د. عبدالله الجديدي: قدم البعض استقالتهم لظروف خاصة وانهيارات نفسية لبعض الكوادر الصحية
د. أحمد أبو دراز: اكتظاظ المصابين أدى إلى رفع ساعات العمل إلى 16 ساعة في اليوم الواحد
د. رضا اللواتي: الطبيب قدم الكثير من التضحيات وتعرض لإرهاق ذهني وجسدي
عُمان:كتبت- عهود الجيلانية
كشف أطباء العناية المركزة في المستشفيات عن حجم الضرر النفسي والإرهاق الذي تعرضوا له بعد الموجة الأخيرة من جائحة كوفيد19 والتدفق الكبير للمرضى المصابين للمستشفيات، حيث عان الكثير من الضغوطات أوعملوا لساعات طويلة من أجل توفير الرعاية الطبية الدقيقة لكافة المرضى على اختلاف أوضاعهم الصحية وأعراضهم، مؤكدين تعرض البعض إلى انهيارات نفسية وخوف وقلق من تعاملهم اليومي مع فيروس كورونا نتيجة العمل المتواصل بدون توقف ودون إجازة، ناهيك عن ما يحمله الفيروس من خطورة نقل العدوى لأنفسهم ولأسرهم.
وللتعرف على تجربة الأطباء والدور الذي قاموا به خاصة في غرفة العناية المركزة بالمستشفيات في التعامل مع جائحة كوفيد19 وكيف عايشوا فترة الذروة بين مرضاهم المصابين، استطلعت «عمان» آراء مجموعة من الأطباء الذين تحدثوا عن المعاناة الكبيرة والقلق والعمل الشاق الذي تعرضوا له نتيجة اكتظاظ المستشفيات بمصابي “كوفيد19”.
في البداية يصف الدكتور عبدالله بن محمد الجديدي طبيب استشاري أول رئيس قسم التخدير والعناية المركزة بمستشفى خولة صعوبة الوضع داخل غرف العناية المركزة التي اكتظت بالمرضى فترة الذروة فقال: سعت الأقسام بمستشفى خولة إلى تغطية احتياجات قسم كوفيد19 وتزايد المرضى في غرف العناية المركزة مما استدعى العمل إلى تخفيض العمليات الجراحية غير الضرورية وخفض عدد الأسرة في الأجنحة الأخرى والاكتفاء بإجراء العمليات الطارئة، وتم توجيه معظم الكوادر البشرية للتعامل مع التدفق الكبير لمرضى كوفيد19 والعمل بنظام المناوبة ولساعات طويلة ناهيك عن ضرورة العمل في الأقسام الضرورية في مستشفى خولة كحالات الإصابات الطارئة والحوادث وإصابات الرأس والدماغ الذي هو بحد ذاته تحديا كبيرا على الكادر البشري العامل في المستشفى.
وأضاف الدكتور: واجهنا تحديا من نوع آخر وهو أن هناك عددا من الأطباء قدموا استقالتهم لظروف خاصة ومنهم أطباء غير عمانيين ومن جانب آخر تجد هناك صعوبة في استقطاب كادر ذو خبرة في ظل هذه الظروف الصعبة، لذا كان ضغط العمل على الكادر المتوفر كبير وتم تخطيها بعد فترة محدودة. كما لفت الدكتور إلى أن اغلب الأطباء في التخدير والعناية غير عمانيين والوضع الوبائي أثر كثيرا عليهم خاصة من الناحية النفسية والجانب الأسري والبعض منهم لم يسافر أو يرى أهله لفترة طويلة وهم بحاجة إلى السفر للالتقاء باسرهم والاطمئنان عليهم فالوضع كان لا يسمح لهم بالخروج في إجازات طويلة فهم يعملون بصورة مستمرة.
ومن الجانب الإنساني اضطر أطباء التخدير والعناية المركزة للعمل لساعات طويلة لتغطية الكم الهائل من المرضى بالذات مرضى فيروس كورونا ناهيك عن العمل بدون إجازات للراحة طوال سنتين.
وفي الوقت نفسه دعم المستشفى المستشفيات الأخرى وقام بإرسال أطباء إلى المستشفى السلطاني ومستشفى الرستاق وغيرهما من المستشفيات لتغطية بعض الجوانب كما كانت هناك حالة لإصابة أطباء بالفيروس مما استوجب حاجة مستعجلة لتوفير أطباء للعناية بمرضى كورونا حسب الإمكانيات المتوفرة.
