Image Not Found

في نشوة النصر

مصطفى محسن اللواتي – الرؤية

“الحمدلله الذي جعل أعداءنا من الحمقى”، نعم هم من الحمقى.. وعبر تاريخهم منذ سيدنا موسى عليه السلام كانوا حمقى، أُنزل عليهم المنَّ والسلوى فطلبوا العدس والفول، طُلب منهم أن يذبحوا بقرة فعقدوا المسألة بأسئلتهم..

نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم عقد معهم عدة اتفاقيات، وكان بإمكانهم أن يعيشوا كرماء أعزاء بها، لكن الحمق لا دواء له، فخرقوها حتى أصبحوا يُخربون بيوتهم بأيديهم.. وها هي اتفاقاتهم في أوسلو ووادي عربة وخارطة الطريق وغيرها، رغم أنهم هم من هندسها، وكانت اتفاقات عار، لكن حمقهم جعلهم يخرقونها!

ولأنهم حمقى، ولكي يداروا حمقهم، استعملوا أبشع أنواع القتل، وأبشع أنواع العنف، فكان السلاح، والقتل، والدم، والتشريد، هو لسانهم الذي يتكلم، فقام كيانهم على الأشلاء والجماجم. ولا زال حمقهم مستمراً لأنهم لا يفقهون أنَّ دولة الظلم ليس لها عمر، وأياديها قصيرة، فهم لم يقرأوا وإن قرأوا لن يفهموا كيف تجري السنن في الكون.

وهذا الحمق جرّهم إلى أن يجمعوا شتات اليهود من بقاع الأرض، ويوطنوهم في أرض ليست لهم، فجاءوا بحمقى آخرين، زادوهم خبالاً. ونحن نعيش نشوة الانتصارات، بما حققته هذه المُقاومة الباسلة، المقاومة الحيَّة، المقاومة البطلة، فإننا نؤكد على بعض النقاط.

مما يجب على كل مسلم، بل كل إنسان، أن يعيش قضية فلسطين بكل جوارحه، وأن لا تهدأ ثائرته، ولا تكل غيرته إطلاقاً، بل يظل ينصرها بكل ما أوتي من قلم أو لسان أو جميل خطاب أو فنون أو إعلام أو مال أو نفس إن تطلب الأمر، يجب أن تبقى فلسطين حيَّة في داخلنا، تُثير فينا الغيرة، وتوقظ فينا الهمم، وتشحذ فينا الإباء.

قضية فلسطين ليست قضية القدس والأقصى وحدها، رغم أن القدس ستظل مكانتها ومقامها في الذاكرة الإسلامية، وفي الشعور الديني، وهي ليست قضية ظلم حاق بأهلها فقط، رغم أن الظلم يؤلم ويوجع ولابد من رفضه ورفعه، لكنها مع كل هذا وذاك وقبل كل شيء هي قضية “إنسان”.. إنسان يعاني، إنسان يقتل ويشرد ويهدم بيته وتسوى بالأرض خيراته، ويفقد أحبته، نعم إنها قضية “إنسان” أمام وحش يدعي أنه بشر.

وبين هاتين النقطتين يأتي الواجب الديني، والفرض الأخلاقي، والعرف الإنساني في كيفية التعامل مع هذا الوحش الأحمق الدي لا يفقه إلا لغة القتل، هل نتعامل معه بالرفق أو اللين، أم نتعامل معه كإنسان وهو ليس من الإنسانية في شيء، أم نتعامل معه وفق مبدأ المصالح المشتركة؟ التاريخ يُخبرنا أنَّ كل من تعامل مع هذا الجسم الغريب تمَّ الغدر به، فهم لا يعرفون الصداقة، ولا يفهمون معنى القيم، ويبيعون الأخلاق في أسواق النخاسة… فهل ينفع معهم التطبيع؟ وهل تجدي دعوات التطبيع؟ بل هل ينفع معهم “مد اليد” وهم يقطعونها لاحقاً، ثم كيف يكون التطبيع مع مُحتل غاشم قاتل، وكيف يمكن أن يفكر الشخص بأن يُطبِّع أو يصافح قاتلاً، والمقتول من أهله ودينه، ومن المظلومين الذين أمرنا الله وحثت الإنسانية أن نقف معه قبالة الظالم.

ونحن نعيش نشوة النصر الحقيقي، ونعيش فرحة انتصار ساحق، لابد أن نضع أيدينا على بعض الحقائق المهمة والتي يحاول الإعلام الصهيوني والغربي، بل وإعلام التطبيع معه أن يخلط ويدس فيها ما يلمع صورة هذا الكيان الغاشم:

سيبقى الكيان الصهيوني كياناً استعمارياً غاشماً، سيظل محتلاً ما دام موجوداً على أرض فلسطين، احتلالا لا زال يجلب شتات اليهود ويسلمهم أراضي الفلسطينيين ومساكنهم، بل ويهجّر أصحاب الحق خارج وطنهم.

ليس هناك طرفان في هذا الصراع، وما يحدث ليس حرباً أو نزاعا سياسيا، بل هو جلاد وضحية، جيش مُدجج وشعب أعزل، تمييز عنصري، تهجير قسري، سياسات ممنهجة لسلب حقوق الفلسطينيين، جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وأطلق العنان لخيالك في كل وحشية تتصورها.

