الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام المرئية عن حجم الدمار للبيوت والمنازل والشوارع من جراء إعصار “شاهين” الأخير، تستلزم إنشاء “صندوق إعادة التعمير”؛ للقيام بالدور المأمول في مثل هذه الحالات التي يتعرَّض فيها الناس لأضرار مادية ومعنوية.
هذا ما اقترحه بعض رجال الأعمال في المحاضرة التي ألقاها خبير الأرصاد الجوية عبدالله بن راشد الخضوري في مجلس الخنجي الافتراضي في جلسته الأخيرة. ويرى رجل الأعمال خميس الكيومي ضرورة العمل لتأسيس هذا الصندوق لاعتبارات عديدة أهمها مواجهة مثل هذه الابتلاءات والأعاصير التي تلحق بالسلطنة بين الفينة والأخرى في الوقت المُناسب، بل القيام بمسؤولياته قبل أن تحدث أية كوارث مُماثلة.
لقد تضمنت محاضرة الخضوري العديد من المحاور التي تناولها في هذه الجلسة منها تقديم نبذة عن الأعاصير المدارية وكيفية تكوينها وتاريخها ورصدها من المؤسسات المعنية. كما تحدث أيضاً عن كيفية تأثر السلطنة بالأعاصير ومواسمها وتاريخها وأهم الحالات التي مرَّت على السلطنة وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية. وخصّص محوراً خاصًا عن الإعصار المداري “شاهين” ومساره منذ ظهوره وحتى انتهائه، ومخاطره الثلاثة الناتجة عن هذا الإعصار، وخبرة السلطنة في التعامل مع الأعاصير المدارية، بجانب الدورس المستفادة من هذه التجارب.
إنَّ تسمية الإعصار “شاهين” جاءت من دولة قطر الشقيقة بعدما أصبحت هي وعدد من الدول العربية الأخرى أعضاء في منظومة دول الأعاصير في منطقة المحيط الهندي وبحر العرب، وقد سبقتهم السلطنة في عضوية هذه المؤسسة وقامت بتنظيم بعض المؤتمرات التي تناولت هذه القضايا عامي 2008 و2012. وأشار المحاضر إلى أنَّ الأعاصير المدارية التي تتكون في بحر العرب وخليج بنغال مشهورة بتكوين الأعاصير منذ عدة عقود مضت، إلا أن بحر العرب زاد من نشاطه أيضاً خلال السنوات الأخيرة بسبب تغيّر الظواهر والتأثيرات المناخية في العالم، الأمر الذي أدى إلى تعرض السلطنة لعدة أعاصير قوية خلال العقدين الماضيين، موضحًا أنه بالضرورة أن تتحول أية حالة في بحر العرب إلى إعصار وتصل إلى شواطئ السلطنة.
كما تناول المحاضر في الجلسة المخاطر الرئيسية التي تسببها الأعاصير المدارية، موضحًا أن الخطر الأكبر لها هو هطول كميات هائلة من المياه والأمطار الفيضانية التي تعمل على جريان الأودية بشكل كبير؛ حيث تكون الأماكن المنخفضة أكثر تأثرًا في تكوين تجمعات المياه مثلما حصل في ولاية السويق والخابورة خلال الأسبوع الماضي. وخلال هذه الظواهر تنشط الرياح الشديدة التي تتميز بسرعات عالية وتعمل على تطاير المواد الثابتة وغير الثابتة، وتسبب أحياناً وفيات عديدة. كما أن ذلك يؤدي إلى ارتفاع أمواج البحر والمد البحري، مشيراً إلى أن “شاهين” لم يصاحبه مد بحري- ولله الحمد؛ حيث إنَّ ذلك يشكّل خطرًا رئيسيًا إذا تزامن ذلك من المد الطبيعي للبحر.
