Image Not Found

د. كاظم جعفر: تعزيز الإمكانات المادية والبشرية وراء صمود نظامنا الصحي أمام الجائحة

عُمان: حوار: عهود الجيلانية

أكد الدكتور كاظم بن جعفـر اللواتي مدير عام الرعاية الطبية التخصصية بوزارة الصحة في حديث خاص لـ«عمان» أن الأبحاث والدراسات العالمية لا تزال مستمرة في تحليل الوضع الوبائي للمتحور الجديد «أوميكرون» ولكن تشير البيانات الأولية إلى سرعة انتشاره بدرجة كبيرة ما يزيد من فرصة توسع نطاقه وإصابة عدد كبير من الأشخاص في فترة زمنية قصيرة وقد يستدعي تنويم بعضهم في المستشفيات، ولكن الظاهر من تجارب الدول أن فترة مكوث المريض داخل المستشفيات بالمتحور الجديد أقل مقارنة بالفيروسات المتحورة سابقا ولكن في كل الحالات نخشى من أن يسبب المتحور الجديد ضغطا على المؤسسات الصحية كما حصل في الموجات الماضية.

التخطيط المسبق

وعن صمود مؤسسات القطاع الصحي تابع الدكتور كاظم قائلا: خلال السنتين الماضيتين، تمكنت المستشفيات من التعامل مع جائحة كورونا من خلال وضع الخطط المسبقة التي لعبت دورا حاسما في توفير الرعاية التخصصية لمرضى «كوفيد-19» في كافة مستشفيات سلطنة عمان على الرغم من ارتفاع عدد المرضى بفترة الذروة الأولى التي كانت بشهر أكتوبر 2020 والموجة الأخرى الكبيرة خلال شهري مايو ويونيو 2021.

ومع اتباع كافة الإجراءات والاحتياطات اللازمة للحد من انتشار الفيروس إلا أن ما حصل في الموجة الأخيرة من تزايد عدد الإصابات أدى إلى تزايد حالات الترقيد التي فاقت التوقعات أثناء تفشي الفيروس بالمجتمع العماني لذا فرضت جائحة كورونا على نظام الرعاية الصحية تحديد الأوليات مع الضغط الكبير الواقع على المستشفيات أهمها ضرورة زيادة الطاقة الاستيعابية الإجمالية في المستشفيات من أجهزة ومعدات طبية وأدوية وكوادر بشرية لزيادة التعامل مع مرضى «كوفيد-19» وإيقاف الخدمات غير الأساسية مع الحفاظ على خدمات المستشفيات التي يجب أن تقدم تحت أي ظرف مثل الخدمات المقدمة للحالات الطارئة والمستعجلة والتي لم تتوقف إطلاقاًَ.

ومنذ بداية الجائحة تمت زيادة أسرّة العناية المركزة من 100 سرير إلى 230 سريرا، فقد وصل عدد المرضى في العناية بالموجة الأولى ما يقارب 220 مريضا فكان الوضع مستقرًا لحد ما، وقبل الموجة الثانية أيضا تم رفع الطاقة الاستيعابية للأسرّة إلى 330 سريرا، كما سنحت الفرصة لاستقطاب موارد بشرية من الخارج بحوالي 500 ممرضة و50 طبيب تخدير وعناية مركزة، ولكن للأسف الوضع في الموجة الثانية ارتفع فيه عدد مرضى العناية المركزة إلى 538 مريضا ما أدى إلى حدوث ضغط هائل على الخدمات الصحية بالمستشفيات.

ومن جانب آخر تم دعم القطاع الصحي قبل الموجة الثانية بالمستشفى الميداني الذي خصص للتعامل مع مرضى كورونا، حيث افتتح بطاقة استيعابية بلغت 100 سرير ثم رفع إلى 200 سرير ولعب دورا كبيرا في علاج الكثير من المرضى بعد أن وصل أكبر عدد من إجمالي المرضى بالمؤسسات الصحية «المستشفيات» في فترة ما إلى 1650 مرقدا في يوم واحد لمرض واحد وتم التعامل معهم حسب البروتوكولات المحددة لجائحة كورونا.

وأوضح مدير عام الرعاية الطبية التخصصية أن الوضع الوبائي كان يتطلب التخطيط المسبق ووضع برامج صحية لإدارة الحالة الطارئة في المستشفيات وتنسيق كافة الأدوار للتعامل مع الجائحة بكل حرفية وكانت وما زالت الاجتماعات متواصلة، ولا يمكن إنكار وجود «معاناة» أثناء فترات الذروة ولكن تجاوزت المستشفيات المراحل الصعبة.

