Image Not Found

الأحجار الكريمة.. هل هي كريمة؟

أ.د. حيدر أحمد اللواتي ** – الرؤية

تُعد الأحجار الكريمة “كريمة” عند مختلف الحضارات البشرية منذ القدم، ويبدو أنَّ ندرة هذه الأحجار وصلابتها التي تميزها، كانت السبب وراء الاهتمام بها وإعطائها مكانة خاصة عند البشر عُمومًا، فقد استخدمت هذه الأحجار في صناعة الحُلي والجواهر، وعدت رمزًا للثراء عند مختلف الشعوب، وكان لكل شعب طريقته الخاصة وتقاليده ومعانيه التي أضفاها على هذه الأحجار الجميلة.

وهناك أحجار عُرفت عند بعض الشعوب بأنَّها تدفع العين وتقوي البصر وتنشط النفس كحجر الزبرجد، وهناك ما يحمي من الجُدري وهو حجر يُدعى “عين الهر”، ويتكون من معدن الياقوت، كما إن حجر الفيروز بلونه الأزرق الجميل يُعرف عنه أنه يجلو البصر ويقويه وينشط النفس، والعقيق أيضًا من الأحجار الكريمة التي كانت العرب تعيره أهمية بالغة، وكان اليمن من أشهر البلدان التي يجلب منها العرب هذا الحجر، ولذا عرف بالعقيق اليماني، وكان العرب يعتقدون أن التختم به يورث الحلم والأناة وتصويب الرأي ويكسب حامله وقارًا وحسن خلق، كما وردت بعض الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في استحباب التختم به. كما ارتبطت هذه الأحجار بعلم التنجيم أيضًا؛ فالقدماء كانوا يعتقدون أن هذه الأحجار تحميهم من الأرواح الشريرة والأمراض وتجلب لهم الحظ.

وقد حفُل التاريخ البشري أيضًا بعدد من الأساطير حول أصل هذه الأحجار، فالأسطورة الهندية تقول إن الياقوت تشكل من قطرات دم الآلهة؛ حيث تتساقط قطرات الدم في النهر وتحتضنها مياهه العميقة ومع حلول الظلام تشتعل هذه القطرات المُقدسة بنار حامية لتتحول الى ياقوت أحمر اللون.

وبعد تطور علم الكيمياء زاد الاهتمام بهذه الأحجار الكريمة بصورة كبيرة، وجرى إخضاعها للتحليل العلمي لمعرفة التركيبة الكيميائية لها. وفي هذه العجالة سنتطرق إلى بعض من هذه الأحجار الكريمة ونتعرف على تركيبتها الكيميائية.

يعد حجر الماس من أشهر وأثمن الأحجار الكريمة ويشتهر بشكله البلوري المُميز وصلابته التي لا نظير لها، وهو من الأحجار النادرة، إلا أنَّ تركيبته الكيميائية تقتصر على عنصر الكربون ولا شيء غير الكربون! والماس يتميز بكونه شفّافًا وصلبًا ولا يملك قدرة كبيرة على توصيل الكهرباء، أما سبب صلابته التي يكاد ينفرد بها فهو ترتيب ذرات الكربون؛ إذ تتوزع فيه ذرات الكربون على زوايا هرم ثلاثي الأبعاد وتتمركز ذرة كربون في مركز الهرم، مما يشكل بناء متماسكًا ومترابطًا في ثلاثة أبعاد، ويستخرج ما يعادل 95% منه من جنوب أفريقيا.

أما بقية الأحجار الكريمة فأغلبها تتكون من معادن مختلفة، فمثلاً حجر العقيق يتكون أساسًا من مادة أكسيد السيليكون، أما درجة اللون الأحمر في العقيق فتعتمد على تركيز كميات أكسيد الحديد فيه، والحديد أيضًا هو سبب اللون الأحمر للدم، وذلك لارتباطه بالهيموجلوبين المركب الموجود بالدم.

أما حجر الفيروز الشهير ذو اللون الأزرق الجميل فيتكون من فوسفات الألمنيوم والنحاس، وسبب زرقته هو عنصر النحاس، فهذا العنصر يُضفي لونًا أزرق على كثير من مركباته؛ بل إن بعض الكائنات الحية تتميز بلون دمها الأزرق مثل بعض العناكب ويرجع السبب في ذلك لتواجد النحاس في الدم عوضًا عن الحديد.

أما حجر الياقوت فيتكون أساسًا من أكسيد الألمنيوم، ولكنه مشوب بأوكسيد الكروم، وهو الذي يُضفي عليه اللون الأحمر الجميل المعروف به، وبعض أحجار الياقوت تكون مشوبةً بمعادن أخرى كأكسيد الحديد فيصبح لونه بنيًا، وإذا كان مشوبًا بالتيتانيوم والحديد يصبح لونه أزرق.

ولم يثبُت علميًا باستخدام التجارب العلمية، أي من الخصائص المذكورة في الحضارات القديمة والتي تمت إضافتها لهذه الأحجار الكريمة؛ كأن تكون لها خصائص تحمي من مرض الجدري أو تقوي العين أو تنشط الجسم مثلًا، ولذا يعتقد الكثيرون أنَّ إضفاء هذه الخصائص على الأحجار الكريمة يقع ضمن ما يعرف بالعلوم الزائفة.

أما المسلم فإنَّ موقفه من كل ما ورد فيها متوقف على المصدر الذي أضفى هذه الخصائص على هذه الأحجار، فإن ثبت أنها وردت عن مصدر معصوم كقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا مجال لرفضها؛ بل يجب الإيمان والتسليم بها؛ لأن ذلك يعني أن لها أبعادًا غيبية، ومن هنا ينبغي تسليط الضوء على الموروث الديني المتعلق بالأحجار الكريمة وتقييمه وتوضيح الموقف منه. وقد يعترض البعض على أهمية القيام بذلك؛ لأن قيمة الأحجار الكريمة هي موروث بشري آمنت به كل الحضارات، فما أهمية التدقيق في الموروث الديني حينها؟ والجواب أن هناك فارق كبير بين الموروث البشري والموروث الديني، فالموروث الديني يضفي قداسة وكرامة وقيمة دينية على هذه الأحجار، ولذا فإن المسلم يتوقف عندها ويؤمن بكرامتها لبعد غيبي، أما إذا كان الموروث الديني لا يدعم “كرامتها”، ففي تلك الحالة نعتبر كل ما ورد من آثارها ضمن العلوم الزائفة التي لم تثبت بأي مصدر معتد به.

لقد فشلت علوم الطبيعة في الكشف عن سر كرامة الأحجار الكريمة، وبقي علينا أن نميط اللثام عن الموقف الديني، فهل ستظل الأحجار الكريمة “كريمة”؟

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس