Image Not Found

مطرح.. حديث قديم يتجدد في المجالس

حيدر بن عبدالرضا اللواتي – الرؤية

[email protected]

الحديث عن سوق مطرح لا يتوقف عند أبنائها وغيرهم من المُواطنين في أية جلسة تتناول موضوع هذا السوق، وكيفية تطويره إلى الأحسن ودعوة العمانيين لإدارة مشاريعهم في هذا السوق بأنفسهم لإنجاح سياسة “التعمين” ومحاربة التجارة المستترة والحد من سيطرة العمالة الوافدة على السوق.

وباعتبار أنَّ مدينة مطرح كانت وما زالت تعتبر مقراً تجارياً في السلطنة منذ مئات السنين، فهذه الأسئلة من المعتاد طرحها في مثل هذه الجلسات، خاصة من قبل أبنائها الذين تركوا محالهم التجارية وتوجهوا للتخصصات في العلوم والآداب في أرقى الجامعات العالمية، ولم يستطيعوا بعد ذلك العودة ليُواجهوا اليوم هذه المنافسة التي أتت من العمالة الوافدة التي تمكنت من السيطرة على المحلات القائمة، حتى غدت مطرح وكأنها إحدى المدن الآسيوية في الهند أو باكستان أو بنغلادش.

هذا الحديث عن مدينة مطرح نوقش مؤخرًا في مجلس الأستاذ جميل بن علي سلطان بحضور عدد من أبناء مطرح ومسقط وبعض أبناء السلطنة من مدن أخرى. والأخ جميل – كما هو معروف- هو أحد أبناء تجار مدينة مطرح، حيث تأسست شركتهم بمشاركة أجنبية وبمسمى شركة “تاول” في عام ١٨٦٦م. والمناقشة العفوية التي جرت كانت من أجل جذب اهتمام المشاركين في هذه الجلسة وغيرهم بأن يعود أبناء مطرح – ولو بعدد قليل- إلى هذا السوق الكبير إن لم يكن كلهم لإدارة محلاتهم التجارية بأنفسهم بدلاً من تسليم أمورها إلى الوافدين الذين تخصص بعضهم اليوم في تسويق منتجات أجنبية على أنَّها منتجات تراثية وطنية عُمانية، إضافة إلى عدم التزامهم بأوقات العمل في فتح وإغلاق هذه المحلات التي اعتادت في ماضي الزمان بأن تفتح في الصباح الباكر وتقفل مع آذان المغرب يوميًا.

الحاضرون أكدوا على ضرورة قيام الجهات المعنية باتخاذ بعض القرارات التي تدفع العمانيين للعودة لإدارة هذه المحلات، من خلال فرض ساعات معينة لأعمال البيع والشراء كخطوة أولى لتحقيق “التعمين”. فغياب مثل هذه الإجراءات هي التي تُؤدي إلى مكوث الوافدين لساعات طويلة من الليل في هذا السوق.
موضوع سوق مطرح لم يكن حديث هذه الجلسة فحسب، بل سبقتها جلسات أخرى من المهتمين الآخرين. ففي منتصف عام ٢٠١٩ نوقش نفس الموضوع في إحدى جلسات مجلس الأستاذ خليل الخنجي، وهو أيضاً أحد أبناء تجار مطرح المعروفين، حيث حضر تلك الجلسة عددٌ من المسؤولين في بلدية مسقط وأعضاء مجلس الشورى عن هذه الولاية.

هذه الجلسات ركَّزت على أهمية مدينة مطرح ودورها التجاري والثقافي والسياحي في الماضي والحاضر. فماضي هذا السوق يسجل بأنها كانت مدينة متميزة في عملية التجارة وفي إنتاج الصناعات اليدوية، بجانب دورها في عمليات الاستيراد والتصدير من وإلى دول العالم. وهذا ما يجب العمل به لعودة الروح إليها مرة أخرى.

