عُمان: كتب – يوسف بن سالم الحبسي
المباركة السامية بإنشاء المركز الوطني لزراعة الأعضاء تشكل حجر الأساس
ـ د. خالد البلوشي: السلطنة من أوائل الدول التي بدأت بزراعة الأعضاء في المنطقة عام 1988
ـ د. فتحية الحارثية: التبرع بالأعضاء بعد الوفاة هو الحل الوحيد لمرضى الفشل العضوي
ـ إسحاق السيابي: التبرع بالأعضاء عمل إنساني وسعدت جداً أن أكون ضمن أوائل المتبرعين
ـ سعيد الحبسي: سجلت كأول متبرع بعد الوفاة لكلية الطب بجامعة السلطان قابوس
تحتفل سلطنة عمان غدا للمرة الأولى باليوم العماني للتبرع بالأعضاء الذي يوافق (19 ديسمبر) ذكرى إجراء أول عملية نقل أعضاء في السلطنة ليكون هذا اليوم مناسبة سنوية لتذكير المجتمع بأهمية التبرع بالأعضاء ومساعدة مرضى الفشل العضوي والذي يأتي تزامناً مع المباركة السامية بإنشاء المركز الوطني لزراعة الأعضاء.
“عمان” استطلعت آراء الأطباء حول التبرع بالأعضاء بعد الوفاة وأهميته لمرضى الفشل العضوي، والأعضاء التي تتم زراعتها في السلطنة، والحملات التوعوية بأهمية التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، كما التقت ببعض المتبرعين.
بداية قال الدكتور خالد بن عيسى بن محمد البلوشي، عضو مجلس إدارة الرابطة العمانية لزراعة الأعضاء: إن 19 ديسمبر يصادف تاريخ إجراء أول عملية نقل أعضاء في السلطنة واختير هذا اليوم من قبل معالي الدكتور أحمد بن محمد السعيدي وزير الصحة ليكون مناسبة سنوية لتذكير المجتمع وتثقيفهم بأهمية التبرع ومساعدة مرضى الفشل العضوي.
وأشار إلى أن أعداد مرضى الفشل العضوي كبيرة في بلدنا الغالي وهذه الأعداد لسوء الحظ في ازدياد، إذ هؤلاء المرضى هم جزء من مجتمعنا وهم يعانون بشكل كبير جداً وأقاربهم بسبب الضمور العضوي بحيث إن أغلبهم تصبح حياتهم معتمدة بشكل أساسي على الأجهزة مثل مرضى الفشل الكلوي وهناك من يتوفاه الله قبل توفر عضو بديل منهم مرضى فشل الكبد أو القلب أو الرئتين، مشيراً إلى أن هناك أعداداً كبيرة جداً من مرضى الفشل العضوي الذين لا يوجد لديهم متبرعون بسبب الأمراض المزمنة في العائلة أو بسبب عدم الموافقة لتعريض أقاربهم لعمليات التبرع بالأعضاء، كما أن بعض الأعضاء مثل القلب والرئتين لا يمكن التبرع بها من متبرعين أحياء، فالحل الأمثل في هذه الحالات هو الحصول على الأعضاء من متبرعين ميتين دماغياً، وهذا لا يتعارض مع ديننا الحنيف ومع القوانين الدولية، بالعكس هذا يعتبر من الصدقات الجارية بعد الوفاة حسب ما اشار إليه فضيلة الشيخ الدكتور كهلان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة في الندوة الوطنية الأولى لزراعة الأعضاء.
