حيدر بن عبدالرضا اللواتي – الرؤية
رغم أهمية اللقاء الذي أجراه التلفزيون قبل أيام مضت مع كل من معالي الدكتور سعيد بن محمد الصقري وزير الاقتصاد، ومعالي ناصر بن خميس الجشمي أمين عام وزارة المالية، وسعادة الدكتور منصور بن طالب الهنائي رئيس هيئة تنظيم الخدمات العامة، إلا أنَّ وقتاً كبيراً من هذا اللقاء ضاع خلال الفواصل في تقديم بعض المواد الفنية كالأناشيد؛ حيث كان من المفترض أن يسخّر اللقاء لطرح مزيد من الأسئلة في مثل هذه اللقاءات المهمة التي لا تتكرر كثيراً، وفي مثل هذه الأوقات الصعبة والمهمة التي تتزايد فيها الضعوط على كاهل المواطنين.
مُعظم المواطنين والمهتمين تجاه القضايا الوطنية يتابعون اليوم القرارات التي تهم الحياة ومعيشة الفرد تتمثل في فرص العمل المتاحة، ومسألة الضرائب وأسعار السلع والمنتجات بجانب قضايا المديونية والعجز وغيرها من القضايا الاجتماعية والاقتصادية الأخرى التي تهم كل شخص في المجتمع، بالإضافة إلى الحديث اليومي المتواصل عن خطة التوازن المالي ومبادرة إعادة توجيه دعم الكهرباء والمياه ومسائل اقتصادية أخرى.
فالكل على علم بما يجرى على المستوى المحلي والإقليمي والدولي خاصة فيما يتعلق بأسعار النفط العالمية التي تراجعت منذ منتصف عام 2014 وحتى اليوم من واقع 100 دولار وأكثر نتيجة لسياسات بعض دول المنطقة وخارجها لتصل إلى أقل من 30 دولاراً خلال السنوات الماضية، ولترتفع تدريجيًا في الآونة الأخيرة ما بين 45 إلى 50 دولار. ولقد كان لذلك تأثيرات سلبية عديدة على الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية للدول، والتي تزايدت وتيرتها مع تفشي جائحة كورونا في بداية العام الحالي 2020؛ حيث أدى ذلك إلى إغلاق المؤسسات والشركات لفترات طيلة، مع خروج العمالة الوافدة في مجموعات كبيرة إلى خارج السلطنة، بحيث بلغ عدد الذي فقدوا وظائفهم من الوافدين حوالي ربع مليون وافد وفق حديث معالي وزير الاقتصاد وتأثير ذلك على القطاعات الإنتاجية والعقارية والسياحية وغيرها، في الوقت الذي يتوقع المسؤول أن تستمر تأثيرات جائحة كورونا لعدة سنوات مقبلة، الأمر الذي ستترك تأثيرات سلبية على زيادة النمو الاقتصادي للسلطنة ودول العالم خلال الفترة المقبلة.
وهذه الجائحة كما أشار إليها معالي الجشمي أدت إلى تراجع كافة المبادرات التي رسمتها الجهات المعنية في السلطنة من أجل تصحيح الأوضاع الاقتصادية والمالية للبلاد، بحيث تمكنت من إرجاعها إلى نقطة الصفر، في الوقت الذي مازالت المؤسسات الحكومية تعاني فيه من عجز ومديونية وانخفاض في مستويات الاستثمار والادخار وتراجع في تأسيس المشاريع الجديدة، الأمر يُؤثر بصورة كبيرة على التصنيف الائتماني للسلطنة، والذي تراجع هو الآخر بدوره خلال السنوات القليلة الماضية وفق بيانات عدد من مؤسسات التقييم الدولية في هذا الشأن. وفي مثل هذه الأوضاع من الطبيعي أن يتراجع النمو الاقتصادي لأي دولة، وتتباطأ أعمال مؤسسات القطاع الخاص، وهذا ما حصل مع عدد من دول العالم في المنطقة وخارجها.
المسؤولون في اللقاء حاولوا إقناع المواطنين بأن الإجراءات التي تتخذها الحكومة من أجل دعم الخطط المالية والاقتصادية- ولو على حساب رواتبهم وأوضاعهم المالية- تعد من الإجراءات المتاحة الأقل ضررا في مثل هذه الحالات، في الوقت الذي تحرص فيه الحكومة على أن تكون هذه الإجراءات صمام أمان للدولة والمواطنين في مواجهة التحديات والعقبات مستقبلاً. فمع مرور الزمن ستصبح الضرائب ورفع الدعم عن بعض الخدمات جزءاً من حياة المواطن، وسوف يعتاد عليها بحيث يصبح أكثر اهتماما ووعياً في الابتعاد عن التبذير في استهلاك الكهرباء والمياه على سبيل المثال مثلما يتعامل اليوم مع أسعار الوقود. ومن خلال حديثهم تبيّن أن الدولة مستمرة في ضمان حياة الأسر وأصحاب الدخل المحدود والفئات المستحقة من خلال دعم أسعار الكهرباء والمياه لها، وإبعاد ضريبة القيمة المضافة عن عدد من السلع المهمة التي يحتاج إليها الفرد في استهلاكه اليومي.
لقد شهدت السلطنة خلال السنوات الماضية ارتفاعاً كبيرا في الإنفاق المالي نتيجة لتصحيح أوضاع الموظفين في المستحقات المالية لهم، بجانب التبذير في إنفاق الأموال على الكثير من المناقصات التي كانت تمنح لبعض الشركات والمؤسسات بأسعار خيالية، بالإضافة إلى الإنفاق السخي على بعض المناسبات من المؤتمرات الداخلية والخارجية والندوات والمعارض وشراء الأجهزة والسيارات واستئجار المباني الضخمة وعمل الديكورات الفخمة التي لم تأتِ بأي جديد للسلطنة في مجالات الاستثمار التي نتطلع إليها. ونظرا للمشاكل الناجمة من ذلك، بجانب تراجع مداخيل النفط وتأثيرات الجائحة، فقد أدى ذلك إلى خفض موازنات الجهات الحكومية منذ عام 2015 تدريجياً ليصل إلى 30% حاليا وفق كلام معالي الجشمي. في الوقت نفسه تعمل الحكومة وفي إطار التوجيهات السامية بالتحفيز الاقتصادي وتنشيط المبادرات التي يمكن من خلالها تصحيح الأوضاع الاقتصادية الراهنة وذلك بالتعاون مع مؤسسات القطاع الخاص، والعمل على زيادة إنتاجية العاملين في المؤسسات الحكومية بجانب تحسين أداء المؤسسات التي يعملون بها.
وإزاء هذه الأمور يتطلع الجميع لأن تتمكن الحكومة من تعزيز خططها المالية والاقتصادية، مستقبلاً وأن تنجح في سياساتها في تنويع مصادر الدخل الاقتصادي التي ما زالت تعتمد على النفط بشكل كبير، وأن يتمكن القطاع الخاص من تعزيز قدراته وإنتاجيته، مع تمكينه في توفير فرص عمل جديدة للمواطنين خلال المرحلة المقبلة. كما يأمل المواطنون أن تتمكن الحكومة من القضاء على البيروقراطية وإصدار التشريعات والقوانين التي تؤدي إلى سهولة الإجراءات في العمل والاستثمار، الأمر الذي سوف يمكّن الآخرين من الدخول في معترك الأعمال الحرة وفي تقديم مبادراتهم الجديدة.