الشرق – سيد محمد
أكد خبراء بقطاع الشحن البحري استعادة قطاع الشحن البحري القطري لنشاطه بوتيرة أسرع مما كان متوقعا والبدء في التوسع بشبكة خطوطه العالمية، الأمر الذي ساهم في الحد من التأثر بارتفاع الأسعار الذي شهده القطاع عالميا. وقال الخبراء إن شبكة الخطوط الواسعة لميناء حمد وباقي الموانئ المحلية مكنت من تجنب حصول أي تأثير لهذه التطورات، وهو ما ساهم في استقرار الأسعار بالسوق المحلي مع حصول تفاوت معقول في ظل الظروف المشار إليها.
تأثير محدود
وفي معرض حديثه لـ الشرق، قال الدكتور محمد مبارك السليطي، المستثمر بقطاع النقليات، إن حركة الشحن العالمي شهدت تقلبات كبيرة مثلها في ذلك مثل باقي وسائل النقل العالمية التي تأثرت بجائحة كوفيد 19، وأثرت على حركة الخطوط والأسعار. ويضيف الدكتور السليطي: إن قطاع الشحن ربما كان الأقل تأثرا من غيره من القطاعات كقطاع النقل البري الذي شهد توقفا شبه كامل، وقطاع النقل الجوي الذي شهد توقفا يزيد على 70% من نشاطه. وكنتيجة طبيعية لهذه التطورات شهدت حركة الشحن تحركات تصاعدية في الأسعار، إلا أن حركة الشحن من وإلى قطر كانت الأقل تأثرا بهذه التطورات، وساهمت شبكة الخطوط الواسعة لميناء حمد وباقي الموانئ الأخرى من حصول أي تأثير لهذه التطورات، وهو ما ساهم في استقرار الأسعار بالسوق المحلي مع حصول تفاوت معقول في ظل الظروف المشار إليها.
ويشير الدكتور السليطي إلى أن البيانات الصادرة عن شركة موانئ قطر تؤكد نمو هذا القطاع واستقرار أسعار الشحن كذلك في حدود المعقول، حيث بلغ إجمالي أعداد السفن التجارية التي استقبلتها موانئ حمد والدوحة والرويس خلال الربع الأول من العام الجاري 747 سفينة. فيما تراجعت أعداد السفن المستقبلة خلال أول شهرين من 2021 بنسبة 6.7 %، مقارنة بالأعداد المسجلة في الفترة نفسها من العام 2020 البالغة نحو 801 سفينة. وبلغ إجمالي حمولات السفن من الحاويات في يناير وفبراير ومارس من العام الجاري، أكثر من 411 ألف حاوية نمطية بنمو سنوي 22.5 % عن أعداد الحاويات الواصلة في يناير وفبراير ومارس 2020 المقدرة بنحو 335.9 ألف حاوية. وهذه مؤشرات جيدة جدا على استعادة قطاع الشحن البحري لحيويته دون تأثر كبير بالوضع السابق.
أسعار الشحن
وحول تكاليف الشحن البحري إلى دول الخليج، وتداعيات رفع أسعار الحاويات الذي شهده قطاع الشحن مؤخرا، يقول د.حيدر بن عبدالرضا اللواتي، الخبير في القضايا الاقتصادية، إن هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى رفع أسعار الشحن البحري إلى دول المنطقة منها جيوسياسية وأخرى تجارية، بالإضافة إلى الآثار السلبية للجائحة التي ألقت بظلالها على التجارة العالمية، الأمر الذي كان لجميعها آثار سيئة على عمليات الشحن والتصدير والاستيراد من وإلى الموانئ الخليجية والعالمية.
