Image Not Found

اعلموا أني فاطمة (18 و 19)

Visits: 549

صادق حسن اللواتي

طاعتنا نظاما للملة (5)

إن تحديد المفاهيم وتعريفها والتعاقد مع معانيها ودلالاتها هو الأساس الذي تبنى عليه الحجج والبراهين التي تدعم الآراء والأفكارالتي نطرحها حول السيدة فاطمة خاصة والمرأة عامة ووجدنا أن الثقافة التي يتم ترويجها عن المرأة هي ثقافة فتوائية وهي أن تكون المرأة جليسة البيت أيا كانت هذه المرأة إبنة النبي أو إبنة عامل

فإذا أرادت المرأة ان تتحرك لتنمي مداركها المعرفية والعقلية عليها أن تتحرك ضمن عقل فتوائي لهذا أقصيت السيدة فاطمة عمدا عن كتب التاريخ ، لأن لا أثر للفتوى في كتب التاريخ فماذا يوجد فيها إذن ؟ الأركان التي بني عليها الإسلام وهي القيم الإنسانية

أنت أسمع الوسائط الإعلامية عندما تتحدث عن السيدة فاطمة تقول أنها المرأة المثالية والقدوة الصالحة لكل امرأة تبحث عن السعادة في الحياة وهذه التعابيرهي تعابير عن القيم الإنسانية التي تحملها السيدة فاطمة أليس كذلك ، هل يوجد أثر للفتوى هنا ؟ لا يوجد

ولكن الصورة التي نعيشها عن السيدة فاطمة هل هي صورة لرمز مثالي أم صورة لرمز ميتافيزيقي ؟ رمز ميتافيزيقي ، لهذا تجد أن علاقة السيدة فاطمة في التراث الروائي يكثر فيه إرتباطها بالسماء أكثر من إرتباطها بالأرض.

وهذا التراث قدم لنا ثقافتين الأولى ثقافة تزوير الحقائق التاريخية والثانية ثقافة إلغاء هوية المرأة ، أنا لن اقف عند جزئية ثقافة تزوير الحقائق التاريخية وقد سبق الإشارة عنها ولو حاولنا تحديد الوضع الإجرائي لمفهوم الهيمنة على سلطة النص نجد العنصرالذي يرتكزعليه هو الإكراه وهو فرض ثقافة معينة على ثقافة أخرى إما بشكل علني أو خفي ،

ركزوا معي رجاء سأوضح المعنى إذا سألت أي شخص مسلم شيعي تحديدا ماذا تعرف عن السيدة فاطمة بماذا سيجيب ؟ إمرأة ظُلمت وغُصب حقها ، في هذه الحالة أنت تحمل الصورة الشعائرية عن السيدة فاطمة وليس الصورة المثالية للمرأة الصالحة التي يجب أن يقتدى بها لماذا ؟

لأن تفكيرك متجه نحو البناء أو نحو الخلاص من الذنوب ؟ نحو الخلاص من الذنوب لهذا قام المتخيل الروائي وقدم لك على طبق من ذهب مشهد الشفاعة للسيدة فاطمة يوم القيامة ، أنها أول من تدخل الجنة ولكنها لن تدخل حتى تلتقط شيعتها من أرض المحشروتدخلهم إلى الجنة

سؤال : الشفاعة تكون عادة قبل صدور الحكم أو بعد صدورالحكم ؟ بعد صدور الحكم فإذا قيل لك أن السيدة فاطمة لن تلتقطك في يوم القيامة ماذا ستفعل ؟ ستبتعد عن البيئة المتدينة التي عشت فيها طوال حياتك ، لماذا ؟

لأن بيئة التدين الشعائرية التي عشتها هي بيئة منافقة فيها الكذب والغش والخداع بينما جوهرأركان الإسلام لايغش فهو لا يمنح أتباعه اليقين بالمسلمات في يوم القيامة ، فقد جاء في كتاب (فضائل أهل البيت – محمد النصاري – ص 48) (يابني عبدالمطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يافاطمة إنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئا)

وهذا يتطابق مع الآية 188 من سورة الأعراف (قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا) ونحن نعرف أن القرآن هو الكمال المطلق لا يتجزأ وأنه يطابق الواقع ، أما ما تقدمه أنت هل يطابق الواقع أو لا يطابق ؟ لا يطابق الواقع العقائدي ، والتاريخ ينفي أن تكون السيدة فاطمة ممن يمنح هذا اليقين لجزء من أتباع الملة المحمدية وهذا ما سأبينه لكم

في سياق المسؤولية الملاقاة على عاتق علماء أمة محمد (ص) كالسيدة فاطمة هي أن يتحدثوا إلى الناس عن واقع نظام الإسلام الذي عبرعنه القرآن (إن الدين عند الله الإسلام) وأنه قائم على القيم الإنسانية ، ويعبروا عن واقع ملتهم بعقل منفتح نحو معتقد واحد وهدف واحد ومسؤولية واحدة اتجاه حماية الملة وتحصين الأمة بالقيم الإنسانية

والسيدة فاطمة وضحت وظيفة النبي الخاتم (ص) (وهداهم إلى الدين القويم) أي إلى القيم الإنسانية وهي أركان الإسلام (ودعاهم إلى الطريق المستقيم ) أي إلى أركان الإيمان ، حيث قالت (فجعل الله الإيمان تطهيرا لكم من الشرك والصلاة تنزيها لكم من الكبر والزكاة تزكية للنفس والصيام تثبيتا للخلاص والحج تشييدا للدين)

إذن السيدة فاطمة وهي أول إمرأة في التاريخ تفرق بين أركان الإسلام وأركان الإيمان . الإيمان بني على ( الشهادتين ، الصلاة ، الصوم ، الزكاة ، الحج) أما أركان الإسلام فهو بني على القيم الإنسانية الأخلاقية منذ آدم إلى النبي الخاتم (ص) مثل صلة الرحم ، الوفاء بالعهود والمواثيق ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها ، فوظيفة الأنبياء والمعصومين هو إيجاد شعب يحمل القيم الإنسانية لا شعب متدين بالشعائر.

هذه الصفات العالية للسيدة فاطمة والتي اتصفت بصفات الروح والنفس والمسؤولية تستيطع أن تأخذ تراثها رافدا للمعارف والعلوم ، ولكن ماذا فعلوا بهذه الصفات استبدلوا مكانها إنفعالات سلبية من أجل استحداث النمط الداخلي للمعتقد الديني لتأسيس الهوية المتخيلة التي يعول عليها في تعليق الأدوار في بناء سيرة شخصية السيدة فاطمة

الآن أنت تعيش مع السيدة فاطمة كعالمة من علماء أمة محمد(ص) والتي تحمل الصفات السامية أومع الهوية الدينية الجديدة للسيدة فاطمة بعيدا عن تراثها ، أي منهما ؟ مع الهوية الدينية الجديدة للسيدة فاطمة بعيدا عن تراثها ، بالنتيجة ألغيت هويتها الحقيقية أو لم تلغى ؟

نكمل بحثنا في الحلقة (19) والأخيرة إن شاء الله تعالى….. إلى اللقاء.

طاعتنا نظاما للملة (6)

جاء في كتاب (وفاة فاطمة الزهراء ــ الشيخ علي البلادي البحراني ص 126) عن أم سلمة أن آخرما نطقت به السيدة فاطمة قبل وفاتها :

(اللهم إني أسألك بمحمد المصطفى وشوقه علي ، وبعلي المرتضى وحزنه علي ، وبالحسن المجتبى وبكائه علي ، وبالحسين الشهيد وكآبته علي وبالبنات الفاطميات وتحسرهن علي ، أن ترحم وتغفرللعصاة من أمة محمد وتدخلهم الجنة إنك أكرم المسؤولين وأرحم الراحمين).

هذه حقيقة السيدة فاطمة في التاريخ التي رأت ضرورة تأسيس منبر لتفعيل الدعاء ، والهدف من هذا التأسيس هوالوصول إلى حماية الملة المحمدية وكشف الموضوعات الكلية دون صمت ، لأننا إذا نظرنا إلى الموضوعات من زاوية واحدة فإننا نرى وجها واحدا ، وإذا فسرنا التاريخ من منظار واحد فإننا بلا شك نخلق فجوة عميقة بين عوام الناس ،

لأن التاريخ الإنساني ككل منذ البعثة المحمدية إلى آخر يوم من الحياة الدنيا هو صاحب الحق في الكشف عن مصداقية التنزيل الحكيم وهذه المصداقية ليست بالضرورة أن نجد تفسيرها عند من عاصرالنبي الخاتم (ص).

سؤال : ما هي أكثر المصطلحات التي كانت متداولة في عصرالتنزيل ؟ الجواب : العِرض ، الشَرف ، المُرؤة ، الشَهامة ، وفي عصرنا الحاضر ما هي أكثر المصطلحات التي تسيطرعلى حياتنا اليومية ؟

الجواب هي نفسها التي كانت في عصر التنزيل ، هل هذه المصطلحات موجودة في كتاب الله ؟ الجواب كلا ، لماذا ؟ لأن الإنسان خلال مسيرته العلمية والاجتماعية أحاط نفسه بمصطلحات يعبربها عن ثقافته ، أليس كذلك؟ والدليل الرجل له شرف والمرأة ليس لها شرف ،

الرجل له عِرض والمرأة ليس لها عِرض ، لأنها لو أتت بفعل قبيح مخل للآداب يُهدر دمُها لأنها تكون قد ذهبت بشرف أهلها بل بشرف القبيلة كلها، أما الرجل إذا جاء بفعل مخل للآداب لا يتأثر به لا شرف الأهل ولا القبيلة ، فهل يحق لك أن تستفرد بمصطلح الشرف والعرض لنفسك ؟

الآن قم وأسقط هذه المصطلحات على شعب بريطانيا أو روسيا أو الشعوب الغربية ، هل ستجد عندهم هذه المصطلحات بذات المفهوم الذي عندك ؟ الجواب كلا ، وإن وجدت فإن معانيها ومدلولاتها تختلف عن التي عندك. وأنت تقول أن الإسلام دين عالمي ويجب أن يوافق ثقافته كل شعوب العالم ، أليس كذلك.