وأضاف: إن سلطنة عمان من أوائل الدول التي بدأت بزراعة الأعضاء في المنطقة إذ إن أول عملية نقل أعضاء في السلطنة كانت في عام 1988 واستمر الوضع بعمليات محدودة في مستشفى جامعة السلطان قابوس والمستشفى السلطاني ولم يحصل تطور ملحوظ في هذا الجانب لعدم وجود برنامج وطني ينظم ويتابع ويدعم التبرع بالأعضاء، لهذا السبب تم تأسيس البرنامج الوطني لزراعة الاعضاء بقرار وزاري عام 2018 ومنه انبثقت اللجنة الوطنية لزراعة الأعضاء، هذه اللجنة تعمل جاهدة لتسابق الزمن لتلحق بركب دول الجوار الذين يسبقوننا بمراحل في هذا المجال، كما تم إنشاء الرابطة العمانية لزراعة الأعضاء خلال العام الجاري لدعم جهود اللجنة الوطنية لزراعة الأعضاء من خلال تثقيف المجتمع ونشر الوعي بأهمية التبرع بالأعضاء، وذلك بإقامة الندوات والمحاضرات وإنشاء المساحات في مواقع التواصل الاجتماعي للوصول إلى أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع، واستبشرنا جميعاً بالمباركة السامية لجلالة عاهل المفدى ـ حفظه الله ورعاه ـ بإنشاء المركز الوطني لزراعة الأعضاء، هذه المباركة السامية ستشكل حجر الأساس للمضي قدماً لمواكبة التطور العالمي في هذا المجال، مضيفاً: إن الحصول على الأعضاء من مرضى ميتين دماغياً يتطلب موافقة الأشخاص قبل الوفاة ولهذا السبب أنشأت وزارة الصحة بالتعاون مع اللجنة الوطنية لزراعة الأعضاء تطبيق للهواتف المحمولة لتسهيل اجراءات التسجيل للمتبرعين، وقامت في الوقت نفسه بسن القوانين والبروتوكولات التي تنظم هذا الجانب حسب معايير عالمية تحترم ديننا الحنيف وتحترم المتبرع والمتبرع له.
الفشل العضوي
وقالت الدكتورة فتحية بنت محمد بن سعيد الحارثية، استشارية أمراض الجهاز الهضمي والكبد للأطفال بالمستشفى السلطاني، ونائبة سر الرابطة العمانية لزراعة الأعضاء: إن التبرع بالأعضاء بعد الوفاة هو الحل الوحيد لمرضى الفشل العضوي الذي لا يمكن التبرع لهم أثناء الحياة مثل فشل القلب، الرئة، البنكرياس والقرنية، نحن بحاجة للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة بسبب الحاجة المتزايدة للأعضاء من أجل عمليات زراعة الأعضاء وأيضاً بسبب نقص الأعضاء المتبرَّع بها من مُتبرِّع حي، وذلك لوجود نسبة عالية بعدم توفر متبرع حي مطابق لأسباب عديدة منها أن 43% من المجتمع العماني هم أقل من 18 سنة و6% فوق 60 سنة من العمر، إلى جانب ذلك هناك نسبة من الأفراد لديهم أمراض مزمنة وليس من الممكن التبرع بأعضائهم “32.2% ضغط دم، 14.5% السكري، 35.2% السمنة، 9.5% اعتلالات الهيموجلوبين”.
وأشارت إلى أن أول عملية زراعة كبد من متبرع حي في سلطنة عمان كانت في عام 2017، والحمد لله رب العالمين وتوفيق من الله عز وجل للآن ما يقارب 14 عملية زراعة للكبد تمت في السلطنة، ومؤخراً أي بتاريخ 24 أكتوبر من هذا العام أجريت أول عملية زراعة كبد ناجحة لطفل يبلغ من العمر5 سنوات في المستشفى السلطاني، مشيرة إلى أن الأعضاء التي يمكن زراعتها في السلطنة في الوقت الحالي هي الكلى والكبد، وبإذن الله تعالى نحن نعمل بالتعاون مع وزارة الصحة على إتمام إنشاء نظام وطني متكامل للتبرع بالأعضاء في سلطنة عمان ونأمل مستقبلا التوسع في مجال زراعة الأعضاء وزراعة أعضاء أخرى.
وأضافت: إن التبرع بالأعضاء بشكل عام هو عندما يوافق الشخص على إزالة أي عضو من أعضائه، بطريقة قانونية، عندما يكون المتبرع على قيد الحياة أو بعد الوفاة ولا يجوز التبرع إلا بناء على موافقة كتابية من المتبرع، ويحظر ممارسة أي ضغط نفسي، أو مالي أو إكراه مادي أو معنوي أو التأثير عليه بأي طريقة للحصول على هذه الموافقة، مضيفة: إن المتبرعين بالأعضاء نوعان أحياء أو متوفون دماغياً، وبالنسبة للمتبرعين الأحياء عادة ما يتضمن التبرع بالأعضاء اختبارات مكثفة قبل التبرع، بما في ذلك التقييم النفسي لتحديد ما إذا كان المتبرع المحتمل يفهم ويوافق على التبرع، وفي يوم التبرع، يصل المتبرع والمتلقي إلى المستشفى، تماماً كما هو الحال في أي عملية جراحية، والتبرُّع بالكُلى من متبرِّع حي هو أكثر أنواع الزراعة من المتبرِّعين الأحياء شيوعًا. يُمكن للأشخاص التبرُّع بإحدى الكُليتين، والكُلية الباقية قادرة على أداء الوظائف الضرورية، ويُمكن للمتبرِّعين الأحياء أيضًا التبرُّع بجزء أو فص من الكبد، بينما يتجدَّد الكبد المتبقِّي، ويعود إلى حجمه الأصلي تقريبًا ويُؤدِّي وظيفته الطبيعية، وتُعدُّ عمليات زراعة الكُلى والكبد من أكثر أنواع التبرُّع بالأعضاء من متبرِّع حي شيوعًا، ولكن قد يتبرَّع الأشخاص الأحياء أيضًا بالأنسجة لعمليات الزراعة، مثل نخاع العظم والخلايا المكوِّنة للدم “الخلايا الجذعية” التي تضرَّرَتْ أو دمَّرتها الأمراض، مثل المخدِّرات أو الإشعاع، وبالنسبة للمتبرعين المتوفين دماغياً، تبدأ العملية بالتأكد من أن الشخص قد توفي دون شك، وتحديد ما إذا كان يمكن التبرع والحصول على موافقة للتبرع بأي أعضاء قابلة للاستخدام، عادة ما يتم التحقق من الوفاة الدماغية بالفحص الكلينيكي من قبل أطباء أعصاب وأطباء العناية المركزة “أطباء مختصين في وظائف المخ” إلى جانب الفحوصات المساعدة الإشعاعية وتخطيط الدماغ.
