسطا بين الصعود والنزول والمشي على الرمال ثم الجلوس على أجمل الشواطئ الهادئة والاستمتاع بالأجواء والهدوء وارتشاف القهوة الأصيلة أو إعداد وجبة خفيفة وتبادل أطراف الحديث الودّي، ومنهم من يمارس السباحة البحرية أو من محبي الغوص ومشاهدة الشعاب المرجانية لمن يتمكن من ذلك ولديه الخبرة والمعرفة الكافية. ثم يعود أدراجه إلى نقطة البداية والانطلاقة أو الرجوع بأحد القوارب البحرية بعد التنسيق المسبق. ومنهم من يعتبر المسار متنفسا لممارسة الرياضة واكتساب اللياقة البدنية.
وتجدر الإشارة هنا إلى رفع شعار (اترك المكان أفضل مما كان)، كما لا ننسَ أخذ الاحتياطات اللازمة من الماء والغذاء وعدة الإسعافات الطبية الاحتياطية والمصابيح اليدوية لمن أراد السير ليلا.