لهذا أصبح الإسلام أول دين سماوي يعترف بالتعددية الدينية والتعايش مع الأخر ، جاء في بحارالأنوارجزء 65 ص 155 في حديث طويل وبمعزل عن صحة المتن كله أو بعضه سأختصره (أن رجلا بعث إمرأته إلى السيدة فاطمة لتسألها هل زوجها من شيعتهم أم لا ؟

فأجابت شيعتنا من خيارأهل الجنة وكل محبينا وموالي لأوليائنا ومعادي لأعدائنا والمسلم بقلبه ولسانه لنا ليسوا من شيعتنا إذا خالفوا أوامرنا ونواهينا في سائرالموبقات وهم مع ذلك في الجنة).

مفردة الشيعة وردت في الآية 41 من سورة يس (وإن من شيعته لأبراهيم) ماهو تفسيرها عند المسلمين ؟ جاء في (تفسير الميزان ــ السيد الطباطبائي – الضميرشيعته لنوح أي أن إبراهيم كان ممن يوافقه في دينه وهودين التوحيد) و(إبن كثير) في تفسيره عن إبن عباس (من أصل دينه) و(الطبري) في تفسيره (على منهاج نوح وسنته).

والسيدة فاطمة ماذا قالت ؟ (طاعتنا نظاما للملة) ما هي طاعتهم ؟ التوحيد (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا) كل من آمن بالله الواحد الأحد فهو من أهل الجنة والسيد الخميني في كتابه (مكاسب المحرمة جزء 1 ص 133)

يصرح بصحة معتقدات من لا يؤمن بالإسلام إذا ثبت عندهم دليل قطعي واعتبروا ما عندهم هوالصحيح فهم من أهل الجنة ولو كان هندوسيا أو كونفوشيوسيا فضلا عن أن يكون موحدا ، فهل يحق لك أن تقسم الجنة لفئة دون الأخرى لأنك تحمل مفردة ما ؟ الجواب كلا.

والسيدة فاطمة تدعوا للعصاة من أمة أبيها (ص) أن يدخلهم الله الجنة وإن كانوا ملحدين ولكنهم غيرجاحدين للحق ، قد يقول قائل هؤلاء يحتاجون إلى الشفاعة ، أقول قالت لكم السيدة فاطمة (اعلموا أني فاطمة) هذه الإشارة تكفي أو لا ؟ قد تقول لا تكفي.

أنت في الوسائط الإعلامية عندما تسمع عن العلاقة بين الخالق والمخلوق ما هي المصطلحات التي يتم استخدامها لبيان هذه العلاقة (العبد والسيد) ، (الحاكم والمحكوم) ، (القيم على من يحتاج إلى القيمومة) ، هذه المصطلحات هي ذاتها التي يستمد منها الرجل سلطته على المرأة ، أليس كذلك. ولكن المرأة بأي صورة تقيم علاقتها مع الخالق ؟ علاقة محب مع محبوبه أم علاقة حاكم مع محكوم ؟

علاقة المحب مع محبوبه أنظر إلى علاقة الأم مع أبنائها تراها تغذيهم بالحنان والحب والتاريخ يخبرنا عن علاقة السيدة فاطمة مع خالقها أنها كانت تقوم الليل في محرابها حتى يتضح عمود الفجر، فلا تدعوا لنفسها بل تدعو للجيران وعندما دعت الله أن يدخل العصاة من أمة أبيها (ص) الجنة كانت بلحاظ علاقة العبد مع سيده ؟ لا أبدا ، بل علاقة المحب مع محبوبه ، والله ماذا يقول لعاشقه سَل تُعطى هذه حقيقة وسر(إن كنتم تحبون الله فأتبعوني يحببكم الله)

الحقيقة التاريخية والحقيقة الإلهية لذات النبوة المتجسدة في شخصية السيدة فاطمة وبمقتضى المسؤولية لايتم سلب إرادة الآخرين تحت أي مسمى كان أو تحت أي شعار كان ، فهنيئا لمن نهل من علومها وتمسك بها وفهم حركتها في التاريخ.

وآخر دعوانا أن الحمدالله رب العالمين.