واستطرد الدكتورالجديدي قائلا: كل هذه الجوانب عرضت الأطباء لضغط كبير لذا تم إعطاء بعض الأطباء إجازة قصيرة للراحة والابتعاد قليلا عن العمل. وسعي المستشفى إلى تقديم كافة وسائل الدعم النفسي والاجتماعي لمن هم بحاجة إلى مساعدة لتأثرهم الكبير بالفيروس وتنوعت وسائل الدعم من مستوى إدارة المستشفى أو الوزارة أو مستشفى المسرة لمساعدة الأطباء العاملين في قسم بكوفيد19، ولدينا قسم الدعم النفسي الذي شكل لجنة مختصة للتواصل مع الأطباء الذين عانوا من مشاكل جراء عملهم في قسم كورونا والمرهقين وقدموا لهم النصائح والإرشادات اللازمة للتخفيف عليهم.
حيث لا ننكر أن بعض الانهيارات النفسية حصلت بين الكادر الصحي وخوف وهاجس لدى البعض من التعامل اليومي مع كورونا لذا تم نقلهم لأقسام أخرى بعيدا عن مرضى كورونا ليعطوا مساحة كافية للراحة النفسية أو السماح للبعض في الخروج بإجازة وحقيقة الكل كان يعاني من سوء الوضع الوبائي فترة الذروة.
قرارات صعبة
وعن صعوبة مراقبة مرضى كورونا والقرارات الصعبة، اكد الجديدي بان بعض القرارات المتخذة ساهمت في علاج الكثير من المرضى، فقد كانت فترة صعبة في استقبال عدد كبير من المرضى والتنسيق مع اللجنة المسؤولة عن توزيع المرضى وكثرة الاتصالات مع المستشفيات الأخرى ووصولنا إلى الحد الأقصى في استيعاب المرضى والاكتفاء نهائيا عن استقبال أي مريض، لذا قمنا ببعض الاجراءات التي سهلت من المشكلة لكثرة المرضى فقد تم نقل بعض المرضى من العناية الحرجة إلى الثانوية بعد ما لاحظنا معاناة المريض نفسيا من كورونا وخوفه من المرض وخطورته تسيطر عليهم ورؤيتهم لوضع الأطباء في العناية المركزة وملابسهم الوقائية والأجهزة.. لذا عملنا على التخفيف عليهم بإدخال الهاتف للتواصل مع أفراد الأسرة إن كان وضع المريض يسمح كما وضعنا كادرا يتعامل مع المريض حسب لغته فهناك وافدين دخلوا إلى العناية وحتى تكون لغة التواصل واضحة والتحدث معهم باستمرار للتخفيف من حدة المرض.
كما أن الكثير من المرضى بحاجة إلى تخدير ولكن يتم إجراء فحص كورونا عليهم وان كانت سلبية يتم إخراجهم من قسم كورونا العناية الحرجة إلى الثانوية وتكثيف العلاج النفسي والتأهيلي من الطاقم التمريضي والطواقم الأخرى.
كما نسمح بتواجد احد أفراد الأسرة معه فترة العلاج ما ساعد على تحسن وضع عدد كبير من المرضى وهناك مرضى لم نتوقع أن يتجاوزوا الحالة ولكن هذه الاجراءات رفعت من نفسيتهم وتحسنت صحتهم للأفضل خاصة أن بعض المرضى مكثوا اشهرا طويلة في العناية الحرجة.. والآن منذ اكثر من شهرين لم يتم إدخال مريض في قسم كوفيد19 ونتمنى تحسن الوضع الوبائي والإسراع في تحصين كافة سكان السلطنة.
دور محوري
ويرى الدكتور أحمد أبودراز استشاري عناية مركزة بالمستشفى السلطاني أن أطباء العناية المركزة جزء لا يتجزأ من الكادر الصحي وكان لهم دور محوري هام في مواجهة جائحة كورونا من خلال استقبالهم لمرضى كوفيد19 في الحالات الحرجة وتعاملهم مع أصعب الحالات الطبية والتي شارفت على الوفاة بسبب مضاعفات الإصابة بهذا الفيروس وقد بذلوا كل إمكانياتهم وأقصى جهدهم لإنقاذ حياة المرضى بتسخير كل السبل والطرق الطبية الممكنة لعلاج مرضاهم المصابين بهذا الفيروس.
