تشهد الساحة الفنية والثقافية العمانية هذه الأيام تفاصيل الكشف عن حدث معماري «جائزة بلعرب بن هيثم للتصميم المعماري»، وهي ليست منافسة عادية فحسب فلها أبعاد اقتصادية مرتبطة برؤية عمان 2040.
المثير للاهتمام في هذه الجائزة أنها تحمل اسم معماري صاعد مغايرة لأسماء الجوائز المعمارية الكبرى في المنطقة التي تحمل أسماء شخصيات مشهود لها بالريادة في مجمل إنجازات مسيرتهم المعمارية على مدى نصف قرن أو أكثر، وهذا ليس من الغضاضة في شيء، فالإعلام عملق أسماءً على حساب الأجيال الشابة التي تبحث عن فرصة لمستقبل أفضل، وهنا تكمن أهمية الجائزة الفتيّة التي تُطلق في وقت يسود الانطباع العام على المشهد العمراني بنظرة غير مشجعة للمنتج المعماري، وتوجد جوّاً من الإحباط بين المعماريين أنفسهم فضلا عن قطاع عريض من الجمهور الذي يزداد وعيه بأهمية البيئة المبنية في تحسين جودة الحياة.
على المستوى الاقتصادي فإن الجائزة ضمن أهدافها ضمّت مواقع حيوية لتحويلها لوجهات سياحية، وفي دورتها الأولى تنطلق من مدينة مطرح التي قال عنها المعماري العراقي محمد مكية – رحمه الله – إنها الأخت الشقيقة لمدينة مسقط القديمة، فكلتاهما مدينتا ميناء ساحليتان، ومطرح على وجه الخصوص اجتذبت أطيافا وأثنيات متعددة ساهمت في تشكيل ورسم ملامحها، ويقع الموقع مجاورا لمبنى سوق السمك الذي كان مرشحا لجائزة الآغا خان المعمارية في دورتها الأخيرة وبالقرب من متحف بيت البرندة الذي كان هو الآخر مرشحا لذات الجائزة في وقت سابق، مطلا على الحافة الغربية من خليج ميناء السلطان قابوس وتقابله من الجهة الشرقية المقابلة قلعة مطرح وخلفها الأبراج الدفاعية تحرس السوق الشعبي والأحياء كحارة سور اللواتية التاريخية. لذا فإن استثمار هذه المقوّمات التاريخية في تصميم معماري لن ينتج مبنىً عاديا فحسب، وإنما سيرفد القطاع السياحي بتحفة تجتذب الزوار وهو ما سيوجد قيمة اقتصادية مضافة من خلال عملية التصميم المعماري لتنعكس على قطاع السياحة واللوجستيات والفندقة والمطاعم.
وهي في ذات الوقت تمثّل شراكة مجتمعية تتيح للمعماريين الشباب من أبناء الوطن المشاركة الفعّالة في تقديم أفكارهم وإبداعاتهم خصوصا وأن المعماري العماني اليوم يملك بين يديه حصيلة معرفية علمية وتقنية، ورصيدا حضاريا راكزا في عمق التاريخ العماني العريق ليتبوأ موقعا رياديا بين معماريي العالم، فهل توجد شراكة مجتمعية أفضل من أن يساهم أبناء البلاد في رسم هوية وطنهم بأيديهم ويخطّها بأقلامهم؟
وهو ما سينعكس بالإيجاب على الواقع المهني ليطرح تساؤلات وأفكارا تغلب عليها المصارحة عما هي الجودة التي يجب أن نصل إليها في مجتمعنا بعمارتنا وهندسة مبانينا، وألا نقبل عمليات النسخ واللصق الرخيصة والممارسات المبتذلة من قبل الدخلاء على المهنة، أو بذل مجهود على الاستعراض المعماري دون الاهتمام بالعائد المجتمعي أو الوظيفي. وحيث إن الجائزة فتحت باب التنافس للدارسين والطلبة، ما يعني بالضرورة فرصة كبيرة لظهور المواهب المغمورة ويدل على بناء جيل واع يبني ثقته بنفسه، وإن كانت بالمشاركة فقط؛ فهناك جوائز تقديرية يتخلق تحديا أمام لجنة التحكيم لاختيار نتائج قادرة أن تلهم النهضة المتجددة في عُمان نحو مستقبل أفضل كما رسمها قائد البلاد المفدى وما مباركته السامية لهذه الجائزة إلا دليلا واضحا نحو الاهتمام بالتميّز في العمارة.
*علي بن جعفر اللواتي مهندس معماري عماني وإعلامي حاصل على جائزة محمد مكية للعمارة ٢٠٢٠