وحول تكوين إعصار “شاهين” قال إن هذا الإعصار تَشكّل في خليج البنغال ثم تطور إلى العاصفة وتم تسميته بـ”جلاب”، وتعني في لغة الأردو الباكستانية “الورد”، إلا أنه خرج من خليج البنغال وشرق الهند واستطاع أن يعيش ليصل إلينا بعدما ضعفت العاصفة عند دخولها اليابسة في منطقة غجرات بالهند، إلا أنها نشطت مرة أخرى عند دخولها بحر العرب وسميت بـ”شاهين”، وشكّلت منخفضًا جويًا مداريًا، الأمر الذي دعا وسائل الإعلام المحلية للحديث عن تأثيراتها على السلطنة بعدما خرجت من مستواها من غجرات (شمال غرب الهند) لتمر على بحر العرب وتتطور من منخفض إلى عاصفة وتتحول إلى إعصار مداري بـ75 عقدة في الساعة (العقدة تساوي 20 كيلومتر في الساعة). هذا الأمر دفع الجهات المعنية لإخبار المواطنين والمقيمين بضرورة اتخاذ الإجراءات المعدة مسبقاً وذلك بالتنسيق مع جهات الأرصاد ومتابعة الموضوع أولاً بأول في توصيل المعلومة في وقتها.
إن دول المنطقة المطلة على بحر العرب يجب أن تكون مستعدة لمواجهة مثل هذه الأعاصير المدارية التي تعتبر من أكبر الأخطار التي تهدد أوراح وممتلكات الناس، بسبب ما يصاحبها من العواصف والفيضانات والرياح والبرق، كما ترتبط بهطول أمطارغزيرة تؤدي إلى فيضانات واسعة النطاق، الأمر الذي ينجم عنه خسائر مادية ومعنوية للسكان في تلك المناطق. كما أن لهذه الظواهر تأثيرات سلبية على البيئة البحرية وتآكل الشواطئ وانجرافها، وتأثر الحياة البحرية للمرجان والأعشاب والمكونات الأخرى وتضررها من خلال مرور الأعاصير عليها. وبالنسبة للقاطنين فإنَّ اكتظاظ السكان على السواحل سوف يكون له نتائج سلبية في حالات حصول تسونامي -لا سمح الله، الأمر الذي يتطلب تعزيز المركز العماني للإنذار المبكر بالخبرات والمعدات والكوادر الكفؤة للقيام بعملها المطلوب. كما أنه من المهم وجود أنظمة التنبؤ الدقيقة لمعرفة التأثيرات والأضرار لهذه الظواهر والتكامل بين الجهود التي تبذلها المؤسسات في هذا الشأن.
عمومًا، رغم الدمار الذي خلفه إعصار “شاهين” على محافظة الباطنة وخسائره العديدة، إلا أنَّ التلاحم الذي شكلّه الأبناء والشباب العماني خفف من وطأة هذه المأساة، فهذا التلاحم أصبح عادة عند أهل عُمان بأن يقوموا بدورهم الوطني والإيجابي والملحمي في مثل هذه الحالات الإنسانية. وهذه التربية رسخت عند العمانيين، وتعززت في عهد المرحوم السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- الأمر الذي يتطلب توجيه شكر وعرفان وتقدير لجميع الذين يشاركون في إعادة البسمة إلى شفاه المنكوبين، وكذلك الشكر للمؤسسات الحكومية العسكرية والمدنية، والخاصة والجمعيات التطوعية ومؤسسات المجتمع المدني التي ساهمت جميعها في محو بعض آثار هذه المحنة التي ألمَّت بالنَّاس، الأمر الذي أدى إلى إرجاع الكثير من الأمور إلى طبيعتها وإصلاحها. فعُمان عظيمة بشعبها وسلطانها هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- في تذليل هذه الصعاب، والاهتمام بهذه القضايا، وبتوجيهاته السامية بضرورة توفير الدعم الذي تم تخصيصه للفئات المتضررة من هذا الإعصار، إضافة إلى إجراء التحديثات المطلوبة في البنية التحتية، وتعليماته بتطوير الأنظمة الوطنية للأرصاد الجوية، وتعزيز أعمال اللجان لتكون السلطنة مستعدة لمواجهة مثل هذه الأخطار والأعاصير مستقبلاً.
وختامًا.. إنَّ إنشاء صندوق لإعادة التعمير أصبح ضرورة حتمية لاستكمال هذه الجهود، وليس من المستبعد أن يطرح هذا الأمر من الجهات الحكومية والخاصة خلال الفترة المقبلة، كما يمكن أن تتطور أعمال ومسؤوليات هذا الصندوق مستقبلا في القيام بأدوار أخرى لتعزيز عملية التنمية الشاملة في السلطنة.