Image Not Found

الصبر بحاجة إلى صبر!

مرتضى بن حسن بن علي – الرؤية
[email protected]

ذكرى رحيل راجحة عبدالأمير

سنوات صعبة مرت وانكفأت ويا لها من سنين؟ كنت أعدُ لياليها ليلة بعد ليلة، وأحسب أيامها على أصابع روحي فتثبت نتوءات من القهر والحزن تخدش اللحم الحي للقلب.

ها أنا ذا أكتب بقرب الضفاف الحزينة التي وشمت على قلبي حافرة فيه أخاديد عميقة لا أقوى على ردمها، بذلت جهودا كبيرة لعبور هذه الضفة ولم أزل ولكن أشعر أن قوى كبيرة تشدٌني إليها. وبناءً على نصيحة الطبيب، اكثرت من سفراتي عساي أن أغادر تلك الضفة وما عليها من حزن وفوران.. وإذا بي في كل مكان أذهب إليه، يذكرني المكان بها.. شوارعه وأزقته، مسارحه ومتاحفه، متاجره، وخطوط مواصلاته ومطاعمه. كيف لا، وهي التي كانت معي في رحلة أحسبها الآن قصيرة، هو العمر الذي قضيته معها. كيف يمكن أن أستمتع بالمكان مثلما كنت وهي غائبة عني؟ بل كيف يسعد الكون معي وهي بعيدة عن فصوله، بعد أن رحلت عنَّا في رحلتها السرمدية؟

هذه السنة لم تكن مجرد 365 يومًا، كل يوم فيها يسير وهي موجودة في أعماقي، كل يوم يسحقني وما أقساه حين يسحق،، وما أقساه حين يضج من تحته اللهفة يبوح عذاباتها الأخيرة.. سنة تثمر كل يوم مرارات ما أمرها.. كل يوم له مرارته.. كل أسبوع له مرارته. وكل شهر له وجهه المُرعب. في الساعة السابعة من مساء الثاني من شباط، غابت أم أولادي، ارتحلت إلى العالم الآخر، أمست في ذمة الله، ورُوى جسدها الثرى، جسدها الممزق ورئتيها الملتهبتان، بأذى المرض الخطير.

أصحو مرات عديدة في الليل.. أنظر يمنة ويسرى بدون شعور. أبحث وأتحرق شوقاً خلالها لرؤية وجه حبيب غاب عن عيني. القلب يُمني النفس بعودتها، تفكير يرسم لي أمنيات غير قابلة للتطبيق. أشعر فجأة وكأن شخصًا يدق على جرس الباب.. وأتصورها هي هي، وليست غيرها، وصلت من سفرة من سفرات عديدة كانت تسافرها ضمن مجال عملها.. أتصور وكأني أفتح الباب وأجدها أمامي من جديد.

أتصورها وقد عادت لتمسح الدمع وتنهي رحلة العذاب، ولكن ما أن أرجع إلى الوعي أتذكر: هيهات أن ترجع، وأمني نفسي أن أكون جلدا، هذه هي الحياة.. أجل هذه هي الحياة..

قدري أن أبقى وحيدًا على غصن هو الآخر بحاجة إلى غصن، مثل عصفور حائر لا يعرف إلى أين سيُحلق رغم اتساع السماء، ورغم أن بناتي وابني وزوجته لا يتركون شيئًا إلا قاموا بتوفيره لي، ولكن أشعر أن المساحات على العصفور تضيق. كنت أصبر لأكتشف أن الصبر يحتاج إلى صبر.