بعد عدة أيام تستكمل بريطانيا فترة شهرين تقريبا منذ انفصالها عن عضوية الاتحاد الأوروبي، والذي تم في 31 ديسمبر 2020 بعد مدة دامت 50 عاماً من الاندماج والعلاقات والتفاعل على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. وكانت بريطانيا قد حصلت على العضوية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في بداية عام 1973. ومنذ إعلان انفصالها في استفتاء شعبي في يونيو عام 2016، دخلت بريطانيا في الكثير من المفاوضات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي وخاصة في مجال التجارة والعبور التي تلقى اليوم مشاكل بين الطرفين، حيث فقد كل من البريطانيين والأوروبيين حق الإقامة الدائمة وتصاريح القيام بالاستمرار في مماسة الأعمال التجارية في كلا الطرفين، إلا بعد استيفائهم لشروط الهجرة وفق قوانين كل دولة، الأمر الذي يتطلب توقيع اتفاقيات ثنائية مع كل دولة لتحقيق تلك المتطلبات.
لقد مرت عملية خروج بريطانيا من الاتحاد بالعديد من الخلافات، إلا أن الاتفاق الأخير شمل استمرار التجارة بين برطانيا والتكتل الأوروبي دون فرض أي رسوم جمركية أو حصص، الأمر الذي يعني ضرورة الاستمرار في التجارة بين الجانبين والتي تقدّر قيمتها حوالي 950 مليار دولار. وبالرغم من أن البعض يعتبر أن بريطانيا سوف تستفيد من هذا الاتفاق الذي يلغي الرسوم والحصص، والاحتفاظ بالسوق الأوروبي الذي يضم أكثر من 400 مليون مستهلك، إلا أنه في الآونة الأخيرة بدأ بعض الخبراء من الجانب البريطاني بالتحدث عن تحديات التجارة مع الاتحاد الأوروبي بسبب متطلبات جديدة للاتحاد التي تجعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة للشركات البريطانية التي تتعامل مع دول الاتحاد.
كان الاعتقاد السائد بأن التجارة بين الجانبين سوف تستمر دون حصول أي مصاعب أو احتكاك، ولكن نظراً لانفصال بريطانيا اليوم لم تعد جزءاً من السوق الموحدة والاتحاد الجمركي، فقد بدأت هذه الشركات ورجال الأعمال يواجهون عبئًا متزايدًا من التأخير والبيروقراطية، بالرغم من أن الاتفاقية واضحة بين الطرفين في هذا الشأن من حيث عدم عرقلة عمليات التجارة وإلغاء أية رسوم وجعلها تعرفة صفرية. ويبدو من حديث الخبراء أن الشركات الصغيرة والمتوسطة هي التي ستكون أكثر تضرراً نتيجة للطلبات الجديدة من البيانات والتكاليف الإضافية في حالة تصدير بعض المنتجات الزراعية والسمكية وغيرها. فأي خطأ تحصل في تعبئة الأعمال الورقية الجديدة يؤدي إلى تلف البضائع أو فرض غرامات عليها. كما أن التغيرات تسببت في تعطيل شحنات اللحوم عبر القناة المائية إلى أوروبا، ومصادرة بعض الكميات بموانئ الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى تأثيرات التغييرات الإدارية على شركات النقل والشحن، فيما أصبحت رموز سلع المنتجات المطلوبة أكثر تعقيدًا في عملية التجارة بين الجانبين.
وأخيرا فإن تطبيق إجراءات جديدة على أصعدة السفر، والتجارة، والهجرة، والتعاون الأمني بين الجانبين تحتاج إلى مزيد من المناقشات للقضاء على هذه الإشكالات والتحديات التي ستزيد المصاعب للطرفين في ضوء استمرار جائحة كوفيد 19. فهناك قضايا بقاء الأشخاص والحسابات المصرفية والمدخرات والسياحة والمكالمات الدولية بين الطرفين والمساكن والمتقاعدين وغيرها من الأمور الأخرى التي تحتاج إلى مزيد من المتابعة لكي لا يشعر المرء البريطاني والأوروبي بأي نقص عند استمرار عيشه على الأراضي البريطانية أو في دول الاتحاد الأوروبي.