Image Not Found

اعلموا أني فاطمة (10 – 11)

صادق حسن اللواتي

فاطمة من التاريخ إلى التراث الروائي (4)

كان الكلام فيما مضى عن المواقف الثلاث لمولد السيدة فاطمة من وجهة نظرالتاريخ ، وقبل الدخول إلى تفكيك النصوص التاريخية علينا التحقق من التراث الروائي حسب المعلومات المتوفرة لدينا ولا تخرج عن ثلاث مواقف أيضا (أول الخلق قبل خلق العالم ، إنعقاد نطفتها ، ولادتها).

فأما الذين قالوا أنها أول من خلق الله قبل 7000 سنة من خلق العالم هو (الشيخ الصدوق في علل الشرائع جزء 1 ص 206) علما أن علماء الآثارعثروا على جمجمة إنسان عمرها 3 ملايين عام موجودة في متحف كليفلاند في جامعة أوهايو في أمريكا ، وأن نظرية التطورالزمني لتاريخ العالم بدايته من العصرالحجري بمليوني عام.

و(الشيخ عبدالله البحراني في عوالم العلوم والمعارف مجلد فاطمة الزهراء جزء 11 ص 17) لا يعتبرالسيدة فاطمة أول من خلق الله بل النبي الخاتم وعليا والحسن والحسين (ع) هم أول من خلق الله ثم الملائكة ثم الظلام ثم خلق نورفاطمة. وفي كتاب (الأوائل للحافظ الحراني ص 38 عن رسول الله (ص) أول ما خلق الله القلم) ،

أما الذين قالوا عن انعقاد نطفتها هم :-

أولا : في (كنزالعمال ج12 ص 109 رقم34227) حديث قال النبي (ص) (جائني جبرائيل بسفرجلة من الجنة فأكلتها فواقعت خديجة تلك الليلة فعلقت فاطمة).

ثانيا : (مخطوط الرقاق المعروف بالخوانيات ص 250) (أن خديجة تمنت يوما من الأيام على سيد الأنام أن تنظرإلى فاكهة دارالسلام فجاء جبرئيل إلى المفضل على الكونين بتفاحتين وقال يا محمد يقول لك من جعل لكل شيء قدرا كل واحدة وأطعم الأخرى خديجة الكبرى وأغشها فإني خالق منكم فاطمة الزهراء).الباري يأمرالنبي الخاتم (ص) أن يغشي خديجة وينعتها ب(الكبرى) ويصف السيدة فاطمة ب(الزهراء).

ثالثا : في (علل الشرائع للشيخ الصدوق جزء 1 ص 183) حديث طويل نختصره ، بينما النبي (ص) جالس بالأبطح … إذ هبط جبرئيل … فبينما النبي (ص) كذلك إذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطى بمنديل من سندس … به عذق من رطب وعنقود من عنب فأكل النبي (ص) ..

وأراد أن يصلي فأقبل عليه جبرئيل وقال (الصلاة محرمة عليك في وقتك حتى تأتي منزل خديجة فتواقعها. تقول خديجة ما أن تباعد عني النبي (ص) حتى حسست بثقل فاطمة في بطني).

رابعا : في (أحسن الكبارفي مناقب الأطهارللسيد محمد عربشاه الحسيني ص 33) أن رسول الله لما أسري به انتهى به إلى شجرة كثيرة التفاح فأخذ تفاحة ولما أراد أكلها أكل نصفها وطارالنصف الآخرفكانت فاطمة من النصف وخلق الله ذوالفقارمن النصف الآخروهوأخ فاطمة في الجنة).