فغياب العنصر العُماني عنها أوجد خللاً كبيراً، الأمر الذي أدى إلى نجاح العمالة الوافدة في السيطرة على جميع مفاصل السوق، في الوقت الذي يأمل الجميع بأن تعود هذه المدينة العريقة إلى سابق عهدها في العمل التجاري، وأن يُستغل طريق مطرح إلى مسقط القديمة (الكورنيش) بمشروعات تجارية حديثة تدار من قبل العمالة الوطنية، كما نراه في العديد من الدول الأخرى، بجانب تطوير السوق المعروف بسوق الظلام لكي يصبح سوقاً يعمل بها رواد الأعمال من الشباب العمانيين الطامحين للعمل في تلك المشاريع.

فمدينة مطرح من الناحية السياحية تعتبر من المدن التي يصّر السائح العربي والأجنبي بمشاهدتها عند الوصول إلى السلطنة، وربما تعتبر أول مدينة يُقابلها السائح عبر المرور على البحر، ومن خلالها يمر الضيوف الرسميين الكبار للسلطنة من هذه المدينة للوصول إلى مسقط العريقة، فمطرح تتميز بالبنى التحتية والتاريخ والآثار والبيوت القديمة التي تحتاج إلى رعايتها وتطويرها باستمرار، مع الإسراع في تطوير الواجهة السياحية لها، لإعادة الهوية لسوقها القديم وحاراتها وسككها وشوارعها، بجانب ضرورة العمل على إيجاد العنصر العُماني في أسواقها للقيام ببيع كل ما هو منتج محلي مثل الكميم والخناجر والفضيات والملابس العمانية والتحف القديمة.

المناقشات في تلك الجلسة تركزت كثيرًا على ضرورة إفساح المجال للعمانيين للعمل والدخول في هذا المعترك نتيجة للمنافسة غير المتكافئة التي تأتي من الوافدين في تلك المهن، بجانب توفير المطاعم المحلية ليتذوق السائح القادم بالوجبات العمانية، وبحيث يصبح هذا القطاع من أكثر القطاعات غير النفطية دخلاً في المستقبل، ويكون بها مشاريع ذات قيمة مضافة للاقتصاد المحلي. فمطرح محتاجة إلى تطوير بنيتها التحتية بجانب الواجهة البحرية ودعوة أبنائها بالرجوع إليها تدريجياً من خلال دعم أصحاب المبادرات الصغيرة ورواد الأعمال الذين يحاولون اغتنام الفرص التجارية، خاصة وأن المحلات في هذه المدينة عليها طلب كبير من الوافدين بحيث يصل مبلغ إخلاء محل تجاري ما بين 25 إلى 30 ألف ريال عماني.

المدينة تحتاج إلى فرض قوانين واتخاذ إجراءت صارمة بحيث لا تدار هذه المحلات بأسلوب التجارة المستترة، فيما تحتاج المدينة إلى تأهيلها لتصبح نموذجاً رائعاً لبعض الأسواق المعروفة في دول مجلس التعاون الخليجي، وإرجاع هويتها مع إحلال العنصر العماني الذي سيكون حريصاً على تقديم المعلومة الصحيحة عن مدينته عكس ما نراه اليوم من قبل الوافدين الذين يقدمون أحياناً معلومات خاطئة عن المدينة والمنتجات التي تتميز بها، الأمر الذي يشوه النظرة الاقتصادية والثقافية والسياحية لهذه المدينة العريقة. كما على الجهات المعنية القضاء على الصعوبات التي يعاني منها العمانيون في الحصول على بعض الموافقات الرسمية لبدء أعمالهم التجارية والتقليل من المخالفات ليتمكنوا من إدارة أعمالهم الخاصة كفتح المطاعم وبيع بعض المواد والمنتجات الوطنية.

مدينة مطرح ستبقى قبلة لأبنائها وللزائرين جميعاً، فهي المدينة التي تحتوي على الكثير من العوامل المعنوية والفنية والتراثية والجمالية، وأن رجوع العنصر العُماني للعمل فيها يتطلب وضع أسس معينة بحيث يبدأ إحلاله بنسبة قليلة لترتفع هذه النسبة تدريجياً، مع تقديم الدعم والحوافز للراغبين للعمل في هذا السوق، وإعطاء التسهيلات اللازمة لهم لتأسيس مشاريعهم السياحية كإقامة النزل والمطاعم للأكلات العمانية وبيع المنتجات الوطنية.