Image Not Found

مطرح بين الجمال والجلال..

ماجد بن محمد الوهيبي – أصداء

أصحو باكرًا فأذكر ربي في مقتبل اليوم، ثم يأخذني الشوق لمسقط رأسي مدينة روي الحبيبة التي يكاد لا يمر يوم إلا وأقصدها، ثم أطوف بمطرح الجميلة، حينما يغمرني الشوق لتلك البقاع والأمكنة أحنُ لكل الأشياء هناك وقد تبادلك الأمكنة هذا الشوق وتظل تنتظرك لتُلقي عليها سلام الشوق وتطبع على خدها قبلات الحنين، ومن تحكم به الشوق الدفين قاده.

إلى وجهة العشق، وكم نشتاق لمكة بعد طول هجر وكم تحنُ لها القلوب كما تحن أيضًا لطيبة مدينة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم ، وعسى أن تتيسر لنا عمرة قريبة وزيارة مرتقبة، نعود بالشوق لمسقط الرأس ومرتع الأجداد لذا تجدني في كثير من الأحيان منذ الصباح الباكر أتجول في ربوع روي، هذا هو الشعور بالولاء والانتماء للبقعة والمكان، (أهبط مطرح) عبارة سمعناها من الأجداد أو دعنا نقول على سبيل المثال وصيغة السؤال أين فلان لا أراه ؟ فيأتي الجواب : (هابط مطرح) كناية عن المواقع والجهات ، فمنها ما علا ومنها ما سفل ومطرح تقع جانب البحر أي تنحدر جهة البحر ، كـ (العلاية والسفالة) و (علوى وحدرا) و (شرقا وغربا) كما جرت بها الألسن باللهجات الدارجة.

أُكَحِّل ناظري برؤية روي ثم أهبط مطرح جانب البحر حيث نسمات الفجر، وكأن عبق مسك دم الإمام الشهيد عزّان بن قيس البوسعيدي يملأ المكان ونضال العلامة المحقّق الشهيد سعيد بن خلفان الخليلي له أفرعٌ وأغصان رحمهما الله وأسكنهما فسيح الجنان، أمر على المناداة ناحية سوق الفواكه والخضار مُسلّمًا على الجميع وأفتقدُ وجوهًا قد غابت عن المشهد الصباحي للمناداة وأذكر على سبيل المثال لا الحصر العم ناصر المعشري هذا الرجل صاحب الأخلاق والد الجيران والأحبة الثلاثة خلفان وعزيز وعلي حفظهم الله، حيث كنت أذهب برفقة والدي، وبعد وفاة أبي كنت أقصد ذات الأماكن بمفردي تارةً وأخرى مع شقيقي الأكبر خالد، ومُؤخرًا كان يصحبني إليها جاري البشوش محمود السيابي الذي فقدناه هو الآخر ، وكأنهم لا يزالون على قيد الحياة، رحمهم الله جميعًا وكل من غاب عن تلك اللحظات، فلا نملك لهم إلا الدعاء وذكر المحاسن والصدقات، رحم الله كل الأحبة وجمعنا بهم في الجنة.

تأخذني الذكرى وأنا أستمع للمنادي وهو ينادي على أصناف الثمار كلاً على حدة، فأنسحب شيئًا فشيئًا لأمر على سوق السمك حيث الساحل، مُسلِمًا كذلك على باعة الأسماك هناك وهم يترقبون مراكب الأسماك ، ليتقاسموا فيما بينهم رزق اليوم بارك الله لهم في أرزاقهم جميعًا وزادهم من واسع فضله، أكمل مسيري نحو الطريق البحري بمطرح الجميل حيث النوارس وأنين المراكب والسفن وكأنهاهي الأخرى فقدت حبيباً وفارقت عزيزًا، رحم الله جلالة السُلطان قابوس الذي تلهج له الألسن بالدعاء على الدوام إلى الآن وستظل تدعو له، وقد تغلغل حبُّه في القلوب وفي النفوس.

أسمع نداء أحد أصحاب سيارات الأُجرة من بعيد وهو يسلم عليّ، وهكذا هم الأحبة والأصحاب لا تفارقهم الأخلاق والآداب، أواصل سيري وإذا بالشمس تلقي بخيوطها الذهبية على البحر وقد بدأت بالشروق، لوحة ربانية ونفحة صمدانية يعجز عن تصويرها البشر وقد انعكس الجمال على الجمال فتبارك الخلاق المتعال، أواصل سيري مُسلّماً على كل من أراه وقد كثر المشاة ومن يمارس رياضة المشي بكل حيوية ونشاط، وعن يميني سور اللواتية الشامخ ومسجد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، واجهة جميلة تجمع بين العراقة والحداثة ومعلم بارز فعراقة السور وحداثة بناء المسجد مزيج بين الماضي والحاضر، وإلا فالمعالم كثيرة في مطرح، كالقلاع والحصون وسوق مطرح الشعبي القديم، هذا السوق الممتد وقد جُعلت له قبة تميز أحد مداخله المواجهة للبحر.

