“من أين لك هذا” عبارة تتكرر اليوم في الصحافة والإعلام الخليجي، فيما أصبحت بعض الإذاعات الخاصة تلعب دوراً كبيراً في تقديم المعلومات عن مختلف القضايا والشؤون التي تهم هذا الجانب، بسبب الفساد الذي تعلمه البعض وغرق به من أجل الحصول أو الاستيلاء على الأموال والعقارات العامة، الأمر الذي خلّف تأثيرات عديدة على شؤون الحياة الاقتصادية والاجتماعية للجيل الحالي. معظم هذه القضايا أصبحت اليوم لا تغيب عن بال الكثير من المواطنين سواء هنا أو في المنطقة الخليجية والعربية.
ويرى الكثير من الناس أنَّ الحديث عن هذه القضايا أمر إيجابي تقوم به الوسائل الإعلامية، وخاصة تلك التي تدار من قبل بعض المؤسسات الخاصة، الأمر الذي سيعمل على دعم التوجهات الحكومية في عملية الإصلاح ومحاربة الفساد الذي يمكن أن يستشري بين الناس في غياب الرقابة والشفافية.
قبل عدة أيام استمعت إلى جزء من الحوار الذي أجرته إذاعة الشبيبة مع سعادة د. محمد بن إبراهيم الزدجالي رئيس اللجنة التشريعية والقانونية بمجلس الشورى، رئيس جمعية المحامين العمانية حول موضوع فساد الموظف الحكومي وآثاره السيئة على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، خاصة على عملية جذب الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد. وأرى أن نتريث بالحديث عن الموظف العام، والتطرق إلى الجزئية التي أثارها المسؤول حول فساد بعض الموظفين والعاملين وأصحاب المؤسسات في القطاع الخاص، خاصة من قبل أفراد إحدى الجاليات الأجنبية دون أن يشير إلى جنسيتها، فيما هي معروفة لدى الكثير من المُواطنين بسبب الممارسات والأساليب القذرة التي تستخدمها لتسهيل مهام أعمالهم بصورة شرعية من خلال الإغراءات والرشاوى التي يقدمونها لبعض موظفي المؤسسات الحكومية من أجل الحصول على الموافقات اللازمة للبدء في مشاريعهم التجارية التي تُدار بأساليب التجارة المستترة التي نخرت عظم الاقتصاد العماني خلال العقود الماضية.
فهذه التجارة قضت على أعمال الكثير من المواطنين الشباب الطموح الذين توجهوا بفتح مؤسساتهم الصغيرة لممارسة تجارة البيع والشراء لبعض السلع والمنتجات التي يتحكم في استيرادها أصحاب هذه الجالية الآسيوية التي كنَّا نأمل أن يذكرها المسؤول نطقاً وليس إشارة فقط. فهؤلاء كلهم من جنسية واحدة ويتعلم الواحد منهم من الشخص الآخر من خلال الاستشارات التي يقدمونها في كيفية تقديم الإغراءات للحصول على مبتغاهم. ويتم ذلك من خلال اللقاءات الخاصة ببعض الموظفين الكبار والصغار في القطاع العام الذين باعوا ضمائرهم مُقابل تلك الإغراءات والرشاوى للحصول على الأموال العامة أو بعض الأصول. وهذا ما يدفع الكثير من العمانيين اليوم لترك التجارة والتوجه لفتح أشكاك على الشوارع لبيع المشاوي باعتبار أنَّ هذه الأعمال غير مرخصة للوافدين.
ويرى الزدجالي أنَّ هذه الجالية أصبحت اليوم هي المهيمنة والمسيطرة على تشغيل المؤسسات الكبيرة في البلاد من خلال السجلات التجارية التي تعود إلى بعض التجار العمانيين الكبار، والذين همهم الحصول على المبلغ “الصافي” نهاية كل شهر مع توقيع واعتماد جميع المُعاملات والتسهيلات لأصحاب هذه الجالية دون توجيه أية تساؤلات إليهم عن تلك الأعمال. وكيفية تضخيمهم للثروة التي يمتلكونها في ظرف بعض السنوات وبهذه السرعة.