وأضاف الدكتور أحمد: من الجانب الطبي تم تفعيل خطة الطوارئ المعدة مسبقا للتعامل مع الأوبئة في المستشفى السلطاني بالإضافة إلى رفع الطاقة الاستيعابية في غرف العناية المركزة من 16سريرا إلى 85 سريرا جديدا في العناية المركزة الخاصة بقسم كوفيد19 أثناء فترة ذروة انتشار فيروس كورونا وارتفاع الإصابات إلى أرقام قياسية وتنويم عدد كبير من المرضى في المستشفى.
إلى جانب ذلك تم تشكيل فريق طبي متكامل من مختلف التخصصات الطبية بقيادة أطباء العناية المركزة والتخدير للتعامل مع المرضى المرقدين في العناية المركزة بكل احترافية ومهنية، ولمواجهة التدفق الكبير خلال الذروة تم تقسيم الأطباء إلى مجموعات مع رفع عدد ساعات العمل التي وصلت في بعض الأيام إلى 16 ساعة في اليوم الواحد مما سبب ضغطا كبيرا على الكادر الصحي من الأطباء.
واستطرد الدكتور: كما أنه من الناحية الإنسانية كان الأطباء يوميا يقومون بالتواصل مع أقارب المرضى المرقدين في العناية المركزة عن طريق الاتصال وشرح كامل تفاصيل الحالة المرضية والتطورات التي حدثت للمرض خلال آخر 24 ساعة.
مراقبة مستمرة
وعن صعوبة الوضع الصحي والتعامل مع العدد الكبير من مرضى العناية الحرجة، أكد الدكتور أحمد أبودراز أن مرضى العناية المركزة بحاجة إلى مراقبة مستمرة لجميع المؤشرات الحيوية طوال اليوم ويتم التعامل الفوري مع أي تغير في هذه المؤشرات من قبل الطبيب أو الممرض المشرف على حالة المريض، وتتم مناقشة جميع التفاصيل الطبية المتعلقة بالمريض وأخذ القرارات الطبية الصعبة من خلال مناقشة الحالة من قبل الفريق الطبي المكون من عدد من استشاري العناية المركزة والتخصصات الأخرى واتخاذ القرارات التي من شأنها تقديم أفضل عناية طبية ممكنة بهدف الحفاظ على حياة المريض.
أما في الموجة الثانية لمتحور دلتا تغير وضع المرضى المنومين بعد أن كانوا من كبار السن في الذروة الأولى أصبح المنومون من الشباب والذين يعانون من أمراض مزمنة كالسكري والفشل الكلوي والسمنة وغيرها وقد واجه الأطباء وهؤلاء المرضى صعوبة في تنفيذ بعض إجراءات العلاج المتخصص لمرضى كورونا التي تم اتخاذها للتخفيف من حدة أعراض الفيروس وذلك بسبب خطورة وضعهم الصحي.
كما أوضح أن بعض الحالات تم تنويمها في غرف العناية المركزة لفترة طويلة قد تصل إلى أشهر ويتم التعامل معها بكل حذر خاصة بعد امتلاء كافة الأسرة في العناية المركزة ويضطر الطبيب إلى تكثيف المتابعة بصفة مستمرة وقد اتخذ الطاقم الطبي إجراءات ساهمت في تحسين حالات بعض المرضى وذويهم كالتواصل اليومي مع أسرهم وفتح المجال للتواصل مع المرضى عن طريق الاتصال المرئي ببرنامج زوم، أما من تحسن وضعه الصحي قليلا يتم نقله إلى غرف الملاحظة المتوسطة مع مواصلة منع زيارة المريض وذلك لخطورة الوضع الوبائي وخوفا من انتشار العدوى إلا أن السماح بالاتصال المرئي بين المرضى وذويهم في هذه الفترة كان له دور كبير تحسن صحتهم الجسدية ونفسية.
وأشار إلى بعض المواقف الصعبة التي كانت تواجه الأطباء في خضم الجائحة وهي عن طريق إيصال المعلومة لذوي المرضى عن حالتهم الصحية وسرعة تدهورها وأن وضعهم الصحي ميؤوس منه وإنه على وشك فقدان حياته وما كان يترتب عليها من ردة فعل محزنة من قبل ذوي المرضى والأطباء أيضا.
