رغم المساوئ الناجمة عن استمرار جائحة “كوفيد 19” على الحياة الاجتماعية للبشر، وعلى أوضاعهم التجارية والمعيشية اليومية، إلا أن هذه الأزمة خلقت لدى الكثير من الناس شعوراً ووعياً بالحفاظ على كل ما له قيمة مادية ومعنوية في هذه الظروف، ودفعت بالبعض النظر لأهمية الادخار وعدم التفريط فيما لدى الشخص من أموال وعقار، وكل ما يمكن أن يستنفع به أو أفراد أسرته خلال الفترة المقبلة.
فالجائحة تأخُذ كل مرة وجوهًا جديدة في الانتشار، وتدفع بالحكومات إلى اتخاذ إجراءات صحية جديدة بجانب قرارات إغلاق الأنشطة التجارية، وتقليل مظاهر الأعمال والحركة لساعات عديدة؛ الأمر الذي يؤدي أحيانا إلى إغلاق المؤسسات والشركات العاملة، والتوقف عن حركة البيع والشراء، مما يدفع العمالة الوافدة إلى الرحيل، ناهيك عن تراجع مداخليهم المالية اليومية لأصحاب الأعمال.
هذه القضايا دفعتْ ببعض الأخوة العمانيين وغيرهم من الجنسيات الأخرى، إلى التحدّث في وسائل التواصل الاجتماعي عن ضرورة مراعاة الأمور المالية للحياة والاحتفاظ بالقرش الأبيض لليوم الأسود، والتوجه نحو الادخار والابتعاد عن التبذير والاستهلاك غير الضروري.
فالأوضاع الحالية أدت لتسريح البعض من أعمالهم اليومية، وأدت بالآخرين للتقاعد من الأعمال، وفئة أخرى تعاني من الديون المتراكمة عليهم لصالح المؤسسات المصرفية والمالية، وآخرون تراجعت مداخيلهم الشهرية بسبب إفلاس المؤسسات والشركات، في الوقت الذي يتهيَّأ فيه الكل بدفع مزيد من الأموال للحكومة خلال الفترة المقبلة نتيجة نوعية الضرائب التي سوف تُفرَض على بعض السلع والمنتجات والخدمات التي لا غنى عن استهلاكها؛ ومنها: ضريبة القيمة المضافة، التي يتحدث عنها الكثير هذه الأيام.
فكيف يُمكن لأصحاب ذوي الدخل المحدود الذين تتراوح روابتهم ما بين 400 ريال وأقل، تحمُّل أية زيادة في الأسعار؟!! وكيف نُقنع هؤلاء الأشخاص بالتوجه نحو الادخار في هذه الظروف؟!! فهولاء من الصعب عليهم التفكير في أمر الادخار؛ لأنَّ مصاريفهم الشهرية تزيد على مداخليهم، ولكن يمكن أن نتحدث عن أهمية الادخار للأشخاص المقتدرين التي يتقاضون 1000 ريال أو أكثر شهريًّا. فعلى هذه الفئة التفكير بادخار بنسبة 20% أو أقل أو أكثر كل شهر من مداخليهم، عبر الإيداع أو الادخار في القنوات المتاحة لهم؛ سواء في المصارف أو الجمعيات أو غيرها من المؤسسات الأخرى، أسوة بما نراه لدى الكثير من الشعوب خارج الوطن العربي. وهذا لا يعني أن جميع الذين يتقاضون ما بين 400 ريال أو أقل من ذلك لا يستطيعون الادخار؛ فهذه المسألة تحتاج إلى قيام الشخص بالتنظيم المالي في حياته اليومية وفي جميع أوقات الرخاء. فعلى الفرد أن يقتني ما هو ضروري له في الحياة، وعدم صَرْف كل ما يحصل عليه من الغث والسمين. فأيَّة مُحاولة لجمع المال بأسلوب عقلاني تعني نجاح الشخص في تنظيم أمور عدة في حياته مستقبلا. وهنا، أعني التوجه في الحصول على الضروريات للحياة وليس تحقيق كل الرغبات، خاصة في مثل هذه الظروف الحالية الصعبة في الجائحة؛ الأمر الذي يتطلب إعادة سلوك الشراء لدى الأشخاص وتنظيم الحياة المالية للأسرة، والابتعاد عن كل ما يضر حياتنا ومستقبل أبنائنا عملاً بقوله تعالى: “ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملومًا محسورًا” – صدق الله العلي العظيم.
فما نحتاج إليه من الأساسيات يجب مراعاته، وما لا نحتاج إليه من الكماليات يجب تجنبه والاستغناء عنه بقدر الإمكان، في الوقت الذي علينا السعي فيه نحو الادخار في بعض ما لدينا من مال لنستنفع به في حياتنا المقبلة، وأن لا نترك أولادنا يكونون عالة على الآخرين بعد رحيلنا عن هذه الدنيا الفانية. فعالم التجارة اليوم مليء بأساليب التسويق والإغراءات والترغيب. وهنا يتطلب من المرء التحكم في نفسه عند التوجه للشراء؛ بحيث لا يضيع ماله في شراء منتجات وسلع لا يحتاج إليها في حياته اليومية، خاصة وأنَّ الفترة المقبلة سوف تشهد تضخماً في الأسعار مع تطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% على الكثير من المنتجات الكمالية.
حياة اليوم تحتاج وضعَ برنامج وميزانية للاحتياجات والأولويات التي تحتاج إليها الأسرة والأفراد في المنزل؛ سواء من المواد الغذائية أو المنتجات والخدمات الأخرى من المأكل والمشرب والتعليم والصحة… وغيرها من الخدمات الضروية الأخرى بجانب بعض الترفيه؛ الأمر الذي يُوجِب على الفرد ضرورة توعية الشخص الآخر من أفراد أسرته بثقافة الاستهلاك؛ ليتمكن من الترشيد في الإنفاق والتقليل من الاستهلاك، ودفعه في نفس الوقت نحو الادخار. وهذا ما تقوم به الكثير من الأمم والشعوب في الدول المتقدمة التي نجحت في تثقيف شعوبها وتوعيتهم بأساليب الادخار، بل تمكنت من تكوين صناديق خاصة من أموالهم لمساعدة المؤسسات والشركات على توفير مزيد من فرص الاستثمار والعمل لأبنائها في مختلف الحقول.