تتمتع السلطنة بالعديد من الموارد الاقتصادية الوراثية التي تشكّل كنزاً من الثروة للبلاد سواء في البر والبحر. وتتطلب هذه الموارد جهودا مضنية لاكتشافها، وتتعلق بعضها بالموارد الجينية التي تمثّل فرصًا تجارية كبيرة، الأمر الذي يتطلب توعية الأفراد والمؤسسات والشركات بأهمية استغلالها بصورة تجارية وتأسيس المشروعات التي يمكن أن توفر آلاف فرص عمل للمواطنين والوافدين.
هذه الموارد الثمينة للاقتصادات تحدثت عنها الدكتورة نادية بنت أبوبكر السعدية المدير التنفيذي لمركز عمان للموارد الوراثية الحيوانية والنباتية التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وذلك في الجلسة الأخيرة بمجلس الخنجي الافتراضي الأسبوعي، مشيرة إلى أنَّ السلطنة لديها كنز من الثروة الحيوانية في البر بجانب الثروات المائية في الحياة البحرية، الأمر الذي يتطلب اكتشاف هذه الموارد وتحويل تلك المصادر للاستفادة منها في عملية التغذية والعلاج وغيرها من الأمور الأخرى التي يمكن أن تعود بالمنافع على أبناء السلطنة كما هو حاصل في العديد من الدول المتواجدة في أفريقيا وآسيا.
ومن خلال قيام المركز بأنشطته منذ إنشائه في عام 2012، فإنه يعمل أيضًا على متابعة تطور هذه الموارد وتعزيز استخدامها الأمثل في المستقبل، بجانب استدامتها في تعزيز التنوع الوراثي للثروة الحيوانية والنباتات والكائنات الحية الدقيقة الأخرى، والعمل على إبرازها من خلال تفعيل وسائل المعرفة والاستفادة منها في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز القيمة المضافة لها من خلال أعمال البحث العلمي والابتكار واستغلالها في الصناعات والابتكارات العلمية. فهناك اليوم العديد من الشعاب المرجانية والسلاحف والنباتات والطيور والماشية ومختلف أنواع الأسماك في السلطنة والتي تمثّل جميعها ثروة اقتصادية هائلة؛ حيث يعمل المركز على تنفيذ التجارب والبحوث العلمية في المختبرات التي تم إنشاؤها لهذا الغرض، بجانب تأسيس بنك الجينات لحفظ الموارد الوراثية بالتعاون مع بعض الجامعات العمانية. كما يجري المركز عمليات الإكثار لبعض البذور والنباتات وحصر الفطريات، ومتابعة الصفات الوراثية للغزال والعمل في مشروع دراسة التوصيف الجيني للحشرات، بالإضافة إلى الاستفادة من الدراسات والبحوث من أجل تحسين جودة الإنتاج الزراعي والحيواني في السلطنة بشكل عام. فبنك الجينات الذي أنشأه المركز هدفه إيجاد قاعدة بيانات ودراسة الصفات والأصناف الموجودة في السلطنة والمحافظة على سلالات النباتات المتواجدة من الجفاف وتوفير الإنتاج ومقاومتها للأمراض، بالإضافة إلى الاحتفاظ ببذور النباتات وأنواعها المتواجدة، وكذلك المحافظة على الحيوانات ومعرفة الجينات الوراثية لها والأمراض التي تصيب النباتات والحيوانات. ومن خلال حديثها، تبيّن أن هذه الموارد يمكن من خلالها استخراج مختلف أنواع الأدوية والمستحضرات التجميلية، حيث يمكن استخدام بعض أنواع الزهور والنباتات ونواة النخيل على سبيل المثال في تلك المستحضرات، بالإضافة إلى تحقيق الأمن الغذائي من خلال تحسين السلالات للموارد الحيوانية المتواجدة في البلاد.
بعض أنواع هذه الموارد من الحيوانات والنباتات فريدة في السلطنة وفق حديث المسؤولة، ولا يمكن رؤيتها في دول أخرى، في الوقت الذي يعمل فيه المركز مع رؤية “عمان 2040” للاستدامة ومساعدة الاقتصاد الوطني. فهو يهتم في الترويج السياحي من خلال الاهتمام ببعض أنواع الحيوانات مثل الغزال والعقارب وكيفية الاستفادة منها في العمل الطبي، وكذلك الاهتمام بالماعز والجينات التي تحملها من أجل الإكثار منها، بجانب الاهتمام بالخيول والأبقار والعجول وغيرها، حيث هناك سوق لجميع أنواع هذه الحيوانات سواء في مجال التغذية أوالعلاج. وفي الأحياء المائية هناك طلب على الأسفنج البحري ونباتات بحرية أخرى بينما على البر هناك الفطر والفقع في عدة أماكن من السلطنة، بجانب الزهور واللبان العماني الذي له أهميته الخاصة في علاج السرطانات.
لقد تمكن المركز من إنشاء مشروع المقهى العلمي وإطلاق مسابقة ماراثون أفكار التنوع الأحيائي بمسمى “منافع” الذي يهدف إلى إيجاد مجتمع عُماني يتمتع بالعمل العلمي واستنباط الأفكار التجارية واستغلالها في المشاريع الاقتصادية الرائدة التي يمكن أن تعود بالمنافع الاقتصادية على المجتمع، ويساعد في تطوير أعمال مستدامة ويفتح فرصًا تجارية للشباب، بحانب تعزيز وعي النَّاس بأهمية الحفاظ على الأصول الطبيعية لهذه الموارد.
ولتوصيل هذه الرسالة للأجيال الجديدة، فإنَّ المركز يعمل على تزويد النشء والطلبة بفكرة عن هذه الموارد من خلال الزيارات، إضافة إلى توصيل رسائله للجمهور، ولديه برنامج “منافع” يهدف إلى تعزيز هذه الرسالة، خاصة وأنَّه سبق له التخطيط لإنشاء مركز للحياة العلمية في السلطنة، إلا أن الظروف المالية تعمل على تأخير إنجاز هذا المشروع، إلا إذا تبنته بعض مؤسسات القطاع الخاص ليستفيد الجميع من هذا العمل الوطني. كما يعمل المركز على إنشاء أكاديمية لدراسة هذه القضايا والتوجه لإجراء مزيد من البحوث، بالإضافة إلى تأسيس مؤسسة خاصة لأصحاب الاحتياجات الخاصة ومركز مائي لكي يتمكن الأطفال من لمس هذه الحيوانات ومعرفة الحياة البرية والبحرية، والعمل على استدامة هذه الحياة والأعمال المرتبطة بها.
ويعمل المركز منذ إنشائه على تعزيز علاقاته مع العالم الخارجي من خلال زيارة العاملين لديه إلى المراكز المماثلة في العالم، واستقبال الوفود الأجنبية التي تأتي لزيارة السلطنة من أجل مناقشة سبل التعاون فيما بينهم، خاصة في مجال كيفية استخدام النباتات الطبية العمانية وسبل تطويرها لعلاج بعض الأمراض ومنها السرطانات.
ومن خلال المداخلات التي تمت في هذا الشأن يتبيّن أن أصحاب بعض المؤسسات في القطاع الخاص لديهم الرغبة في الإقبال على هذه المشاريع بعدما يتم دراستها، وعمل خارطة طريق لها، والتوجة نحو إجراء دراسات جدوى للدخول في المشاريع الصناعية، والقيام بأعمال الترويج والتسويق على المستوى الداخلي والخارجي. وتبيّن أيضاً من خلال المناقشات أنَّ الجائحة التي نمر بها حالياً علّمت الشعوب الكثير بضرورة الاعتماد على نفسها في كل أمر، خاصة عندما تكون الحدود مغلقة بين الدول. فعُمان ولله الحمد لديها من النباتات التي يمكن إنتاج عشرات الادوية منها، بجانب الموارد الحية البرية والبحرية التي يمكن أن تقام عليها مئات الصناعات الخفيفة والثقيلة، الأمر الذي يتطلب ضرورة توجيه الفوائض المالية والاستثمارات المحلية إلى هذه المشاريع المجدية لتصبح السلطنة دولة صناعية تستطيع توفير آلاف فرص العمل لأبنائها.