معاداة الصهيونية، مقاومة الاحتلال، الدفاع عن النفس، نشر فظائع اليهود وممارساتهم البشعة، كل هذا وغيره ليس معاداة للسامية، وإن حاولوا تصوير ذلك ليمنعوا الإعلام من التعاطف مع الفلسطينيين.

ونحن في أول يوم للانتصار، ونحن نصلي صلاة الشكر، ونسجد لله حامدين على هذه الكرامة كما فعلنا في 2006 حينما دحرت المقاومة اللبنانية الباسلة فلول هذا الكيان الجبان، فإننا هنا نُسلط الضوء على أبرز ما حققته المقاومة في هذا الانتصار الباهر، فقد استطاعت المقاومة الفلسطينية أن تخلق نوعاً جديداً من الردع، فمن حجارة إلى سكاكين إلى رشاشات إلى صواريخ القسام والتي كان مداها لا يتعدى 2 كيلومتر وتحمل رأساً وزنه كيلوجراما واحدًا، إلى صواريخ غراد التي يصل مداها إلى 75 كيلومترا إلى صواريخ “بدر 3” وغيرها والتي تجاوز مداها 200 كيلومتر وتحمل رؤوساً يزيد وزنها عن 175 كيلوجراما، كل هذا خلق معادلة ردع جديدة تماماً واستطاعت شلّ القبة الحديدية وإعلان فشلها.

إنَّ المقاومة الفلسطينية وبمساعدة إيرانية -مادية ولوجستية وخبرات عسكرية- حسب تصريحات قادة حماس والجهاد استطاعت الدخول وبمهارة عالية في مجال تصنيع الصواريخ، بحيث لم يعودوا بحاجة إلى تهريب السلاح عن طريق حزب الله أو من خلال سوريا أو من معابر أخرى، فإذا أغلقت كل الأبواب بسبب الصهاينة وأنظمة التطبيع، فإنَّ الصناعة المحلية كفيلة بتغطية الاحتياج، وهو ما يشكل تطوراً ضخماً وقفزة نوعية في مقاومة الاحتلال.

تمَّ تحطيم ما حاول الكيان الغاصب فعله من تشتيت الفلسطينيين وتقسيمهم بين أراضي 1948 وبين الضفة وبين القدس وبين غزة، ليكسر وحدتهم ويفرق بينهم، المقاومة الأخيرة أثبتت أن كل هذه السياسات باءت بالفشل، فقام فلسطينيو الداخل وكادوا أن يغرقوا اليهود في وحل حرب أهلية، وقام أبطال الضفة يساندون إخوانهم أبطال غزة، ولم يكتف أهل القدس بدور المتفرج، فكانت لهم صولاتهم، وصدم هذا التلاحم والترابط الكيان الغاصب، ففلسطين كلها منتفضة ومشتعلة تعزف في سيمفونية واحدة، وأوركسترا متجانسة.

أعادت المقاومة شعور العزة والإباء للشعوب المسلمة، فبعد سنوات من القحط في هذه المشاعر، وسنوات من الإعلام المثبط والمتخاذل، وسنوات مع حكومات تطبع، وأخرى تدعو للتطبيع، وثالثة تصدر بيانات تؤيد التطبيع، وسط هذا الجو الخانق الذي يقهر في الأمة عزيمتها، ويصيب مقتلاً في كرامتها، إذا بما حدث في فلسطين يجدد دماء الأمة، ويعيد لها روحها، فتتفاعل الشعوب مع فلسطين، وتضج كل وسائل التواصل تأييدا لفلسطين وشجباً وتنديداً بالصهاينه، وتخرج المسيرات والمظاهرات والوقفات الاحتجاجية، وتكتب مئات المقالات القصائد، وتخرج عشرات الكليبات من أفلام وأناشيد ورسائل، ما كان هذا ليحصل إلا بهذه المقاومة، وبتلك التضحيات.

أخيرا.. يقول رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيجدور ليبرمان في مقال نشرته صحيفة معاريف العبرية: “إذا كان هذا هو وضعنا في مواجهة حماس، فما هو موقفنا في مُواجهة حزب الله وإيران”؟ ونرد عليه: وهل تتوقعون أنكم ستواجهون حزب الله؟ إنَّ مقبرتكم جاهزة على أيدي المقاومة الفلسطينية، فلا تحلموا كثيرا بأنكم باقون، أنتم أصبحتم موتى منذ بدأ حمقكم يقول لكم أن تتحرشوا بالأقصى، وها أنتم كأجدادكم من بني النضير خربتم بيوتكم بأيديكم.

لقد لاحت تباشير النصر الكبير.. نعم نحن قريبون جداً من النصر المبين، وسندخل القدس بعد أن ندكّ حصونكم كما فعلنا يوم خيبر، وسيعرف مرحبكم أن لدينا كرارنا الذي سيُصلي بنا في الأقصى.


“نحن نقترب من هذا الاستحقاق الإلهي التاريخي المدوي”.. السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله.