Image Not Found

جريمة الشيكات المرتجعة في المرتبة الأولى

حيدر بن عبدالرضا اللواتي – الرؤية
[email protected]

من الطبيعي أن ترتفع وتيرة القضايا الاقتصادية المثارة في هذه الآونة نتيجة لاستمرار الجائحة “كوفيد 19” منذ أكثر من عام، وزيادة تأثيراتها السلبية على العاملين في مختلف القطاعات؛ الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع عدد المعسرين وزيادة قضايا المديونيات عليهم. وهذه النتيجة تؤدي لعدم قدرة البعض تجاه تلبية الالتزمات المالية الشهرية عليهم للآخرين؛ وبالتالي حدوث زيادة في أعداد الشيكات المرتجعة بأسمائهم وتراكمها على أصحابها؛ بحيث لا يتمكنون من الالتزام ماليًّا بموعد دفع هذه الاستحقاقات في موعدها المحدد.

سَعَادة نصر بن خميس الصواعي المدعي العام للسلطنة، تناول في حديثه -قبل أيام- العديد من القضايا التي تتعلق بجرائم الأموال…وغيرها، في المؤتمر الصحفي السنوي للادعاء العام، مستعرضًا أبرز المؤشرات الإحصائية السنوية لإجمالي تلك القضايا، والتصرُّفات القضائية التي نتجت عنها، إضافة إلى أعداد المتهمين والأحكام الصادرة، بجانب الحديث عن الخطة المستقبلية، وكيفية التصرف فيها لمواجهة التحديات المقبلة. إذ شهد العام 2020 العديد من الجرائم من ضمنها قضايا الشيكات المصرفية من دون رصيد؛ حيث تصدَّرت قائمة الجرائم في السلطنة بين الجرائم العشر الأولى، والبالغ عددها 4947 قضية، مُشكِّلة ما نسبته 20.7% من مجموع الجرائم التي شهدها المجتمع العماني خلال نفس العام. وهذا العدد الكبير من الشيكات المرتجعة يدل على الضعف الذي يعاني منه الأفراد والمؤسسات منذ بدء الجائحة، سواء من حيث تراجع أعمال المؤسسات أو نتيجة للاغلاقات… وغيرها من الأمور الأخرى. وهذا لا يعني أن جريمة الشيك المرتجع كانت غائبة عن المجتمع العماني، وإنما تزايد عددها بسبب الظروف الاقتصادية التي يمرُّ بها المجتمع حالياً. فهناك مئات بل آلاف الشيكات الصادرة في مجال شراء السيارات والعقارات والكماليات الأخرى، بجانب الشيكات الصادرة في مجال الإيجارات وشراء الأثاث المنزلي والخدمات ومصاريف تدريس الطلاب في المدارس الخاصة والتأمين… وغيرها من الخدمات الأخرى.

وتأتي محافظة مسقط في الكثير من الأحيان في المرتبة الأولى ضمن المحافظات العمانية التي تصدر عن أصحابها الشيكات نتيجة للكثافة السكانية في هذه المحافظة. ويتوقَّع البعض أنَّ أعدادها سوف ترتفع نتيجة للأوضاع المستمرة لـ”كوفيد 19″، خاصة من قبل أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تلحق بهم المزيد من الخسائر في ظل الأزمة الصحية المستمرة في العالم.

سعادة المدعي العام ألمح في حديثه إلى أنَّ هناك وقفًا وتعطيلًا لبعض الإجراءات القانونية في عدد من القضايا؛ من خلال إصدار تعميم داخلي بعد التشاور بأنْ لا يتم اتخاذ أي إجراء ضد أي شخص يثبُت أنه فقد وظيفته، والدخول في تفاهمات واتفاقات مع جهات التمويل (البنوك) ليتم إعفاء هذه الفئة من أصل الدين، والاكتفاء بالفائدة لحين زوال حالة الإعسار. والتساؤل المطروح هو: كيف يمكن لمثل هذا الشخص (صاحب المؤسسة الصغيرة) على سبيل المثال، أن يقوم بتغطية مبالغ الشيكات المرتجعة التي قدمها للأطراف الأخرى، في الوقت الذي يتوقع فيه البعض أن تستمر هذه الأزمة، وأنْ تتراجع دخول بعض الأشخاص بسبب تسريحهم من الأعمال؛ سواء من المواطنين أو الوافدين؟ فهناك العديد من الوافدين مِمَّن أصدروا الشيكات للمؤسسات تجاه إيجارات الشقق والفلل وعمليات الشراء للسيارات والكماليات الأخرى، في الوقت الذي أصبح فيه الكثير منهم يحمل جواز سفره في جيبه وفق الإجراءات الجديدة التي تكفُل حريات الناس، وعدم احتفاظ الكفيل بجوازات سفر العمَّال لديه؛ الأمر الذي يُمكنهم من مغادرة البلاد في أي وقت دون إشعار الكفيل بالرحيل؛ الأمر الذي سوف يؤدي لتفاقم هذه القضايا.

قضية الشيكات المرتجعة ليست وليدة اليوم، لكنها تتفاقم عاماً بعد عام؛ حيث تشير بيانات شرطة عمان السلطانية إلى حصول زيادة في عدد حالات الشيكات المرتجعة منذ العام 2017 الذي شهد تسجيل 2963 قضية شيك مرتجع، لترتفع في العام التالي 2018 إلى 3054 حالة بزيادة قدرها 3%، واستمرت الحال حتى يومنا هذا. ومن خلال ملفات الشرطة، يتَّضح أيضاً أن بعض الذين صدرت عنهم الشيكات سواءً من المواطنين أو المقيمين إنما كانت لغرض استخدام هذه الوسيلة عادة لإجراء عمليات شراء عشوائي لبعض السلع والمنتجات والكميالات، أو لشراء أغراض غير ضرورية لا يحتاجون إليها في واقع الحياة؛ الأمر الذي يتطلب من المؤسسات التي تحصل على هذه الشيكات التأكد من الشخصيات قبل إعطاء الثقة في استلام شيكاتهم، مع ضرورة إيجاد شخص ضامن لهم في حالة رجوع الشيكات من المؤسسات المصرفية التي تحرص دوماً هي الأخرى على عدم تسليم دفاتر الشيكات للذين لهم سوابق في عدم الالتزام تجاه هذه الورقة المالية. ومن هذا المنطلق، فإنَّه من الضروري للمؤسسات التجارية والأشخاص -خاصة وكلاء السيارات والمؤسسسات العقارية- التأكد من أنَّ الشيكات التي تسلموها من المشترين على قدر من الثقة والملاءة المالية، ولديهم الرصيد الكافي للالتزام بالمستحقات التي عليهم. وأن معظم الشيكات المرتجعة في السنوات الماضية وحتى اليوم تُعزى إلى عدم كفاية الرصيد وفق بيانات البنك المركزي العماني؛ بحيث تصل النسبة إلى أكثر من 70%، تليها الحسابات التي يتم إغلاقها أو الحسابات التي تمَّ “حظرها بموجب القانون”، وأخيرا نتيجة للأخطاء في الترميز المصرفي أو في كتابة البيانات الخاطئة.

لا شك أنَّ الجهات المعنية مستمرة في رفع مستوى الفهم والإدراك بهذه القضايا المالية؛ من حيث المعرفة القانونية والتزامات الأفراد تجاهها؛ سواء من خلال وسائل الإعلام التقليدية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الإلكترونية، كما يتم ذلك أيضا عبر تنظيم الندوات وحلقات العمل التي تهم الشيكات المرتجعة وقضايا غسل الأموال، أو اختلاس الأموال العامة وقضايا التزوير والسرقات والابتزاز الإلكتروني… وغيرها من القضايا الأخرى المرتبطة بالأموال.