ربما لا يعلم البعض منا أن هناك مجموعة من المبتكرين العمانيين يقومون بجهد خارق في عمليات الابتكار والاختراع لوسائل ومنتجات يمكن أن تصبح في يوم ما سلعاً ومنتجات عمانية من الدرجة الأولى، وهؤلاء يتواجدون اليوم في “مجمع الابتكار مسقط” الذي يقع في إحدى المقار الجديدة المقامة بالساحات الشاسعة لجامعة السلطان قابوس؛ فهو يتبع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، فيما يعد مؤسسة مستقلة معتمدة على مواردها المالية التي يحصل عليها من الفعاليات والأنشطة التي ينظمها في هذا الشأن.
وقبل أيام، التقينا مجموعةً من هؤلاء المبتكرين الطامحين من خلال زيارة خاصة قمنا بها بالتنسيق مع المجمع ومجلس الخنجي الذي سبق له ونظم لقاءً خاصًّا مع المهندس هلال بن ناصر الشبلي مدير عام المجمع. وقد تناول في تلك الجلسة المرئية العديد من الحقائق حول عمل المركز وهؤلاء المبتكرين واختراعاتهم ونوعية التسهيلات التي يقدمه من حيث الأجهزة والمعدات والأدوات اللازمة للإبداع ومساحات الحاضنات والتخزين والتسهيلات الأخرى. فالمجمع يعمل على تحفيز ثقافة ريادة الأعمال في مجال البحث والابتكار، وتنمية الأعمال من خلال برنامج حاضنات الأعمال التي تضمُّ العديد من تلك الابتكارات، إضافة إلى توفير منصة للاقتصاد القائم على المعرفة، بجانب تشجيع المنتجات والمشاريع القائمة على البحث والتطوير.
ما شهدناه أثناء الزيارة يفُوق توقعات الزائرين بأنْ يصل الابتكار والاختراع لدى الشاب والشابة العمانية إلى هذه الدرجة من الوعي والتقنية لإنتاج أجهزة تتعلق بقطاعات اقتصادية هدفها زيادة كميات المنتجات الزراعية والمائية والسمكية، وأساليب الزيادة عبر مراحل مختلفة، إضافة إلى ابتكار أجهزة استشعار عن بُعد لحركة الناس والدواب والكائنات الأخرى، والتي من خلالها يمكن إنقاذ حياة هؤلاء البشر والدواب على الطرق السريعة. كما يتواجد هناك أيضا شباب يعملون في ابتكار أدوات في مجال النفط وحركة السفن واستخدامات الحديد والمعادن والأخشاب وأوراق الشجر وجذوعها وجذورها، وفي مجال إنتاج الأغذية وفي أعمال تعود بالمنافع على المجتمع العماني وتسرّع من العملية الصناعية في البلاد مستقبلا.
ما ينقص هؤلاء الأشخاص المبتكرين هو الشراكة مع المستثمرين العمانيين من حيث تمويل هذه المشاريع على أرض الواقع. وقبل الحديث عن احتياجات التمويل للمبتكرين، فإنه من الضروري أن يكون لدى هؤلاء الأشخاص ملفات ومعلومات وافية عن هذه المشاريع، ولكن نظراً إلى أن معظمهم طلاب ويأتون من جامعة السلطان قابوس والجامعات والكليات الحكومية والخاصة، وبعض المؤسسات العلمية الأخرى، فإن معظمهم يعتبرون من باحثي العمل في تخصصات مختلفة. وبالتالي فإن هؤلاء بحاجة إلى من يقوم بتمويل هذه المشاريع الابتكارية واستكمال خطواتها. فبعض هذه المشاريع تنقصها دراسات جدوى للتعرف على احتياجاتها الإدارية المالية والفنية والانتاجية…وغيرها من الأمور الأخرى، بينما المبتكرات الأخرى تتطلب تواجد مستثمرين ورجال أعمال للمشاركة في تمويل هذه المشاريع ماديا لترى النور؛ الأمر الذي يتطلب تسليط ضوء أكبر على هذه المشاريع الابتكارية، وعلى هؤلاء المبتكرين لإيصال لتوصيل الرسالة للجهات المعنية للوقوف على كل صغيرة وكبيرة.
فلدينا العديد من المؤسسات التي تهتم بهذه القضايا؛ مثل: وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ووزارة التجارة والصناعة، والمناطق الصناعية، وغرفة تجارة وصناعة عمان، وبنك التنمية العماني ومؤسسات أخرى يُمكن أن تنظر في احتياجات هؤلاء الاشخاص من حيث الشراكة والتمويل والإنتاج، بجانب القطاع الخاص؛ من خلال المؤسسات والشركات والبنوك التي لديها برامج تمويل مشاريع تقع ضمن المسؤولية الاجتماعية. كما يأمل هؤلاء المبتكرون أن تقوم وسائل الإعلام المختلفة بتسليط المزيد من الضوء على ابتكاراتهم ومنتجاتهم؛ من خلال إعداد تقارير يُمكن أن تحدث نقلة ابتكارية وفكرية وثقافية وإنتاجية في المجتمع العماني خلال المرحلة المقبلة.
المبتكرون العُمانيون يحتاجون معرفة المزيد عن الأمور التي ترتبط بالصناعة في السلطنة، وهذا يمكن تحقيقه من خلال تنظيم زيارات ميدانية لهم للشركات الصناعية القائمة في المناطق الصناعية بالرسيل وغيرها، ليقفوا على المستجدات التي شهدتها الصناعة في البلاد، وبما يمكن إضافته في المرحلة المقبلة.
وأخيرا نقول.. إنَّ مجمع الابتكار مسقط والعاملين به يعملون على تهيئة الحاضنات للتركيز على مشاريع العلوم والتقنية التي تهدف لتبني الأعمال الريادية المحلية والدولية في السلطنة؛ فهو يعمل من جانبه على تحقيق عدد من الأهداف من خلال تواجده لتشمل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والمبتكرين أنفسهم، والباحثين عن العمل، وطلاب الجامعات والكليات، إضافة إلى الموهوبين من الأفراد أو المجموعات. كما يهتم أيضا بتقديم عدد من الخدمات؛ منها: الدعم الفني وتوفير ورش التصنيع والنمذجة، إضافة إلى تقديم الإرشاد والتوجيه في مجال الأعمال، والتدريب. وتبقى هناك مسؤولية اجتماعية تقع على المؤسسات الأخرى في المجتمع؛ بهدف تحقيق آمال هؤلاء الفتية المبتكرين من حيث إيجاد الشراكة معهم من قبل المؤسسات والشركات التي يجب عليها أن تأخذ بأيديهم لترى هذه الابتكارت النور. وهذا أكبر تحدٍّ يواجهه المبتكرون في الوقت الحالي.