ومع ارتفاع عدد مرضى «كوفيد-19» خاصة في العناية المركزة كانت الحاجة ملحة إلى عدد أكبر من الموارد البشرية، وبالرغم من القيود على السفر في تلك الفترة، والمنافسة الشديدة عن استقطاب الكوادر البشرية من الخارج، إلا أننا استطعنا استقطاب عدد جيد من الكوادر من الخارج، كما تمت الاستعانة بكوادر الرعاية الصحية الأولية تلبية لحاجة الوضع الطارئ.

ومنذ البداية قامت وزارة الصحة بدراسة الوضع محليًا وعالميًا ووضع خطة شاملة في المستشفيات مما أتاح المجال لتحسين طرق التعامل مع الفيروس وتشكيل فرق عمل والتخطيط بشكل مدروس والاطلاع على وضع الدول الأخرى في تجربة التعامل مع الفيروس وارتفاع عدد الحالات في بعض الدول بصورة كبيرة، لذا كان التوجه الأولي بشراء أكبر عدد من الأجهزة التنفسية لأن الخوف والهاجس من تعرض سلطنة عمان إلى انتشار واسع للفيروس وحاجة المرضى إلى الأجهزة كما حصل في بعض الدول، وبالفعل تم شراء كميات كبيرة على الرغم من أنه كان لدينا أعداد مناسبة من الأجهزة التنفسية وكان الطلب عليها كبيرًا فقد تم إرسال فرق وتنظيم رحلات لشراء أجهزة ومعدات طبية مباشرة من بعض الدول وما حدث من تعرض وانتكاسة الأنظمة الصحية في بعض الدول لم يحصل معنا فلم تنقص لدينا الأجهزة التنفسية والمعدات والأدوات الاستهلاكية والأدوية رغم الاستهلاك الكبير لهذه الضروريات، واستطاعت المؤسسات الصحية الصمود أمام الجائحة رغم تزايد عدد المرضى.

استقالة الكوادر

وبيّن الدكتور كاظم أن المشكلة الكبرى تكمن في الموارد البشرية واستقالة بعض الكوادر، مع أنه تم إيقاف الاستقالات في فترة ذروة الجائحة لفترة زمنية معينة ولكن مع هذا تواصل الوزارة استقطاب الموارد البشرية بصورة مستمرة ويتم تأهيلهم وتدريبهم، وقد كان هناك تعاون بين القطاعات الصحية المختلفة من مستشفى الجامعة ومستشفى القوات المسلحة، كما أن القطاع الصحي الخاص استطاع استيعاب 250 مريضا يعاني من «كوفيد-19»، واستطاع القطاع بناء قدراته بسرعة للتعامل مع الجائحة.

وفسر الدكتور طريقة التوفيق بين معالجة تداعيات الأزمة وتنظيم مسار العمل بالمستشفيات مع كثرة المواعيد وخطتهم في هذا الجانب، قائلا: مواعيد العيادات في المستشفيات لم تتأثر كثيرا فقد استمرت في العمل، وتم إدخال نظام العيادات الافتراضية في بعض المستشفيات، ولكن التأثر الكبير كان في مواعيد العمليات غير الطارئة وغير المستعجلة التي تأخرت كثيرًا وأغلب المستشفيات عادت للعمل حتى بالفترة المسائية وأيام الإجازة الأسبوعية للتعامل مع العمليات المتأخرة.

وضع المستشفيات

وعن المشهد الوبائي وما حدث داخل المستشفيات، أوضح الدكتور أن إحصائيات المتحورات السابقة من فيروس كورونا بيّنت أن 6% من إجمالي المصابين تم ترقيدهم في المستشفيات ومن إجمالي هؤلاء المرقدين 26% تم ترقيدهم في العناية المركزة وبلغت نسبة الوفيات 1.3% من إجمالي المصابين، وهذه النسبة كانت في البداية مرتفعة عالميا، حيث وصلت 10% في بعض الدول ثم استقرت عند 2-2.5%، ولكن ظلت منخفضة بشكل عام في دول الخليج ولله الحمد، كما مثلت وفيات «كوفيد-19» مقارنة بإجمالي الوفيات المسجلة في سلطنة عمان2020م، ربع الوفيات وهو رقم كبير لمرض واحد مقارنة بالأمراض الأخرى المسببة للوفاة.