نحن إزاء هذه الروايات لا يمكن التوفيق بينها وبين المواقف التاريخية مهما كانت الحجج التي يمكن سوقها في هذا الباب ، وقد لاحظنا التداخل بين الخطابين التاريخي والروائي بحيث إذا أردنا التخلص من هذا أو ذاك لا نستطيع لأن التراث الروائي يبين أنه تأسس على نواة تاريخية متصلة بالأقوال تارة وبالأفعال تارة أخرى ، مثلا :-

أولا : إذا قلنا أن السيدة فاطمة ولدت بعد خمس سنوات من البعثة النبوية وقبل ثلاث سنوات من الإسراء فإن الرواية المتداولة عبر الوسائط الإعلامية المتعددة بأن النبي الخاتم (ص) لما أسري به أكل تفاحة من الجنة ومنها انعقدت نطفة السيدة فاطمة غيرصحيحة.

ثانيا : تشابه قصة انعقاد نطفة السيدة فاطمة مع ما جاء في ( إنجيل لوقا 1 الإصحاح 34-35 )عن انعقاد نطفة عيسى النبي (قالت مريم للملاك كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلا ، فأجاب الملاك وقال لها الروح القدس يحل عليك وقوة العلي يظللك).

عبارة الروح القدس يحل عليك تعني يغشاك ، والغشاء ما يغلف به الجسم فلا يراه أحد ، ترى أين نجد هذه الكلمة في التراث الروائي؟ سنجدها في رواية الشيخ الصدوق وفي المخطوطة السالفة الذكر.

الشيخ (أحمد ديدات) يقول في إحدى مناظرته مع العلماء المسيحين ، أنه سأل أحد القساوسة :

هل تستطيع أن تقرأ على ابنتك مشهد الملاك مع مريم العذراء كما جاء في الإنجيل (الروح القدس يحل عليك وقوة العلي يظللك) مثلما يفعل الرجل مع زوجته ؟ قال الشيخ : طأطأ القس رأسه خجلا وقال (لا) .

أما الذين قالوا عن كيفية ولادتها :

فسنكمل بحثنا في الحلقة (11) إن شاء الله تعالى….إلى اللقاء.

فاطمة من التاريخ إلى التراث الروائي (5).

كان الحديث فيما سبق عن الذين قالوا أن السيدة فاطمة خلقت قبل خلق العالم ، وعن الذين تحدثوا عن انعقاد نطفتها من تفاحة الجنة ، وأما الذين قالواعن كيفية ولادتها فسنذكرالرواية المعتمدة والمتداولة عبرالوسائط الإعلامية المتعددة.

والتي نقلها الشيخ الصدوق في (الأمالي ص 424) رواية طويلة سأختصرها بعد ذكرالسند (حدّثنا الشيخ الجليل أبوجعفرمحمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى إبن بابويّه القمّي رضِيَ الله عنه ، قال : حدّثنا الحسين بن علي بن أحمد الصّائغ ، قال : حدّثنا أبوعبد الله أحمّد بن محمّد الخليلي ، عن محمّد بن عليّ بن أبي بكر الفقيه ،

عن أحمد بن محمد النّوفلي ، عن إسحاق بن يزيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن زرعة بن محمّد ، عن المفضَّل بن عمر، قال : قلتُ لأبي عبد الله الصّادق عليه السلام : كيف كان ولادة فاطمة عليها السلام فقال :

أن خديجة (ع) لما تزوج بها رسول الله (ص) هجرتها نسوة مكة فاستوحشت … فلما حملت بفاطمة كانت (ع) تحدثها من بطنها وتصبرها….النبي الخاتم (ص) يسألها مع من تتكلم فتيجب إنه الجنين الذي في بطني ، يقول لها : أن جبرائيل يقول أنها أنثى وأنها النسل الطاهر….

إلى أن حضرت ولادتها فوجهت إلى نساء قريش وبني هاشم أن تعالين لتلين مني ما تلي النساء من النساء فأرسلن إليها أنت عصيتنا…. فدخلت عليها أربع نسوة طوال كأنهن من نساء بني هاشم

وقلن لها نحن إخوتك أنا سارة وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة وهذه مريم بنت عمران وهذه كلثوم أخت موسى بن عمران …. فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها نوردخل بيوتات مكة.