وذكر الدكتور استشاري عناية مركزة بالمستشفى السلطاني: لقد تعرض بعض الأطباء لانهيار نفسي وإرهاق شديد خلال تعاملهم من المرضى وتم تقديم مبادرة لدعم الأطباء في مواجهة كورونا من الجانب النفسي بتوفير خدمة الرعاية النفسية لهم لما يتعرضون له من ضغط كبير في التعامل اليومي مع مرضى كورونا والعمل لساعات طويلة خاصة طوال فترة الذروة، كما عانى أيضا الكادر التمريضي المتابع لحالة المريض مباشرة من قلق وضغط كبير والخوف من خطر نقل العدوى لذويهم ومقربين منهم لذا كان هناك جهد جسدي ونفسي عليهم إلا أنهم اثبتوا قدرتهم في تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقهم وتوفير كل الرعاية المطلوبة لخدمة المرضى.
ونصح الدكتور أحمد أفراد المجتمع خاصة بعد تسجيل مؤشرات لموجة جديدة شرسة من كورونا في بعض الدول إلى الاستمرار بالعمل في اتباع كافة الاجراءات الاحترازية وتطبيق قرارات اللجنة العليا، كما على الأفراد الذين لم يتلقوا تطعيم كورونا إلى الآن التوجه لأقرب مركز تطعيم حتى نستطيع الوصول إلى المناعة المجتمعية في اقرب وقت ممكن كما نوه الدكتور إلى الابتعاد عن الشائعات المضللة.
تضحية الأطباء
فيما تحدث الدكتور رضا بن عيسى اللواتي طبيب أمراض باطنية عن تجربته في العمل بغرف العناية المركزة خلال الموجة الأخيرة لفيروس كورونا ومتابعة مرضى كوفيد19: ما حصل أثناء الموجة الثالثة لمرض كوفيد19 بالذات كان شيئا جديدا على جميع الأطباء في السلطنة، حيث أن أسرة المستشفيات امتلأت عن بكرة أبيها فصاحب ذلك ارتفاعا في عدد المرضى في العناية المركزة وغرف العناية الفائقة حيث يرقد المرضى الذين وصلت شدة المرض عندهم إلى أقصاها، البعض منهم على أجهزة التنفس الصناعي وغيرهم على أجهزة التنفس المساعدة. كانت الفرق الطبية والتمريضية والطبية المساعدة تعمل كخلية نحل واحدة وكفريق واحد لعلاج المرضى والتخفيف من معاناتهم وآلامهم.
ومن تجربتي في المستشفى الميداني وفي غرف العناية المركزة والاعتماد العالي، أنه لابد أن يكون الطبيب حاضر الذهن طوال الوقت، لأن حالة المرضى خطيرة، وقد يحدث تغير في حالتهم في ثواني معدودة، وتنتقل من حال إلى حال آخر بسرعة كبيرة، لذلك كان من اللازم للطبيب أن يكون سريع البديهة قادرا على اتخاذ القرار مبكرا جدا تلافيا لحدوث أي ضرر لاحق.
وردا على تساؤل كيف واجه الأطباء التدفق الكبير من المرضى والضغط الناجم عن ارتفاع الإصابات من الناحية الطبية والإنسانية، قال الدكتور رضا: الأطباء هم قبل كل شيء بشر، وربما كان أحد هؤلاء المرضى هم من أهل هذا الطبيب أو من معارفه، فالعدد الكبير من المرضى الذين كان يتم تنويمهم بسبب مرض واحد لم يحدث من قبل، ولذلك كان الأمر مرهقا ذهنيا لهم قبل أن يكون مرهقا بدنيا وجسديا، لكن من أولويات الطبيب حماية المريض ورعايته وتوفير الاهتمام الكافي له، وهذا ما كان، فأحيانا نجد الطبيب يضحي براحته بعد مناوبته – وإن كانت لسويعات محدودة – من أجل أن يبقى المريض بخير.
وعن صعوبة مراقبة مرضى العناية المركزة والقرارات الصعبة التي يتخذها الأطباء للإبقاء على حياة المريض، أكد الدكتور إن أي قرار يتخذه الطبيب في تلك الأوضاع لابد أن يكون مدروسا، لأنها مرتبطة بحياة المريض، ولقد كانت هناك الكثير من القرارات الصعبة بل أحيانا مختلفة من شخص لآخر – فربما ما تقرره لهذا المريض لا ينفع مع غيره والعكس صحيح – لكن لابد من أن تختار بناء على حالة المريض وتاريخه المرضي ومسار مرضه. كما أن أي قرار يتخذ لابد أن يجد ما يؤيده علميا وبحثيا وطبيا، بأن يكون قرارا مدروسا، وربما لا تجد الوقت للبحث عن ذلك لكن لابد أن تتخذ القرار الذي تراه صائبا ومدعم علميا.