Image Not Found

جبروه: مفارقات الزمان والمكان وكفاح الإنسان

د علي محمد سلطان

تخيلت وأنا أتصفح هذه الصورة التي مضى على التقاطها قرابة قرن (1925) وكأنني بين بيوت مومباي في السبعينيات من القرن الماضي( جوپرا پٹي) أو كلكتا أو زقاق العباسية في القاهرة.
كثافة عمرانية لصيقة ومتداخلة من الدعون وبيوت السعف مظللة بالطرابيل تتخللها بيوت الطين والآجر في وحدة سكانية متفردة الطابع فليس بين البيوت فرجٌ أو فسحٌ أو مساحاتٌ فاضية مما يدلل أن جبروه كانت ذات كثافة سكانية عالية وذات نسيج إجتماعي متفرد.
ومن على بعد وكما جاء في هامش الصورة تجلٍ من تجليات مشاهد الصورة لمسجد في مقبرة اللواتيا يتراءى مجسما في أقصى اليمين وفي هذا المسجد التراثي القديم جثامين من سادة ذرية الرسول ص قالوا عنهم أنهم دفنوا ثم ووروا في هذا المكان ولازالت القبور موجودة في فناء المسجد وفي مقبرة مضى على دفناها قرابة خمسمائة عام كما جاء في تقرير أحد خبراء وزارة التراث القومي والثقافة( دريكو انريكو) المنتدب من اليونسكو وتتصدر المقبرة بلوحة مشادة تبين تاريخ هذه المقبرة.
جبروه المفارقات.
فهنا عاش رجالها بكفاحهم وأدوارهم وعطائهم وقد قدموا أجل الخدمات المساندة في عالم التجارات والسفن فمنهم الجمادارات ومنهم أصحاب المهن.
ومنهم من خدم في الدولة ومنهم الجنود البواسل.
ومنهم الذين قدموا ألذ الأطعمة عند تزايد المطاعم في كل أسواق مطرح وحواريها ولا زال للمذاق طُعم في حلوق من أكل من ألذ ( الناروشتات) وخبز المرضوف.
ومن عاش هنا مع إخوتهم العجم فقد تعايشوا في وئام ومحبة والجميع قد سعى في تأمين لقمة العيش الكريم وبذل مافي الوسع وتشاركوا في المهن كلا في ميدانه وهل ننسى تنانير العجم وما سخت أيديهم في تجهيز الخبز التنوري والدال والآبشكوشت.
جبروه ساحات اللعب.
وفي ساحاتها وخيرانها وملاعبها ترعرعت الشبيبة والأشبال والشباب وأقاموا المباريات.
وعبر جبالها تسلل الهاربون من المدارس ليرتموا في أحواض طويان دارسيت والعينت ثم عبروا جبال ساحل دارسيت ليروا أنفسهم وقد حطوا في سيح المالح حيث الملاعب الوسيعة وأحواض السباحة والأندية ومالذ فيها وطاب من الطعام والشراب.
جبروه الأمهات والمربيات
ولئن قلنا في كفاح الرجال فالمرأة في جبروه كانت أعظم شأنا في ميادين الكفاح وفي ميادين العمل.
خرجت للعمل في ساحات فهمها الرجل مختصرة عليه فعبرت حواجزه وأثبتت بأنها أخت الرجال وصنوتهم.
يكفيها أنها كانت المربية وأي عطاء أكبر من عطائها الثر مابعد التربية؟
وأي كفاح أعظم حينما تحمل على رأسها خبزا وسمكا وأنواعا من الفواكه فتبيعه على طلبة المدارس لتكف أهلها مؤونة السؤال.
جبروه محيت آثارها مرتين
فحينما التهمها الحريق في إبريل من عام 1964 ضاعت معه معالمها وباتت خيرانها هي من مشاهدها الحية على مد أرضها السبخة.
وأزعم بأن الحريق أحد مفارقاتها تبعتها مفارقة أخرى فبانت من كيانها بينونة كبرى.
المفارقة الكبرى هي تلك البلدوزرات حينما اجتاحتها في الثمانينات وتحت سنابكها تم إقتلاع كل تاريخها فبات في ذمة المدنية وحي الميناء.
يومها تخلى الأستاذ قاسم ( ماستر قاسم ) عن التدريس فأسباب بقائه قد انتفت مع رحيل آخر نسمة من نسمات البراعم إلى الخوض والمعبيلة.
تلك هي حكاية من حكايات جبروه.
الصورة من مجموعة الكابتن جي جي اليكس
Captain GJ Eccles
من مقتنيات الجمعية الملكية للشؤون الآسيوية
Royal Society for Asian Affairs
مقرها لندن( المملكة المتحدة ) تأسست عام 1901
بإسم جمعية آسيا الوسطى لتعزيز المعرفة والفهم لآسيا الوسطى والدول المجاورة.
شكرا للأستاذ عباس الزدجالي على المعلومة عن الصورة.