ويضيف د. اللواتي في حديثه لـ الشرق: إن الجائحة التي نمر بها منذ بداية العام الماضي 2020، عملت على خفض حجم وقيمة الواردات العالمية من المؤانئ الصينية وغيرها عبر السفن العملاقة التي توقفت عن المسير في تلك الفترة، حيث يعود السبب الرئيس إلى قيام شركات الملاحة العالمية بتوقيف 50% من بواخر الحاويات بغرض تقليل المصاريف الإدارية والتشغيلية بعد بروز أزمة فيروس كورونا. وبالتالي كان لذلك تأثير على ارتفاع أسعار الشحن البحري عن عودتها مرة أخرى، لأن الكثير من دول المنطقة اتجهت نحو تشغيل أسطولها الجوي للحصول على بعض المنتجات والسلع الضرورية التي تحتاج إليها، وبالتالي تراجعت أعداد السفن البحرية الناقلة للحاويات في ظل القيود والإجراءات التي اتخذتها الحكومات بشأن حجر الحركة البحرية. كما تسبب الجائحة في تأخير تخليص البضائع أو تفريغها، الأمر الذي أدى إلى تراكم الحاويات في بعض الموانئ الصينية بسبب تلك الإجراءات. ونتيجة لاتفاق شركات الشحن والخدمات اللوجستية في بعض دول المنطقة بشأن رفع أسعار الشحن، فقد ذلك أدى إلى ارتفاع مستويات الأسعار بصورة كبيرة ما بين 35 إلى 40% بحيث بلغت نسبة 100% لبعض الدول، وهذا ما أدى إلى ارتفاع الأسعار مع زيادة الطلب على الناقلات البحرية تمليكاً أو تأجيراً بسبب عودة الحياة. ومع اتخاذ الدول الإجراءات الاحترازية الإلزامية تجاه الوباء خلال الأشهر الماضية، فان ذلك عمل على ازدهار الحركة التجارية، الأمر الذي ساعد على رفع الطلب على المنتجات والمواد لاستيرادها عبر الموانئ البحرية، إلا أن قلة أعداد سفن الحاويات نتج عنه رفع أسعار الشحن البحري إلى موانئ دول المنطقة وخارجها.
كما أن أسعار الشحن عبر المحيطات يعاني هو الآخر نقصا في المعدات مع وصولها إلى مستويات كبيرة بسبب الجائحة والاضطرابات في الموانئ الرئيسية في الصين وبعض الدول الغربية وأمريكا، بالإضافة إلى الهجمات التي تعرضت لها بعض السفن العالمية في الموانئ الخليجية نتيجة للأسباب الجيوسياسية والتطبيع بين بعض دول المنطقة والكيان الصهيوني، مع حصول أزمة السفينة التايوانية بقناة السويس وتوقف الملاحة في القناة لعدة أيام.
ولا ننسى اليوم أن ازدياد عدد المتسوقين بشراء بعض احتياجاتهم عبر الإنترنت من المنتجات المنزلية والمواد الخام للبناء منذ بدء الجائحة شكّل ضعطا على الاستيراد عبر الموانئ البحرية في ضوء قلة الحاويات والسفن المتجة نحو المنطقة. فشركات الشحن تعطي الأولوية للتجارة طويلة المدى وليست للطلبات الوقتية، إلا أن هذه الطلبات شكلت فرصة لدى تلك الشركات برفع أسعار الشحن البحري، الأمر الذي أدى إلى نقص المساحات المخصصة بشحن البضائع عبر المحيطات.
كما أن من أسباب ارتفاع أسعار الشحن حالياً تعود أيضا إلى انخفاض سعة الرحلات الجوية في العالم بسبب الجائحة، وتوقف المطارات عن العمل في تلك الفترة ونقص الحاويات. فالطلب على شحن اللقاحات والمعدات الطبية والصحية والوقائية ومعدات حماية الأفراد خلقت ضغطا على حجم الشحن، الأمر الذي أدى إلى رفع حركة الطائرات المخصصة والبريد السريع والطائرات المستأجرة لنقل تلك السلع والمساعدات إلى الموانئ الجوية، وكذلك البريد السريع، والطائرات المستأجرة.
ونتيجة لتراجع الحركة البحرية، فقد أخرجت آلاف من حاويات الشحن من العمل حول العالم، وخاصة في الصين التي تشكّل صادراتها نسبة كبيرة من الصادرات العالمية، الأمر الذي أدى إلى الاختلال في العرض والطلب على الحاويات والسفن، فيما تم إيقاف الرحلات المنتظمة للسفن، الأمر الذي نتج عنه زيادة في الرسوم، وخاصة إلى أوروبا وأمريكا بسبب المكاسب التي تحققها شركات الشحن عما يمكن تحقيقه من أرباح في دول المنطقة. ومع عودة الحياة التجارية إلى العالم فإن أسعار الشحن البحري مرشحة في التصاعد لحين استقرار الطلب والعرض. ويتوقع الخبراء أن تعود طبيعة حركة السفن وأسعار الشحن إلى طبيعتها في الربع الأول من العام المقبل 2022. وحتى ذلك الحين فان ارتفاع أجور الشحن البحري من الطبيعي أن يؤثر على أسعار البضائع والمنتجات في الأسواق المحلية في المنطقة. كما أن إجراءات الوقاية في النقل بين الدول أدت إلى رفع قيمة تكاليف الشحن والتأمين والنقل، في الوقت الذي تعمل فيه تلك الشركات على رفع الأسعار للتعويض عن الخسائر التي لحقت بها من جراء التوقف الطويل لسفنها. وأخيرا فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وحصول بعض الاحتكاكات عبر الحدود أدى ذلك أيضا إلى ارتفاع تكلفة شحن البضائع من وإلى الدول.
ويقول الدكتور اللواتي في ختام حديثه لـ الشرق: إن شركات النقل المحلية في مجال الشحن الدولي بدول مجلس التعاون الخليجي لا تمتلك أسطولا من السفن لنقل الكثير من وارداتها الأجنبية، بل تعتمد على الشركات الغربية والآسيوية في هذا الشأن، الأمر الذي يتطلب النظر في صناعة البواخر بدول المنطقة لتفادي مثل هذه الأزمات الطارئة.
زيادة الطلب
وفي حديثه لـ الشرق يقول السيد سامر عطاري، المدير العام لشركة الجابر للتخليص الجمركي والشحن، إن هناك أسبابا أدت إلى ارتفاع أسعار الشحن عالميا، وخاصة من الصين، وأول هذه الأسباب كوفيد 19 الذي أدى إلى توقف نشاط معظم شركات الشحن، ونتيجة لذلك تحاول معظم الشركات تعويض خسائرها التي حصلت أثناء فترة التوقف الكبيرة التي حصلت، وثاني هذه الأسباب الإجراءات التي تم اتخاذها لخفض التكاليف، فهناك شركات الملاحة توقفت في حدود 40% أثناء الأزمة، نظرا لنقص وقلة الطلب، فأغلب البضائع كانت عائمة في البحر نظرا للإغلاقات العالمية، وتوقف حركة البواخر بنسبة كبيرة، وتراجع الأداء التشغيلي، وتخفيف طواقم السفن، وخلال هذه الفترة لم يكن متوقعا أن ترجع الحركة الملاحية بالشكل السريع الذي رجعت به، حيث كان النشاط أسرع من المتوقع، وجميع هذه الحاويات التي تأخرت في الموانئ، لاسيما في أوروبا وأميركا، أصبحت مطالبة بأرضيات أكثر من قيمة ثمنها، فتخلصوا منها ولم يحاولوا استرجاعها، وهذا أدى إلى حصول نقص كبير في الحاويات، نظرا لفترة الإغلاق الطويلة.
ويوضح السيد عطاري أن هذه التطورات جميعا ساهمت في حصول نقص كبير في الحاويات، فالحاويات غادرت من الصين ولم ترجع إليها، كما أنه ظهرت شركات تقوم بتصنيع حاويات جديدة، وكل هذه الحاويات منها 50% تملكها الشركات المسيرة لخطوط الشحن، و50% منها تملكها شركات مختصة بالتأجير، تأجير الحاويات، وقد قامت هذه الشركات برفع أسعار التأجير 100%، وهذا تزامن مع زيادة الطلب مع بداية التعافي الاقتصادي، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الشحن، ولم يعد الحجز سهلا كما كان الوضع في السابق، كما أن الشركات الصينية مستفيدة في النهاية من هذه الحالة، سواء من خلال التصنيع أو من خلال ارتفاع الأسعار.