تعتبر آليات الحوكمة إحدى أهم الوسائل التي يمكن من خلالها مكافحة الفساد الإداري والمالي في المؤسسات. وقد عرّفت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD «الحوكمة» بأنه النظام الذي تستخدمه المنشآت فـي عمليـة الاشراف والرقابة على عملياتها. فالحوكمة تمثّل النظام الـذي يـتم مـن خلاله توزيـع الحقـوق والمسـئوليات علـى مختلـف الأطراف في المنشآت، وتسيير أعمال الشـركات ومراقبتها ومتابعة العلاقات بين جميع الاطراف وأصحاب المصالح.
وتعتبر البنوك من المؤسسات التي يتعامل معها ملايين من الأفراد بصفة شخصية أو ممثلين للشركات والمؤسسات التجارية. وقد أصبحت مكانة البنوك تقاس اليوم من خلال نجاحها في الأعمال التي تقوم بها دون الارتباط بوسائل الفساد وذلك من خلال تطبيقها لوسائل الحوكمة وآلياتها المتعددة. فهي تعتبر اليوم من أكثر المؤسسات التي تستخدم الوسائل الحديثة في المعرفة والتقنيات المرتبطة بها، الأمر الذي سهّل الكثير على العملاء من الجهد والوقت والمال في إنجاز أعمالهم المصرفية عن بعد، خاصة تلك المتعلقة بالأطراف الأخرى داخل وخارج الدول. هذه الوسائل والتقنيات في عالم المصارف تتطور يوميا، في الوقت الذي تزداد فيه التحديات للمؤسسات المصرفية نتيجة لوجود القراصنة الذين يتميزون بإمكانيات معرفية ومالية في كيفية خلق دربكة ومشاكل للعملاء والبنوك في آن واحد، الأمر الذي يتطلب زيادة الرقابة والإشراف ومتابعة أمور «اعرف عميلك» بحيث لا يتمكن القراصنة والفاسدون من متابعة العمليات المصرفية لأنفسهم أو الآخرين.
فاليوم تنتشر في العالم الكثير من العمليات التي ترتبط فيما يسمى بالبنوك الالكترونية التي انتشرت في العالم بجانب الواقع الجديد في التعاملات المصرفية مع البنوك المركزية، الأمر الذي يتطلب تعزيز مبادئ الحوكمة المصرفية في هذه المؤسسات والقضاء على أية فجوة في تطبيق الآليات التي ربما تؤدي إلى إخلال العمل المصرفي بها في حال التراجع عن عمليات التدقيق والحوكمة المطلوبة إجراؤها.
فمن خلال التعامل مع المصارف بشكل عام يجد المرء أن هناك علاقة قوية بين تطبيق آليات الحوكمة والمسؤوليات التي يتحلى بها الافراد، الأمر الذي يتطلب تحديد مسؤوليات مجالس الادارة، والإدارات التنفيذية بهدف رفع كفاءة نظام الرقابة والمراجعة الداخلية، بهدف رفع جودة التقارير والمعلومات المالية والمحاسبية في المؤسسات، بجانب علاج المشكلات التي قد تواجهها في هذا الشأن. فالمشاكل المالية التي تعرضت لها بعض المؤسسات المصرفية وغير المصرفية في العالم خلال السنوات الأخيرة أدت إلى ضرورة وضع مجموعة من القواعد والضوابط والمبادئ الاخلاقية والمهنيـة لتحقيـق الثقـة والمصداقية في المعلومات الواردة في القـوائم الماليـة لهذه المؤسسات التـي يحتـاج إليهـا العملاء والوسطاء والمتعاملين في الأوراق المالية وغيرها من الفئات الأخرى.
فالحوكمة ضرورية في هذه المؤسسات، وتلعب دوراً كبيراً في تعزيز ثقـة المسـتثمرين والعملاء بها، وتعمل على تنشـيط عمليات الاستثمار وتفعيل حركة السوق المالي اليومي، بجانب تحسين الكفاءة المالية والادارة الاقتصادية للشركات والمؤسسات، بجانب تقييم أداء الإدارة العليا وتعزيز المساءلة ورفع درجة الثقة بين الجميع. وهذا يؤدي إلى تجنـب حـدوث مشـاكل محاسـبية وماليـة بين الشركاء، الأمر الذي يعمل علـى تـدعيم واسـتقرار نشـاط الشـركات العاملـة وعدم حدوث التعثرات وانهيـارات للشـركات. وهذا الأمر بلا شك يعمل على دفع العملية الاقتصادية وجذب الاستثمارات الأجنبية، بجانب دعم وتطوير المؤسسات المصرفية والمالية في الدول.