يواجه العديد من الدول العربية تحديات اقتصادية ومالية كبيرة منذ عقود، يتعلق بعضها بتراجع عملاتها الوطنية، في الوقت الذي خلفت فيه الجائحة كوفيد 19 نتائج وآثاراً سلبية سيئة لاستمرارها على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية لها. ويأتي لبنان اليوم على قائمة هذه الدول حيث يعاني سكانه من صراعات طائفية وتحديات اقتصادية ومالية وتضخم مستمر في قيم السلع والمنتجات والخدمات، بالرغم من أن هذه الدولة تمتع بالكثير من الخيرات الزراعية والصناعية والغذائية والخدمية، ناهيك عن الامكانات المالية والمصرفية لها، بجانب ما تتمتع به من مقومات سياحية فريدة في المنطقة العربية.
التحديات التي يواجهها لبنان اليوم أدت بالبنك الدولي إلى إصدار بيان حذر فيه من أن الأزمة الاقتصادية تعتبر من أسوأ أزمات تمر بها لبنان منذ خمسينيات القرن التاسع عشر، قائلا إنها تهدد استقرارها على المدى الطويل. ويتفق مع هذا البيان آراء معظم أفراد الشعب اللبناني الذي يرى أن هذه الازمة عبارة عن كساد متعمد، وأن طبقة النخبة في لبنان هي التي سببتها نتيجة لاستيلائها على مقدرات الدولة منذ فترة طويلة، وعاشت من ريعها الاقتصادي على حساب الأفراد الذي لا يتمكنون من الحصول على إيداعاتهم الاجنبية في المؤسسات المالية والبنوك بصورة معتادة كما هو حاصل في العديد من دول العالم. فالأوضاع الحالية السائدة بسبب البيئة الجيوسياسية تؤكد الحاجة الملحة إلى معالجة هذه الأزمة التي تزيد من آثارها السيئة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشعب كل يوم.
فالإيرادات الحكومية اللبنانية وفق تقرير البنك الدولي تراجعت بنحو النصف في العام الماضي 2021، لتصل إلى 6.6 % من الناتج المحلي الإجمالي – وهذه هي ثالث أقل نسبة على مستوى العالم بعد الصومال واليمن.
إن الأزمة الاقتصادية بلبنان تفاقمت منذ عام 2019 لعدة أسباب منها سوء إدارة الإنفاق الذي أدى إلى ارتفاع الديون السيادية للبلاد، بجانب الخلافات السياسية بين الفصائل المتنافسة، وتأخرها بتشكيل الحكومة الوطنية، وتراجع الدعم العربي للبنان، في الوقت الذي يتهم فيه تقرير البنك الدولي النخبة بتدبير الأزمة بعد استيلائها على الدولة، مشيراً إلى أن تقديراته توضح أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للبنان انخفض بنسبة 10.5%، ليبلغ إجمالي الدين 183% من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي. وهذا يعني أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في هذا البلد متجه نحو مزيد من التعقيد، في الوقت الذي تعصف فيه أزمة الجائحة بالوضع الحالي. وأمام ذلك نرى أن الليرة اللبنانية فقدت الكثير من قوتها لتصل قيمة دولار أمريكي واحد في السوق السوداء إلى أكثر من 25 ألف ليرة أحيانا، الأمر الذي يؤثر بصورة كبيرة على الفئات الضعيفة والفقيرة وعلى مدخراتهم من العملات. ولقد أدت هذه الاوضاع إلى سخط الناس وتظاهرهم واشتباكات واحتجاجات بسبب تضررهم من العملة المحلية نتيجة تراجع القدرة الشرائية لها والتي تقف عاجرة عن الحصول على الاحتياجات اليومية للشعب. وهناك الكثير من اللبنانيين يعزون هذا التراجع إلى غياب الاصلاح الاقتصادي والفساد المستشري بين المؤسسات الحكومية المتعاقبة، والسطو على المال العام، وتطبيق أمريكا العقوبات على بعض الاحزاب وبعض المصارف اللبنانية، في الوقت الذي لا يتمكن اللبنانيون من سحب مدخراتهم التي كونوها خلال السنوات الماضية.