قبل قلعة مطرح الشامخة، وأنت متوجه ناحية ريام وصرحها الأبيض أعلى الحديقة، أمر على قلعة مطرح الشهباء فأسترجع بطولات العظماء من الأئمة الأعلام فلا أستطيع مقاومة شموخها حتى أعبر الشارع نحوها ولايزال الوقت باكرًا جداً على أوقات الزيارة لذلك المعلم التاريخي الخالد، وأسفلها متحف المكان والناس وقد بدت لي صورة لجلالة السلطان الراحل قابوس رحمه الله وهو يُلوح بيده طيب الله ثراه، أُكمل مسيري ناحية السوق وقد جعلت القلعة الشهباء عن يميني وأنا أتجه رويدًا رويدًا ناحية السوق، أمر على وادي خلفان وحلة الدكة عن يساري ، ومسجد الشرحة القديم عن يميني، مرورًا بمبنى الوالي القديم ناحية اليمين ويليه المسجد الذي كان يصلي فيه الجد يحيى الحربي والد العم يوسف، وقد أعيد بناؤه من جديد، والبيوت السكنية جهة اليسار نحو العرين، حيث يقطن الصاحب الشهم خليفة الحسني حفظه الله، وقد انتقل الآن ولكن يبقى الشوق للبقعة والمكان ، كما كانت تقطن هناك أيضًا الوالدة عائشة الأغبرية رحمها الله تلك المرأة الطيبة والعزيزة على قلب كل من عرفها وأحبها، أرمق أعالي جبال مطرح وإذا هي محصنة بتلك الحصون المتفرقة على أعاليها ، أكمل السير وقد مر الوقت سريعًا لأنهي هذه الجولة العابرة ولم أقف إلا على بعض المعالم فقط ، فمطرح غنية بالمعالم والأمكنة الجميلة ولم يسعفني الوقت لذكرها جميعًا،

أصل لمدخل سوق مطرح الشعبي عن يميني والذي يؤدي إلى عدة مداخل ومنها النزوح إلى خور بيمبه ومدخل القبة باتجاه البحر لأخرج منه مرورًا بدكاكين السوق وردهاته ولكن دكاكينه لا تزال مغلقة وقد ارتاد المارة تلك الأزقة المطرحية وأهل مطرح أدرى بأزقتها المتشعبة، أخرج من مخرج القبة وهو مخرج ومدخل في آن واحد، وفي مطرح تتعدد المخارج والمداخل لكل خارج وداخل، وأتأسف كل الأسف لأنني لم أتمكن بسبب ضيق الوقت أن أجوب ربوع مطرح قاطبة، وأعتذر لسكان تلك الأماكن التي لم أصلها في هذه الجولة، وقد زرتها مرارًا وتكرارًا فيما مضى وبالطبعِ لا يفوتني ذكرها ومنها (الوشل – جيدان – الغريفة – الزبادية – الطويان – الشجيعية – اللولوة – حلة الجبل كوهبون) ولا ننسى أماكن بيع القهوة والبهارات وصنوف المؤن كمحلات الرحبيّين العريقة، ومحلات الحلّاوين، وذكريات مستشفى الرحمة وقد حل مكانه المركز الصحي لمطرح الآن، ومن الجانب الآخر ريام وقبل ذلك حلة (نازي موجا) التي تقع خلف سور اللواتية و (نازي موجا) هو اسم باللغة السواحلية فنازي تعني فيما أحسب شجرة جوز الهند (النارجيل) وموجا تعني الواحدة، ومنهم من يقول (نازا مويا) والأول أشهر، وتسمى اليوم حلة الهناء، وكذلك حلة الزاهية ومن منا لا يعرف حلة الزاهية لا سيما هي أشهر بمسماها القديم (جبروه).

وختامًا حلة الشمال أو حارة الشمال كما تُعرف بين الأهالي وهي ناحية الميناء، معلنًا بذلك نهاية طوافي السريع والعابر بتلك النواحي؛ عائدًا إلى مركبتي متوجًها نحو مقر سكني الحالي بالعامرات بعد نشوة التجوال بتلك الأمكنة والردهات.