محمد بن رضا اللواتي – الرؤية
عِندما كَثُر زبائن مطعم “هامور فقط”، أراد مالكه العُماني أن يفتح فرعا آخر للمطعم عند البحر على كورنيش مطرح، بمشاركة رأس مالي كويتي، إلا أن دفقا من العقبات منعته من ذلك، عقبات إنهاء الإجراءات، والحصول على تمويل مرن بفوائد لا تسلخ الجلد، وتكفي لإنجاح المشروع، كل ذلك حال دون فتح الفرع الجديد للمطعم، وترتب على ذلك عدم تطور تجارته أكثر، وتراجع المستثمر الأجنبي عندما وجد أن التحديات في الواقع ليست إلا عوائق، والشباب الذين كان قد أجرى معهم المقابلة الشخصية لتوظيفهم في فرعه الجديد، عادوا إلى البطالة مجددا.
وإذا قُمنا باستبدال المطعم بالقطاع الخاص، والإجراءات التي تطول ولا تنتهي بالعقبات، فسوف نحصل على الشيفرة التي تؤدي لعدم تطوُّر الاقتصاد وضياع فرص تولد الوظائف؛ وهي:
زادت العقبات، فما نما القطاع الخاص، فتراجع الاستثمار الأجنبي، فلم تتولد الوظائف الجديدة.
وباستخدام قاعدة “عكس النقيض” المنطقية، نحصل على الشيفرة ذاتها بشكل آخر:
زالت العقبات، فنما القطاع الخاص، فتواجد الاستثمار الأجنبي، وتولدت الوظائف الجديدة.
إنَّ مناسبة كتابة هذا المقال كانت التعليقات المتنوعة التي رُصدت على مقال كتبه الزميل رئيس تحرير جريدة “الرؤية”، يوم الأحد الماضي، ودعا فيها إلى “إعادة النظر في سياسات الإقراض وآلية صناعة القرار الاقتصادي والاستثماري”، مُعللا ذلك بأن “المردود والعائد الاستثماري ما زال دون مستوى الطموحات”.
لقد ترددت التعليقات على المقال المشار إليه بين متفق، وبين شاكٍّ في جدوى إثارة الموضوع أساسا، بحُجة ضعف الأمل في تحسن الأوضاع، خصوصا وأن ساعة صفر السنوات العجاف باتت وشيكة، حتى إنَّ البعض يرى أن الاقتصاد المحلي في طريقه إلى التخلي عن أصوله، ليمضي خلف المصير الذي مضت خلفه فنزويلا كنموذج للدول المنكوبة اقتصاديا.
لا نُريد أن نكون بذلك الحجم الكبير من التشاؤم -رغم أن الدلالات قد تكون تؤيده- ولكن وبما أن المقال المشار إليه أعلاه قد ركز على الاستثمار الأجنبي، وتساءل عن سبب ضعف العائد من الاستثمار، فإن السؤال يبدو صائبا للغاية، لا سيما وأن منظمة محايدة (أونكتاد) كانت قد أشادت بالإجراءات التشريعية والإدارية للسلطنة حول تعزيز بنيتها الاستثمارية حسب تقرير الاستثمار العالمي 2020، فلماذا لا يزال العائد من كل تلك التحسينات لا يرقى إلى الطموح؟
عادة، لا يختلف الاقتصاديون -يُراجع مقال خالد الزبيدي المنشور في مجلة “الدستور” عدد 63- في تحديد الأعداء اللدودين لنمو القطاع الخاص بعد الاتفاق على أن في عدم نموه يكمن التهاوي الاقتصادي، وأولئك الأعداء هم، وبحسب الترتيب:
- ضعف البيئة الاستثمارية وعجزها عن جلب رؤوس أموال أجنبية.
- محدودية التمويل وعجزه عن إيفاء حق الشركات الصغيرة والمتوسطة منه.
- نقص الأيدي الماهرة.
لقد أثنى الباحثون الاقتصاديون على الدور الذي يقوم به الاستثمار الأجنبي المباشر (طويل الأجل) في تحريك عجلة الاقتصاد، فلقد استفادت دول عديدة منه كالصين وكوريا الجنوبية والأرجواي وغيرها -يُراجع بحث معاوية أحمد حسين حول الاستثمار الأجنبي وأثره على النمو والتكامل الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي- فهو وسيلة أكثر أمانا من القروض، ويجعل الحصول على تكنولوجيا متقدمة أمرا سهلا للغاية، ويخلق فرصا وظيفية عديدة، فضلا عن دوره في توفير الأيدي الماهرة، وحتى فتح أسواق جديدة.
فلماذا لا تزال بيئتنا الاقتصادية غير جاذبة للاستثمار الأجنبي بمستوى الطموح، حتى تكون العوائد أيضا بمستوى الطموح؟
باحثون اقتصاديون محليون يقترحون التالي لتحسين البيئة الجاذبة للاستثمار الأجنبي:
1- زيادة عدد القطاعات التي يمكن للأجنبي أن يستثمر فيها.
2- رفع نسب مساهمته الاستثمارية
3- تسهيل الإجراءات إلى حد رفع شعار (إنهاء كافة المعاملات في غضون ساعة واحدة فقط، وليس يوما واحدا، علما بأنَّ البعض يقول بأن الإجراءات قد تحسَّنت بحيث بات بالإمكان الانتهاء منها في غضون شهر واحد!).
4- تسهيل عمليات تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بمبالغ تؤدي إلى نجاحها، وعدم إضعافها بفرض نسب فوائد عالية تعيق نجاحها.
لا ينبغي أن تعمل الدوائر المعنية بشكل مستقل عن الآخر؛ بحيث أن الجهات المعنية بجلب الاستثمار الأجنبي تعمل في جهة، في حين أن البيرقراطية لا تزال تعيق العمل من جانب، والمصارف المحلية لا تزال تسعى لفرض النسب العالية للفوائد ومنح قروض لا تجدي لقيام المشروع ونجاحه، من جانب آخر.
الحصيلة إذن تكمُن في نمو القطاع الخاص، وبنموِّه تنبثق الوظائف، وتتحسَّن الأوضاع. وبقي أن نشهد حِزمًا من الخطط والقرارات التي تعمل على إنمائه، فهل سيكون هذا عسيرا في العهد الجديد لبلادنا؟