أما الوضع الحالي المتمثل في مدى انتشار الفيروس المتحور «أوميكرون» فإنه لا يمكن الجزم بوضع المرضى ولكن يتضح أن عدد المرضى الذين يحتاجون إلى الترقيد في المستشفيات أقل وكذلك الذين يحتاجون إلى العناية المركزة، والأرقام ما زالت غير واضحة.

ولفت الدكتور كاظم إلى أن الإحصائيات حتى شهر يناير 2022م توضح ترقيد حوالي 27 ألفًا و20 مريضا في المستشفيات أما في وحدة العناية المركزة فقد بلغ عدد الحالات 7 آلاف و83 مريضا يمثلون 26% من مجموع المرضى المرقدين في المستشفيات وعند قراءة مؤشرات فترة الذروة الأخيرة توضح الأرقام ارتفاع الأعداد مقارنة بالفترة الماضية حيث تم ترقيد ما يقارب 210 مرضى منهم 50 مريضًا في العناية المركزة في يوم واحد، وأشار إلى أن الأشهر الماضية من شهر سبتمبر وأكتوبر حتى نهاية ديسمبر كانت وكأنها «أشهر تعافٍ» لقلة عدد الإصابات.

وخلال الأشهر الثلاثة الماضية (أكتوبر-ديسمبر2021م) تم ترقيد حوالي 160 مريضا فقط منهم 28 مريضا في العناية المركزة.

إلا أنه منذ الأسبوع الأول من يناير بدأت الحالات المرقدة بالارتفاع، حيث بلغ عدد المرضى المرقدين في النصف الأول من شهر يناير 167 مريضا منهم 24 مريضا في العناية المركزة فالفرق واضح في ارتفاع عدد الحالات المنومة، ورغم أن أغلب المرقدين ما زالوا من الفئة التي لم تحصل على التطعيم، إلا أن هناك بعض الأشخاص المرقدين الذين حصلوا على التطعيم.

وأضاف: حول انتشار المتحورات السابقة والمتحور «أوميكرون» تراقب وزارة الصحة والمختصون الوضع الوبائي الحاصل في العالم وتأثر السلطنة به، والبيانات الأولية تشير إلى أن المتحور الجديد ما زال يحتاج إلى بحث لأنه ظهر منذ فترة قصيرة ليست كافية ولا تزال الأبحاث جارية ولا يمكن تحديد نتائج الدراسات حتى تعتمد نهائيا إلا أن «اأوميكرون» سريع الانتشار اكثر من المتحورات السابقة وحسب المعطيات ما زال أقل شدة، وبالتالي نتوقع أن تكون نسبة الترقيد في المستشفيات والعناية المركزة والوفيات أقل مقارنة بالمتحورات السابقة، ولكن الخوف من الانتشار السريع وارتفاع معدلات الإصابة في اليوم الواحد التي ترفع فرص ترقيد المرضى، ومن هنا تم اعتماد مؤشرات معينة تتم متابعتها يوميًا لاتخاذ القرار بإعادة فتح المستشفى الميداني.

الجرعة المعززة

وأوضح الدكتور كاظم إلى أن المؤشرات تؤكد حاجة الناس إلى أخذ جرعة معززة من اللقاح المضاد لفيروس كورونا خاصة بعد تسجيل حالات مطعمة تم ترقيدها في المستشفيات، داعيا كافة الفئات المستهدفة التي حددتها وزارة الصحة إلى أخذ الجرعة الثالثة المعززة، وذلك من أجل حماية أنفسهم أولًا وللوصول إلى مناعة مجتمعية آمنة نستطيع بها التخلص من الجائحة.

في ختام حديثه أكد مدير عام الرعاية الطبية التخصصية بوزارة الصحة إلى ضرورة السعي إلى تحليل الوضع ومعرفة الأولويات التي يحتاجها القطاع الصحي خاصة في المستشفيات وتحسين طاقتها الاستيعابية بحيث تكون أكثر من الحاجة الفعلية مراعاة للظروف المفاجئة والطارئة، منوها إلى أن التجربة الحالية تكشف حاجة مستقبلية إلى زيادة القدرات المحلية لإنتاج الأدوية والمستلزمات الطبية.