د. علي محمد سلطان
غادر دنيانا قبل قليل الفارس الذي إمتطى ظهور السفن والطائرات حتى غدا أيقونة الأسفار على
The British India Navigation Co LTD.
لم تعرف مطرح منذ الخمسينيات من القرن المنصرم شخصية أدمنت الأسفار كمثل شخصية حسن ( سو) عرفه الأهالي عندنا بإسمه ولقبه هكذا.
صال وجال على ظهور السفن ومتى ماحل على وطنه ضمن مراحل أسفاره فإنه كان يغدو حديث الساعة في قهاوي مطرح ومع أماسيها وعلى رمال شطآنها يُحاط بلمة من الخلان وأصدقاء الدراسة ومرتادي المجالس وسكنى سور اللواتية فيحدثهم عن مغامراته حول العالم ، يقف معهم على محطات تكاد تكون معدومة في قواميس ابن بطوطة اللواتي الأمازيغي.
فحسن (سو) قد تخطى فيافي إبن بطوطة منطلقا من أزقات مطرح ومن فرضتها في مغب وبجواز صادر من مكتب السيد شهاب إبن فيصل الذي كان يتجدد مع كل إياب منه لداره قد تركها لسنوات وأوراق جوازه دمغت بأختام حواضر العالم لمغامر لم يرَ من دنياه سوى الأسفار وماسوى الأسفار لا شئ آخر.
كانت خير محطاته دبي الإمارة القريبة من بوابة الأسود( جمارك إلى دبي ).حيث كان يسلك فجاج الحويلات خطوة بخطوة ويتقفى آثار الدواب والسيارات التي لتوها قد بدأت تزحف على هذه الإمارة رويدا رويدا.
كان يتخذ في منامات الوالد عند بوابة الأسود إستراحته ومن مطعه إداماته حتى إذا أخذ قسطا من الراحة نازعه خلده بالسير إلى دبي حيث وجهته لمواقع تجار الذهب فيأخذ بضاعته منهم ثم يرحل على ظهر أقرب باخرة تأخذه إلى ( زويري وكراو فورد) في مومباي أو إلى ( كارا در وزلزلة ومهفليه شاه خراسان) في كراتش ليبيع ماعنده بأضعاف مضاعفة حتى إذا إنتهى من صفقاته تجده قد قطع تذكرة إلى دروب أوربا أو أقاصي آسيا أو حجز لأكبر سباقات الخيول في أدنى الأرض وأقصاها في عالمنا المترامي إذ كان من محبي سباقات الخيول.
وقد نجا بلطف الله وعنايته من موت محقق لاحت له لوائحه وهو في قمرته في سفينة دارا يوم الثامن من إبريل من عام 1961 وقد إنطلقت من إمارة الشارقة.
وقد نقل لي حرفيا ماحدث يوم أن حصل انفجار عند كبينته في أسفل السفينة وعلى أثره إلتهمت النار السفينة واحتوشتها من كل الجهات فغامر من غامر وقفز في عرض البحر من أراد أن ينجو من الحرق فغرق في عرض البحر.
بقي حسن ( سو) متماسكا كعادته وقد تعلم من حياة المغامرات دروسا وعِبر فلم يكن ماحصل على ظهر دارا بأكثر مما كان قد حصل في أحد أسفاره وهو راجع على متن طائرة من سويسرا وكان ذلك في الخمسينيات حيث سقط أحد جناحي الطائرة كانت تقلهم فنجا من الحادثة بلطف الله.
ذكر لي أنه أمسك العديدين من أن يرموا بأنفسهم في عرض البحر وجميعهم آبوا سالمين فيما مات عددا يربوا على المائتين ممن غامروا ووصلت فرق النجاة بسفنهم متأخرة ومع آخر أنفاس السفينة دارا التي كادت تهوي وقد إلتهمتها النيران.
ومع السبعينيات إستقر حسن في كراتشي المدينة التي أحبها وعاش فيها أحلى أيام شبابه وتزوج وأنجب إبنا واحدا ( بدر عباس) ومع التقدم في العمر رجع لمسكنه وعاش أيامه الأخيرة في بيت من بيوت سور اللواتية وكان يشعر بالغربة بعد رحيل جل أصدقائه ممن عاش معهم أيام صباه.
كنت كلما تفيقت من زحمة المشاوير قصدته في ساعات الضحى فكان يقضي آخر أيامه في زوايا وتكايا مطرح وخير أماكنه مقهى النورس البحري أو ركن من أركان مسجد الرسول الأعظم في الشريط الساحلي ( الكورنيش ).
لقد اعتلت صحته فأخذه إبنه إلى كراتشي للعلاج في آخر رحلة حياته وقد ترجل الفارس عن صهوة جواده مساء اليوم.
نسأل الله سبحانه أن يغفر له ويتغمده برحمته الواسعة.