مما لا شك فيه أنَّ الحرب الدائرة على غزة لها العديد من التداعيات والأضرار الاقتصادية ليست فقط على المدينة المقاومة، ولكن على الدولة الصهيونية أيضاً التي لم تتوقع في يوم من الأيام أن المقاومين في غزة لهم القدرة على إيصال صواريخهم إلى تل أبيب، بل إلى جميع المدن والمستوطنات التي أوجدها الكيان الصهيوني خلال أكثر من 70 عامًا بالتواطؤ مع القوى الكبري في أمريكا وأوروبا، ليأتي المطبعون حالياً وكلهم أمل في بناء مشاريع اقتصادية جديدة في هذا الكيان.
هذه الحرب تُبخِّر وتُشتِّت اليوم جميع تلك الأحلام الوردية التي رسموها للمستوطنين وللدول المطبعة، في الوقت الذي تزداد فيه قيمة الفاتورة لهذه الحرب على الكيان الصهيوني. وهذا ما أدى بشركات التصنيف الدولية وخلال أسبوع واحد لتقديم تحذيراتها بضرورة خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل من “A موجب” إلى “تقييم سلبي”. فقد حذرت وكالة فتيش المتخصصة في الجدارة الائتمانية من أنَّ الحرب سوف تُؤثر سلباً على التصنيف السيادي للكيان الصهيوني وينعكس ذلك على صورتها لدى المؤسسات المالية الدولية، الأمر الذي سيؤدي إلى عدم القدرة على ضبط المالية وسداد الديون عليها بسبب المخاطر السياسية والأمنية ذات التأثير الخطير طويل الأمد وعلى الاقتصاد الإسرائيلي.
التوقعات تشير إلى أنَّ هذه الحرب الجديدة تستمر بطرقها وأدواتها وأساليبها التي لا يتمنى الصهاينة استمرارها، بينما يزداد الحال أكثر سوءا في إسرائيل نتيجة لاستمرارالتوترات العسكرية والسياسية والأمنية نتيجة لاتحاد الفلسطينيين حول قضيتهم المصيرية.
هذا لا يعني بأن الغزاويين لا يتأثرون اقتصادياً من هذه الحرب التي تعتبر الأولى من نوعها التي يستخدم فيها الفلسطينون صوايخ بعيدة المدى، ولكن هم يعرفون ويستوعبون جيداً أنهم يقاتلون أمام عدو لا يعرف إلا القوة، ولا يُمكن أن يُردع إلا بالعين الحارة.
الكل يتفق على أنَّ التصعيد العسكري في أي مكان له خسائر بشرية ومادية واقتصادية، فهذه الحرب تستخدم فيها الصواريخ، وفي مقابلها هناك طائرات تقصف المدنيين وصواريخ ترد بها القبة الحديدية لكنها فشلت في التصدي لذلك، وهذه القبة ذات تكلفة مالية كبيرة وبسببها يسجل الكيان الصهيوني فاتورة مالية كبيرة يومياً. فلا يمكن اليوم تقييم تلك الخسائر الاقتصادية ولكن هناك أضرار كبيرة مباشرة لحقت بالمصانع والشركات والمؤسسات الخدمية الصهيونية من جراء ذلك، ناهيك عن الأضرار التي لحقت بالمنازل والمنشآت والبني التحتية في كل من غزة المقاومة وإسرائيل المعربدة.
كما إن اتحاد الفلسطينيين في الضفة الغربية وجميع المدن المحتلة مع إخوانهم في غزة يؤدي إلى تدهور الأعمال اليومية للمؤسسات والشركات الصهيونية بسبب غياب العمال العرب عن العمل، الأمر الذي يزيد من قيمة الخسائر الاقتصادية على الكيان والمؤسسات الإسرائيلية. هذه الحرب ألحقت أضرارًا بالمنشآت الكبيرة في الكيان؛ مثل حقل تمار للغاز الطبيعي في البحر المتوسط الذي ينتج 11 مليار قدم مكعبة سنوياً، في الوقت الذي تساهم في هذه المؤسسة إحدى الشركات الأمريكية بواقع 25% من قيمة هذا الحقل. كما إن القطاع السياحي الإسرائيلي هو الآخر لحق به الكثير من الأضرار المالية والاقتصادية؛ نتيجة لإلغاء آلاف الرحلات الجوية القادمة والمغادرة من مطار بن جوريون الذي استقبل خلال الأشهر الماضية عدة شركات طيران عربية قادمة من الدول المطعبة مع هذا الكيان. وهذا ما أدى بسلطات الكيان لتحويل بعض الرحلات إلى مطار رامون احتياطيًا، والذي هو الآخر متوقع بأن يُصاب بأضرار في حال استمرار المقاومة في دك المستوطنات برشقات من الصواريخ محلية الصنع وببهارات إيرانية.
خسائر الحرب كبيرة على الطرفين، ولكن الخاسر الأكبر منها هو الكيان الصهيوني الذي يتلقى هذه الصواريخ منذ بداية الحرب وحتى اليوم تجاوباً مما يقوم به الكيان من هجمات على العزل في منازلهم ومقارهم الحكومية والخاصة بجانب تدمير الوحدات السكنية للمدنيين، والأبراج الإعلامية والصحفية وغيرها.
قيمة الأضرار الاقتصادية مرشحة للتصاعد، وهذا ما يخشاه الكيان بأن يؤدي ذلك إلى تخفيض التصنيف الائتماني للمؤسسات الإسرائيلية العاملة في مختلف القطاعات الاقتصادية، ويتسبب في توقف السياحة عن هذه الدولة المحتلة لفلسطين منذ أكثر من 73 عامًا. فالإدارة الصهيونية لا تستطيع الآن تقدير تلك الأضرار التي تلحق يومياً بمؤسساتها التجارية والصناعية والخدمية واللوجستية لأول مرة في تاريخها الدموي ضد الشعب الفلسطيني الذي بدأ يلقّن اليوم درساً للغزاة. كما أن الأضرار المادية والاقتصادية لهذه الجولة الحربية تختلف عن الجولات السابقة التي لحقت بالكيان الصهيوني، وأنها اليوم أعلى بكثير من الحروب الفائتة، وسوف تزداد خسارة كبيرة خلال الفترة المقبلة، الأمر الذي سيؤدي إلى إلغاء التعاقدات مع مؤسسات الكيان في عدد من القطاعات الاقتصادية، بجانب إلحاق الأضرار بنتائج الشركات المدرجة في السوق المالي، وبسمعة إلغاء المعاملات معها. وهذا ما يخشاه الكيان أن يتحقق من هذه الحرب التي في ظاهرها خراب للإخوة الفلسطنيين وفي باطنها رحمة لهم ولأبناء المنطقة.