وأكد أن الرابطة العمانية للتبرع بالأعضاء ضمن أهدافها تنفيذ حملات توعوية وتثقيفية عن أهمية التبرع بالأعضاء أثناء الحياة وبعد الوفاة، وتنظيم اللقاءات والندوات والمؤتمرات العلمية وإصدار البروتوكولات والأدلة العلاجية الخاصة بالتبرع بعد الوفاة من خلال التعاون مع وزارة الصحة ومختلف الجهات ذات العلاقة لدعم البرنامج الوطني لزراعة الأعضاء وتم تدشين تطبيق إلكتروني “الشفاء” لتسهيل عملية التسجيل للتبرع بعد الوفاة.
تخفيف الآلام
وقال الشيخ إسحاق بن سالم السيابي، أحد أوائل المسجلين في قائمة المتبرعين بالأعضاء بعد الوفاة : إن التبرع بالأعضاء بعد الوفاة هو عمل إنساني بالدرجة الأولى، وقد كنت متابعاً لهذا البرنامج منذ سنوات طويلة حتى قبل إقراره بالصورة الرسمية كما كنت حريصاً على اعتماد هذا البرنامج بشكل رسمي لتخفيف الكثير من الآلام عن المحتاجين لزراعة الأعضاء البشرية، فهناك حالات استطاعت السفر إلى خارج السلطنة ووفقت لزراعة الأعضاء وبعضها للأسف الشديد لم تنجح في الحصول على أعضاء مناسبة تخفف عنهم جزءاً من الآلام بالإضافة إلى وجود حالات كثيرة في البلاد لم تتمكن من السفر لظروف مختلفة، فكانت قناعتي كإنسان يشعر بآلام الآخرين بأنه طالما هناك إباحة شرعية من الجهات المختصة للتبرع بالأعضاء فما هو المانع من التبرع بها بعد الوفاة؟ وإذا كان المرء لديه الاستعداد للتبرع بما يمكن التبرع به في حياته كالكلى مثلاً أو جزء من الكبد، فما هو المانع من تبرع الإنسان لأهله وأصحابه وإخوته أو أي إنسان كان داخل البلاد أو خارجها لنيل الأجر والثواب بعد وفاته؟!
وأشار إلى أنه منذ اللحظات الأولى لإقرار برنامج التبرع بالأعضاء سعدت جداً أن أكون ضمن أوائل المتبرعين والحصول على بطاقة متبرع إذ وضعت اسمي ضمن التبرع بالأعضاء الممكن التبرع بها طبياً، وفي تلك الفترة أكدت للمختصين بأنه ومع تطور العلم لو ظهرت هناك أعضاء أخرى قابلة للنقل فإنها توضع ضمن ما سوف أتبرع به بعد الوفاة دون استثناء، والقرار متروك للطبيب وحسب حاجة المرضى داخل السلطنة أو حتى خارجها، سواء من المسلمين أو غيرهم، فهو عمل إنساني لا تحدد به شريحة أو طائفة أو ملة أو دين، واحتساب الأجر عند الله عز وجل، ولله الحمد تم إقرار برنامج التبرع بالأعضاء وتم إدراج أسماء الكثيرين من المتبرعين لاحقاً، وسعدت كثيراً بالتسويق للبرنامج وتشجيع الآخرين على التسجيل فيه لنيل الأجر والثواب والنظر إلى الجوانب الإنسانية لإسعاد الآخرين، فإذا كنت تستطيع إسعاد الآخرين في حياتك وفي مماتك فما هو المانع؟ ، مشيراً إلى أنني أبلغت الأسرة بقراري التبرع بالأعضاء بعد الوفاة وما كان منهم إلا التقدير والتشجيع على القرار وتأكيد حرية الاختيار، بل إن بعض أفراد الأسرة أبدوا رغبتهم بالتسجيل في برنامج التبرع بالأعضاء بعد الوفاة ، نعم كانت هناك بعض وجهات النظر العاطفية، بالإضافة إلى وجهات نظر أخرى ارتأت مضاعفة دراسة شرعية التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، وهو أمر بطبيعة الحال متروك لجهات الإفتاء في السلطنة التي لديها العلم الواسع في هذا المجال ولديها الثقة الكاملة.
وأكد أنه بعد إقرار البرنامج كان التشجيع والقبول على التسجيل فيه أكثر من ذي قبل، ولا يسعني في هذا المجال إلا أن أشكر أسرتي التي ساندتني في اتخاذ هذا القرار وتركوا لي حرية الاختيار، فكانت الأسرة مشجعة وتحتسب الأجر عند الله تعالى، وبإذن الله تعالى سوف نساند المجتمع للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة من خلال القنوات المخصصة والمعتمدة في البلاد، من أجل هذا العمل الإنساني النبيل، فالإنسانية بجميع مشاربها ومواقعها بحاجة له، وهو عمل إنساني لن ينقطع أجره للمتبرع بإذن الله تعالى، فالموت هو سنة الله في هذه الحياة وبإذن الله سوف نسعد المحتاجين لأي جزء من الأجزاء البشرية في حالة التبرع بالطرق الصحيحة والشرعية.
وأضاف: إن الجهات المختصة أقرت برنامج التبرع بالأعضاء بعد الوفاة وبعدما بدأ هذا البرنامج في تصوري أصبح المجتمع أكثر وعياً وأكثر قبولاً للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة، وهذا البرنامج سينجح وسيستمر وسيتوسع في خدمة الإنسان في كل مكان،وأن يكون اسمي ضمن أول قائمة للمتبرعين كواجب إنساني وليس تفضلاً او منة، وهذا جداً مهم إذ من يتبرع هو يؤدي واجبه الإنساني بقناعة كبيرة، والأفضال والخير والصحة من الله تعالى. ونحمد الله ونشكره على أن أتاح لنا هذه الفرصة للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة، ونسأل الله القبول.
أوائل المتبرعين
وقال سعيد بن حمود الحبسي، أحد أوائل المتبرعين بالكلى في سلطنة عمان: لم تكن لدي معرفة بوجود برنامج للتبرع بالكلى في السلطنة إذ كان أخي أحمد يعاني من كليته وهو صغير السن آنذاك، وكنا ننوي الذهاب به إلى الهند لزراعة الكلى له، والتقيت بالبروفيسور نبيل بن محسن اللواتي والدكتور يعقوب الميمني والدكتور حمود المرهوبي والدكتور محمد الحسني وهم ضمن البرنامج الوطني لزراعة الكلى في السلطنة ومنهم كانت معرفتي بهذا البرنامج، ومنهم تبرعت لأخي أحمد بكلتي إذ لاقى الحدث آنذاك سيطاً لنجاحها منذ 24 يناير1991 وإلى اليوم، ورغم إصرار والدتي على تبرعها بالكلى لأخي أحمد إلا أننا في المقابل كنت مصراً على التبرع لأخي أحمد وكان عمره آنذاك 5 سنوات، وكان الأطباء أكثر من 90% في تلك السنوات عمانيون.
وأشار إلى أن التبرع بالأعضاء بعد الوفاة أمر مهم جداً وسعيت إلى التشجيع على التبرع بالأعضاء منذ سنوات من خلال مسير من المضيبي إلى مسقط عام 2002 ، ومسير من أبوظبي إلى دبي للتعريف بالتبرع بالكلى في سلطنة عمان، ومسير آخر أيضاً كان في المغرب، ورسالتي للمجتمع ألا نتخلى عن الآخرين وعلينا الإقبال على التسجيل للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة لإنقاذ المحتاجين، والخبر السعيد هو تبرعي بالأعضاء بعد الوفاة، فأنا أول متبرع لكلية الطب والعلوم الصحية بجامعة السلطان قابوس.