ودخلن عشرمن الحورالعين كل واحد معها طست من الجنة وإبريق من الجنة فيه ماء الكوثرفتناولتها التي بيدها إبريق فغسلتها بماء الكوثر وأخرجت خرقتين بيضاوتين….فلفتها ثم استنطقتها

فنطقت فاطمة أشهد أن لا إله إلا الله وأن أبي رسول الله وسيد الأنبياء وأن بعلي سيد الأوصياء وولدي سادة الأسباط) هذه الرواية تفرد بها الشيخ الصدوق وهناك جملة من الملاحظات نذكر بعضا منها :-

أولا : الحسين بن علي بن أحمد الصائغ مجهول (معجم رجال الحديث – السيد الخوئي ــ جزء7 ص 43) ، أحمد بن محمد الخليلي – رجل مهمل (معجم رجال الحديث – السيد الخوئي ــ جزء 3 ص 124) ، أحمد بن محمد النوفلي – مجهول (معجم رجال الحديث – السيد الخوئي – جزء 3 ص 114-115).

ثانيا : الكوثرهوحوض عظيم يوم القيامة وماءه من نهر في الجنة فهو صالح للشرب لجميع الخلائق دون استثناء وليس للغسل

ثالثا :جاء في موقع مجمع البحوث الإسلامية أسماء للنساء الصحابيات شهدن ولادة النبي الخاتم (ص) وهُن : أم أيمن ، الشفاء بنت عوف ، فاطمة بنت عبدالله الثقفية ، ثويبة جارية أبي لهب وكانت الشفاء القابلة التي تلقفته (ص) بيدها. راجع أيضا (الخصائص الكبرى للسيوطي ص 116)

أخبروني أين هي القطيعة بين خديجة ونساء قريش وبني هاشم ، فإذا قلنا أن ولادة السيدة فاطمة كانت قبل البعثة بخمس سنوات فهي كانت سيدة في قومها وأبوها من أشرافها ، وإن سلمنا أن ولادتها كانت بعد البعثة بخمس سنوات أيضا مكانتها الإجتماعية لن تتزعزع بسبب زواجها

وخاصة أن زوجها ابن زعيم قبيلة قريش وسيد بني هاشم ، والمفارقة بين ولادة النبي الخاتم(ص) والسيدة فاطمة أنه تم اختيارأسماء محددة للنساء من العالم العلوي نزلن في حضرة خديجة لحظة وضع فاطمة بدل حضور نساء بني هاشم

إضافة إلى أن إسم (فاطمة) كان متداولا بين العرب قبل ولادتها ، فجزئية أن الله سماها فاطمة او نعتها (بالزهراء) هو في المتخيل الروائي ليس إلا ، ترى ما هو المعياروالهدف من وراء هذا الخطاب المتخيل ؟

هذا الخطاب المتخيل في التراث الروائي سأتحدث عنه لاحقا ، أما المعيار فهي الأفضلية التي دفعت لإختيارهذه الأسماء ، ولكن إذا رجعت إلى الأفضلية الجماعية الرباعية النسائية في الأحاديث النبوية الشريفة لن تجد فيها إسم السيدة فاطمة في الرتبة الأولى مثلا :

(سيرالنبلاء للذهبي جزء 2 ص 121 سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم فاطمة وخديجة وإمراة فرعون آسية) (بحارالأنوارجزء 43 ص 19 إن الله إختار من النساء أربع مريم وآسية وخديجة وفاطمة) (الترمذي حديث رقم 3878 حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية إمراة فرعون).

بالنتيجة قال الشيخ حيدرحب الله (إن هذا الخبرإنفرد به الشيخ الصدوق يوجب عدم إمكان الإعتماد عليه في إثبات الحدث التاريخي).

نكمل بحثنا في الحلقة (12) إن شاء الله…. إلى اللقاء.