بدأت بعض الدول في المنطقة بالكشف عن المخاطر المتزايدة للتدفقات المالية غير القانونية التي تمت عبر بعض مؤسساتها المصرفية والمالية خلال الفترة الماضية نتيجة للأوضاع الصحية التي نتجت عن تفشي وباء كورونا في العالم. هذه الأوضاع أدت إلى زيادة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب دون أن تشعر بها المؤسسات المعنية في أوقات الإغلاقات نتيجة للتسهيلات التي وفرتها البنوك المحلية للعملاء بإجراء العمليات المصرفية من المنازل، بحيث لا تعرقل أعمال الشركات والأفراد الذين اعتمد الكثير منهم على نقل وتحويل الأموال مباشرة دون الذهاب إلى المؤسسات المصرفية.
وقد نتجت عن بعض هذه العمليات المالية غير المشروعة دخول أشخاص غير مرخصين للقيام بتلك التحويلات من خلال المعاملات المباشرة أو عبر طلبات التجارة الإلكترونية لتمويه القائمين بأن المبالغ المحولة هي من أجل عمليات الاستيراد والتصدير لمختلف السلع والمنتجات. وبالتالي نتج عن ذلك زيادة في مجموع العمولات التي حصل عليها البعض من أصحاب الدخول المحدودة في بعض الدول الآسيوية والأفريقية مقابل الخدمات التي قدموها في شأن غسل الأموال دون أن يكون لديهم علم تام بمخاطر هذه العمليات وخرقها للقوانين المحلية والدولية. وهذا لا يعني بأن صغار الأشخاص هم من يتورطون في خرق القوانين، ولكن هناك أسماء كبيرة تقوم المؤسسات المعنية بمتابعتها سواء لأشخاص أو شركات نتيجة للزيادة الكبيرة التي حصلت في أموالهم المادية، وارتفاع أرصدتهم في المؤسسات المصرفية وفي مجال العقارات والمؤسسات التجارية الوهمية.
اليوم هناك متابعة مستمرة من قبل جميع الدول والمؤسسات المعنية في البنوك المركزية تجاه ما يحصل من بعض التحويلات المالية القذرة سواء في المؤسسات المصرفية بالمنطقة أو خارجها، الأمر الذي يؤدي إلى إجراء المزيد من التحسينات على القوانين والتشريعات من أجل تفادي أسماء مؤسساتها وبنوكها في المحافل الدولية. وقد تمكنت البنوك المركزية بالمنطقة من كشف بعض العمليات ومعاقبة المتورطين بها خلال السنوات الماضية، إلا أن هذه العمليات شهدت زخماً كبيراً منذ بدايات عام 2020 نتيجة لاستمرار الجائحة لمدة طويلة، في الوقت الذي يحاول المتورطون إخفاء المصادر غير الشرعية للأموال المحولة إليهم من المصادر الخارجية.
لقد أسفرت عمليات غسل الأموال عن تحقيق زيادة كبيرة في التجارة الإلكترونية العالمية خلال الفترة الماضية وفق ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية، بحيث أصبحت هذه التجارة أداة كبيرة في غسل الأموال. ويعزى ذلك إلى القدرة المحدودة على نقل الأموال والسلع مباشرة خلال فترة الجائحة، في الوقت الذي اتجهت تلك الأموال غير المشروعة إلى حسابات بعض الأشخاص مقابل دفع عمولات مالية لهم على أن يقوموا بتحويلها لأشخاص وجهات خارج أوطانهم. كما تعزى زيادة هذه العمليات إلى استغلال قدرات البعض في عالم التقنيات والإنترنت والرقمنة في ارتكاب هجمات احتيال ضد بعض المؤسسات المصرفية لتحويل تلك الأموال بصورة سريعة إلى حسابات الأشخاص والشركات المعنية دون اكتشاف أمرها.
لقد أدت قرارات منع السفر والحجر المنزلي وممارسة الأعمال خارج المؤسسات إلى إعطاء المجرمين وغاسلي الأموال فرصة سانحة لتحقيق مكاسب غير مشروعة وتمويل عمليات الإرهاب، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدل ارتكاب الجرائم المالية في المجتمعات، ويحتاج الأمر إلى مزيد من الرقابة في هذا الشأن.