Image Not Found

ماذا وراء انهيار العملة اللبنانية؟

حيدر اللواتي – لوسيل

لم يتوقع أحدٌ بأن تفقد العملة اللبنانية قيمتها بهذه النسبة الكبيرة أمام الدولار الامريكي في غضون الشهور القليلة الماضية بحيث تراجعت بنسبة 90% أمام العملة الأمريكية التي يتم طباعتها على هوى ورغبة المسؤولين في واشنطن لمواجهة النمو الاقتصادي المتزايد للصين، والتي من المتوقع بأن تفوق اقتصادياً على الاقتصاد الأمريكي، ولتتربع بذلك على عرش الاقتصاد العالمي في ظرف بعض السنين المقبلة.

حرب أسعار العملات من المحتمل أن تواجهها دول أخرى في المنطقة في غضون السنوات المقبلة نتيجة للرغبة الغربية والأمريكية للهيمنة على اقتصادات وسياسات بعض الدول في المنطقة وخارجها، فيما يدفع انهيار العملة اللبنانية بهذه السرعة الكبيرة الكثير من المؤسسات والمراكز والمحلات التجارية إلى غلق أبوابها لمواجهة أسعار السلع والمنتجات التي تتصاعد هي الاخرى. فقد أصبح هذا الأمر يشكّل معضلة للمواطن البسيط في مواجهة الظروف الاقتصادية السيئة الناتجة عن تراجع عملته المحلية، حيث بات أكثر من نصف سكان لبنان تحت خط الفقر، فيما بلغ الحدّ الأدنى للأجور اليوم إلى أقل من 50 دولارا أمريكيا، وبذلك تدنّت القدرة الشرائية للمواطنين.

إن المواطن اللبناني لم يواجه مثل هذه الأزمة من قبل، ومع كتابة هذه الأسطر، سجلت العملة اللبنانية تدهوراً كبيراً في سعرها في السوق السوداء لتبلغ حوالي 15 ألف ليرة مقابل دولار أمريكي واحد، في الوقت الذي لا يمكن للمواطن البسيط أن يواجه هذا الانهيار الذي يحدث نتيجة للسياسات والصراعات الداخلية من جهة، والمصالح الخارجية التي تُفرض على لبنان من جهة أخرى، ولتزداد وتيرتها بعد الانفجار الكبير بأكبر ميناء تجاري للبنان منذ عدة أشهر مضت.

كما أن الحالة المادية والاقتصادية في لبنان تنهار هي الأخرى بسرعة كبيرة في الوقت الذي تشهد فيه البلاد احتجاجات واسعة نتيجة لتردى الاوضاع المعيشية والاقتصادية بسبب تفاقم الازمة التي يعاني منها الفقراء بالدرجة الأولى، فيما يحاول الأغنياء التكيف والمواءمة مع تلك الأوضاع بمختلف الوسائل والقنوات التي يستطيعون النفاذ منها.

إن أزمة السيولة في لبنان التي بدأت منذ فترة تزيد عن سنتين ربما تؤدي إلى إفلاس البنوك، فيما نرى أن هذه القضية تؤدي إلى حدوث بلبلة لدى المواطنين والتي نتجت في الاصل عن توقف البنوك والمؤسسات المالية عن تزويد المودعين بأموالهم بالدولار. وهذا ما حدا إلى تراجع العملة وسقوطها أمام العملة الأمريكية، الأمر الذي أدى بخروج المحتجين ووقوفهم اعتصاماً أمام المصارف لتوصيل الرسالة إلى المسؤولين في لبنان وخارجه بأن الحالة الاقتصادية والمعيشية في لبنان أصبحت متردية ولا تطاق، في الوقت الذي تدفع الجهات الرقابية للبنك المركزي البنوك المحلية ببيع فروعها الخارجية والبدء بعمليات الدمج والإستحواذ لمواجهة هذه الأزمة.

لبنان اليوم يواجه عدداً من المعضلات بجانب سقوط عملته بهذه الصور الكبيرة، منها أزمة عدم تمكن الاحزاب من تشكيل الحكومة الجديدة لتقوم بمسؤولياتها من جهة، وأزمة الأسعار ونفاد المحروقات وغيرها من المعاناة التي لم يعتد عليها الشعب اللبناني في تاريخه من جهة أخرى، الأمر الذي ينتظره المواطن بأن تقوم الحكومة المقبلة بالنظر في هذه القضايا والمضي قدماً في إجراء إصلاحات اقتصادية ومصرفية عاجلة لضمان الحصول على دعم المجتمع الدولي، وإعادة الاستقرار إلى لبنان.