اليوم هذه الجالية هي المُتحكمة في مفاصل التجارة من حيث الواردات والصادرات والهيمنة على الوكالات التجارية بأسماء وسجلات تجارية تعود لبعض المواطنين دون أن يكون هؤلاء على علم بما يجري في عالم التجارة. فقطاع المقاولات والمواد الغذائية وإدارة المستشفيات والقطاع الصحي والأدوية وغيرها من المؤسسات الكبيرة مثل قطاع السيارات والساعات وغيرها تُدار من قبلهم، كما أشار إليها عضو مجلس الشورى، ناهيك عن مؤسسات عديدة صغيرة يقومون بتأسيسها تحت أسماء العمانيين، بينما هم أصحابها الفعليون، ويتم بعد ذلك تشغيلها من قبل العمالة الوافدة التي يقومون باحضارها إلى البلاد، الأمر الذي يُساعدهم في تسويق المنتجات والسلع المستوردة بطرق غير تنافسية لا يستطيع الشاب والتاجر العماني الفعلي مجاراتهم فيها، وبالتالي يستسلم بعدما يفقد رأس ماله في المشروع الذي أقامه ليخدم نفسه وأسرته، ويعزز من تقدير وطنه الذي يناديه بالتوجه نحو العمل الحُر.
إنَّ تاريخ هؤلاء الأشخاص من أفراد الجالية المشار إليها معروف، فمعظم هؤلاء الأشخاص- تجار اليوم- قدموا إلى السلطنة للعمل كعمال أو موظفين في بعض المؤسسات الخاصة والحكومية والقطاع المصرفي والمالي والتأمين وغيرها على أساس رواتب شهرية، ولكنهم في ظرف سنين معينة عملوا على بناء إمبراطورياتهم من خلال ممارسة أساليب الفساد والأمور غير الشرعية التي أدت بهم إلى أن يتحكموا في مفاصل التجارة في عُمان، وإقصاء كل من يحاول الوقوف أمامهم من الجنسيات الأخرى، مع ممارستهم للطرق البذيئة في إبعاد العمانيين عن الأعمال التجارية الكبيرة، وتفعيل لغتهم الأجنبية في إدارة المؤسسات الخاصة والحكومية أيضًا، بحيث أصبحنا نرى مؤسسات تعليمية وكليات حكومية توفر الأعمال لأصحاب هذه الجالية وإبعاد العمانيين المتعلمين عنها. هؤلاء كانوا يوما يتاجرون تحت عنوان “كل شيء بريال”. وفي ظرف سنوات قليلة أصبحوا أرباباً يتحكمون في مفاصل الاقتصاد العماني.
اليوم تفتح هذه الملفات من قبل المسؤولين بصورة علنية، الأمر الذي سيُؤدي إلى اتخاذ الإجراءات القانونية ضد كل من يحاول القفز على القوانين والإجراءات، وخاصة من قبل أفراد هذه الجالية التي سوف تقوم بتبني أساليب جديدة لمقاومة أي أمر يؤدي إلى ضرب مصالحها المختلفة. فهولاء يعتقدون بأننا من زلنا نعيش في زمن “كل شيء بريال” الذي من خلاله أصبح هؤلاء الأشخاص يمتلكون أكبر المراكز التجارية والمجمعات الاستهلاكية لتصبح أسماؤهم بارزة بقوة في عدة مشاريع ومؤسسات أخرى في المجالات الاقتصادية والمشاريع الصناعية والخدمية وغيرها والتي تدّر عليهم سنوياً ملايين الريالات والتي يتم تحويلها لاحقاً على شكل تحويلات مالية شرعية وغير شرعية إلى أرقام حساباتهم في الخارج دون أية ضرائب. هذا الموضوع يحتاج إلى تقديم مزيد من الوعي للموظفين في المؤسسات الحكومية والعامة بألا يتركوا المجال لهم، وألا يقعوا في الإغراءات للحصول على أموال حرام من خلال القفز على القوانين والأنظمة.