يتبيّن من خلال البيانات الرسمية أنَّ عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في السلطنة في زيادة مستمرة نتيجة لرغبة العمانيين في التوجه نحو العمل التجاري والحر، بالرغم من الصعوبات التي تواجه هذه المؤسسات على مدار العام، وما واجهها من مصاعب خلال الفترة الماضية بسبب أوضاعها أثناء الجائحة، ونظرًا لأهمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في العمل التجاري والعمل الاقتصادي بشكل عام، فهناك رغبة كبيرة لدى المهتمين بأن يكون لها تمثيل في بعض المؤسسات الرسمية كغرفة تجارة وصناعة عُمان، بجانب تواجدها في هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة “ريادة”.
عدد هذه المؤسسات بلغ في نهاية شهر مارس من العام الحالي 51663 مؤسسة مُقارنة بنحو 44830 مؤسسة خلال نفس الفترة من العام الماضي، بنسبة زيادة قدرها 17.2% وفق البيانات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات؛ حيث إنَّ غالبية هذه المؤسسات متواجدة في محافظة مسقط تليها المحافظات العمانية الأخرى.
هذا الاقتراح نوقش مؤخرًا بمجلس الخنجي الافتراضي بحضور عدد من المسؤولين ورجال الأعمال من غرفة تجارة وصناعة عمان بجانب المهتمين من رجال الإعلام. ويرى هؤلاء التجار أن دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بدأ يظهر جليًا منذ عام 2013 عندما تم التركيز على قضايا هذه المؤسسات في الندوات المفتوحة التي عقدت في عهد المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه؛ فنسبة 60% من الإيرادات التي تحصل عليها غرفة تجارة وصناعة عمان سنوياً تأتي من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، في الوقت الذي نرى أن 90% من الأعضاء المنتمين للغرفة هم من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وليس من الشركات العمانية المرموقة المسجلة في عضوية الشركة. هذا ما تحدث عنه د. أحمد الهوتي عضو مجلس إدارة الغرفة في مناقشاته في المجلس مؤخراً مع تأكيده على أن ممثلي معظم الشركات الكبيرة لا تحضر الاجتماعات الدورية للغرفة. ويرى أنه نتيجة لوجود وتسجيل حوالي 60 ألف عضو في “ريادة”، فمن حق هؤلاء المؤسسات أن يكون لهم ممثل في عضوية مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عمان للدفاع عن مصالحها وتنمية قدرات أعضائها في الجوانب الادارية والمالية والفنية. ويرى الحاضرون في الجلسة أن القوة الحقيقة للغرفة تكمن في وجود الشراكة بين المؤسسات الكبيرة والصغيرة في آن واحد بهدف جمع هذه الجهود ومواءمة متطلبات السوق العماني من جميع النواحي.
ويرى أعضاء آخرون في غرفة تجارة وصناعة عمان أنَّ هناك عزوف من التجار الكبار تجاه أنشطة الغرفة، بحيث لا تصل اقتراحاتهم أو مبادارتهم إلى مجلس إدارة الغرفة، الأمر الذي يتطلب عقد جلسات لمناقشة هذه القضايا، وتكملة الأدوار المطلوبة؛ فالكفاءات هي التي يمكن لها أن تعمل الفارق في هذه المؤسسة. وفي خضم هذ النقاش هناك من يرى تأسيس غرفة خاصة للمؤسسات الصغيرة، كما هو معمول به في عدد من الدول الأوروبية بهدف دعم المشاريع الصغيرة، خاصة في مثل هذه الظروف التي تمر بها المؤسسات بسبب الجائحة، مع تأكيدهم بأن يكون لهذه المؤسسات مقعد في عضوية الغرفة في الوقت الحالي.
ووفق آراء هؤلاء الناس، فإن كبار التجار في البلاد لا يحتاجون إلى خدمات الغرفة، وبالتالي هم بعيدون عن التمثيل ومناقشة القضايا نتيجة لعدم وجود وقت متسع لديهم، الأمر الذي يتطلب التركيز على شرائح صغار التجار التي تصل نسبة عضويتهم حوالي 70% من مجمل الأعضاء. وفي نفس هذا السياق يرى بعض الأعضاء ضرورة تفعيل أدوار الجمعيات التي تمثل قطاعات الصناعة والسياحة والتجارة والزراعة لتعلب دوراً أكبر في تنمية الاقتصاد العماني، مع تأكيدهم بأن الفئات الصغيرة من أعضاء الغرفة هي التي تحتاج إلى خدمات الغرفة وليست المؤسسات الكبيرة.
لقد ناقش الحاضرون في مجلس الخنجي الافتراضي جميع هذه القضايا؛ حيث أشارت الباحثة الاقتصادية آن الكندي إلى أن الغرف التجارية هي مؤسسات تحمي مصالح رجال الأعمال، بينما هناك مدارس عديدة تمثل هذه المؤسسات كالمدرسة البريطانية والألمانية التي تقوم بأدوار كبيرة في العمل التجاري، وتجذب كبار المستثمرين والمفكرين ورجال الصحافة والإعلام، وتقوم بدراسات وتنظّم حوارات دورية. وطالبت الباحثة غرفة تجارة وصناعة عمان بإجراء دراسات حول مواءمة سوق العمل والباحثين عن العمل، وتعزيز دور الغرفة في تنمية القطاع الخاص. كما طالبت بأن يكون للشركات العائلية دور أكبر في تطوير أعمال الغرفة، فيما يطلب من القطاع الخاص عامة أن يبدي رأيه في القوانين والتشريعات التي تهم غرفة تجارة وصناعة عُمان، وأن يكون له دور فعّال في جذب الاستثمارات الأجنبية.
وفي هذا الإطار تحدث رجل الأعمال سيمون كرم عن ضرورة أن يُنظر إلى القطاع الخاص كشريك مهم مع الحكومة في إطار رؤية “عُمان 2040″، وعمّا إذا كان النظام الحالي لغرفة تجارة وصناعة عُمان يتناسق مع الرؤية المستقبلية للوطن، وماذا يمكن أن تجني الغرفة من الوفود التجارية التي تزور السلطنة، وتلك التي تتوجه إلى الخارج. ويرى أن تكون لدى الغرفة قيادة اقتصادية ديناميكية كفوءة تستطيع وضع السياسات المالية والاقتصادية والاستثمارية والتجارية؛ حيث إن رؤية “عمان 2040” تتطلب دوراً كبيراً من قبل الغرفة من خلال اللامركزية، وتشغيل القطاع الخاص للقيام بدوره وتفاعله مع المجتمع العماني من خلال توفير فرص العمل للباحثين، مع ضرروة نقل الآراء إلى الجهات المعنية لتسهيل أعمال الأعضاء، وأن تكون هذه المؤسسة ذات ثقل اقتصادي وعلمي، وتشارك في هموم الوطن في تشغيل العمالة الوطنية وجذب الاستثمارات الأجنبية، الأمر الذي يتطلب وجود نظام جديد للغرفة يتماشى مع رؤية 2040، مع ضرورة التحرك السريع لإعادة الانتعاش الاقتصادي للقطاع الخاص.