ها هي رسالة أخرى تأتي من قبل أبناء مُحافظة الوسطى وبالتحديد من ولاية الدقم؛ حيث يُعاني أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هناك من عدة مشاكل تتعلق بتجارتهم نتيجة للمنافسة غير الشريفة القادمة من مؤسسات يديرها وافدون (تجارة مستترة)، وتتزايد بصورة كبيرة لانتشارهم في الولاية، ومزاحمتهم لأصحاب المؤسسات التي تدار من قبل المواطنين وبصورة غير تنافسية.
السؤال المطروح في هذا الشأن يتعلق ببعض المواطنين أنفسهم؛ حيث يقومون بتسهيل مهام الوافد في الحصول على السجل التجاري وعضوية غرفة تجارة وصناعة عُمان، وتسهيل مهمة إخراج المأذونيات للعمالة الوافدة، ومن ثم يقومون بتسلميها للتاجر الوافد للحصول على حفنة من المبالغ الشهرية أو السنوية من جراء بيع السجلات وتقديم التسهيلات لهم، على أن يتمتع الوافد بالكثير من المزايا في تشغيل تلك المؤسسات التي تدار لاحقًا من قبل مجموعة من الوافدين الجُدد ومن نفس الجنسية التي تعودت أن تستحوذ على أنشطة اقتصادية وتجارية مهمة، وفي قطاع الاستيراد والتصدير والبيع والشراء، والعيش بطريقة معينة من خلال السكن والتكدس ليلاً في شقة صغيرة، والقيام صباحاً لممارسة أساليبهم المعتادة في البيع والشراء بصورة غير تنافسية؛ الأمر الذي يؤدي إلى خسارة المؤسسات والمحلات التي يديرها المواطنون.
هذه القضايا أصبحت اليوم مثار جدل في وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث يطالب أصحابها بألا نسمح بمثل هذه الممارسات التجارية أن تستمر في ولاية على تخوم منطقة اقتصادية صُرفت عليها الملايين من الريالات لتكون منطقة جذب للاستثمارات الأجنبية، ومنطقة صناعات وخدمات لوجستية كبيرة في المستقبل؛ الأمر الذي أدى إلى نمو عدد من المحلات والمؤسسات التجارية في هذه المدينة بهدف توفير المنتجات والبضائع والسلع التي يحتاج إليها القادمون الجدد من العمالة الوطنية والأجنبية التي تعمل في لخدمة المؤسسات الصناعية والخدمية الكبيرة التي تم إنشاؤها في المنطقة خلال العقدين الماضيين.
ولاية الدقم هي إحدى ولايات محافظة الوسطى، وتضم المحافظة كذلك ولايات محوت والجازر وهيماء، وهي تقع على البحار المفتوحة للساحل العماني الممتد على بحر العرب والمحيط الهندي. وخلال السنوات القليلة الماضية تضاعف عدد سكان مدينة الدقم التي تبتعد حوالي 550 كيلومترا من مسقط، وكانت مقراً للكثير من العائلات التي تعمل في مجال الصيد لتصبح اليوم مدينة تضم جنسيات عديدة من الجاليات الأجنبية نتيجة للمشاريع التي يتم تأسيسها في القطاعات الإنشائية والصناعية والخدمية، حيث هناك الكثير من الفرص التجارية في هذه المدينة.
هذه التطورات تدعو المجتمع والمواطنين لضرورة التوجه نحو المشاريع التي تحتاج إليها الدقم خلال السنوات المقبلة، مع ضرورة قيام الجهات المعنية بحماية التجار ورواد الأعمال العمانيين من المنافسة غير العادلة من الأجانب في ضوء السياسات التي تدعو إلى امتلاك المشاريع الأجنبية بنسبة 100%، وانخفاض الضرائب في الوقت الذي تحظى فيه المشاريع الصناعية بالإعفاء من الضريبة الجمركية على المواد الخام والآلات، إضافة إلى عدم وجود أية قيود على تحويلات الأرباح السنوية التي تحققها المؤسسات التجارية والصناعية.
اليوم.. ونتيجة للبنية الأساسية والمشاريع التي تُقام هناك، فإن عدد العمالة الأجنبية في تصاعد مستمر، الأمر الذي دفع ببعض المؤسسات إلى إنشاء مدن سكنية للعمال تشتمل على الشقق والمحلات والطرق والإنارة والأندية والمسابح وغيرها من المرافق الأخرى التي يحتاج إليها الشخص. وفي خضم هذا التفاعل التجاري والاقتصادي في المنطقة من الأجانب، فإنَّ حماية التاجر ورائد الأعمال المواطن مهم جداً لكي لا يسبب الأجنبي له في منافسة غير شريفة مثل ما حصل في عدد من المدن الأخرى خلال العقود الماضية. فالأعمال القادمة في مدينة الدقم تتطلب من التجار والمؤسسات العمانية ضرورة التفكير في تأسيس المشاريع الوطنية التي تحتاج إليها المنطقة، بحيث يتم إنشاؤها على شكل شركات مساهمة عامة أو محدودة المسؤولية بين أبناء المنطقة وخارجها، الأمر الذي يمكنهم من مواجهة هذه المنافسة غير الشريفة من التجار الوافدين الذين يحاولون الحصول على الكعكة بمفردهم، واستغلال الإمكانيات والمشاريع الخدمية التي أنشأتها الحكومة في خدمة مصالحهم فقط ومساعدة أبناء دولهم دون تمكين المواطن ورائد الأعمال العماني من الاستمرار في عمله التجاري اليومي.
الدعوة التي أطلقها أبناء المنطقة لحل هذه الإشكالية تتعلق بضرورة تكاتف أبنائها والإبلاغ عن أي تجاوزات، بما يُساعد الجهات المعنية في الكشف عن المخالفين، مؤكدين في رسالتهم أن هذا الأسلوب التجاري يسبب دمارًا لمستقبل أعمالهم في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مع ضرورة العمل لوقف هذه الممارسات وتنبيه المواطنين في تلك المنطقة لمساعدة بعضهم البعض، وتوصيل رسالتهم بما يحدث لإخوانهم من متاعب ومشاكل من جراء الاستمرار في عمل مؤسسات تُدار بالتجارة المستترة، وخاصة لأصحاب المؤسسات الصغيرة الذين اجتهدوا في الحصول على التمويل اللازم من مؤسسات الدولة والتوجه نحو العمل الحُر وإدارة مؤسساتهم الصغيرة بأنفسهم. كما من المهم أن تبدأ الدولة بطرح مزيد من المبادرات واستغلال فرص العمل المتاحة في المؤسسات القائمة بتشغيل العمالة الوطنية وإحلالها في هذه المدينة، حيث هناك آلاف الفرص للعمانيين الجدد الراغبين في العمل بتلك المؤسسات، وإعطاء مزيد من الاهتمام لمشاريع الاستثمار في قطاعات التعليم والتدريب للعمانيين، بجانب تنمية القطاع السياحي والفندقي والزراعي والسمكي.