حيدر بن عبدالرضا اللواتي – الرؤية
الجائحة نتج عنها الكثير من الإيجابيات والسلبيات للمجتمعات الخليجية وعلى مستوى دول العالم فيما يتعلق بالعمالة الوافدة. فعلى مستوى السلطنة هناك مجموعات جديدة من العمالة الوافدة أعلنت عن رغبتها في السفر نهائياً من السلطنة، يصل عددهم حوالي 19.5 ألف عامل في ظرف أسبوعين مُقبلين، غير تلك المجموعات التي غادرت البلاد في غضون الشهور العشرة الماضية، ومغادرة هؤلاء الجُدد من العمالة الوافدة تأتي بناءً على قرار وزارة العمل الذي أعفت بموجبه أصحاب العمل والقوى العاملة الوافدة من كافة الرسوم والغرامات المترتبة عليهم شريطة مغادرتهم النهائية للبلاد مع نهاية الشهر الحالي.
أمر جيِّد أن يقلل أرقام هذه العمالة وتحل محلهم العمالة الوطنية، رغم أنَّ الكثير من المهن التي تشغلها العمالة الوافدة غير مرغوب العمل بها من قبل العمالة الوطنية. ولكن نتائج تراجع العمالة الوافدة يتحملها أيضاً عددٌ من المواطنين المستثمرين، خاصة ممن استثمروا أموالهم الخاصة في مجالات البناء والعقار، وممن حصلوا على تسهيلات مصرفية مُقابل فوائد سنوية تصل إلى 6% أو أكثر لاستكمال العمارات والمباني لتسكين العمالة الوطنية والوافدة. ولقد أصبح هؤلاء المستثمرون يُعانون اليوم من أمرّين، من عدم وجود المستأجرين من الأفراد للسكن في تلك المباني، بجانب التزامهم تجاه البنوك بدفع الأقساط الشهرية مُقابل التسهيلات المصرفية التي حصلوا عليها للبناء، مع عدم معرفتهم في فترة أخذ القروض بقدوم الجائحة ونتائجها السلبية على مشاريعهم المستقبلية، وما إذا كانت هناك مشاكل وقضايا أخرى تنتظرهم في الفترة القادمة. إنِّهم كانوا كبقية الشعوب والحكومات يجهلون المخاطر القادمة دون أن تكون لديهم الخُطط والاحتياطات اللازمة للعمل بها في مثل هذه الأوقات الصعبة.
الذين يرغبون في مغادرة البلاد اليوم معظمهم يملكون تصاريح الإقامة في البلاد، ومن القلة التي بقيت في البلاد بشكل غير شرعي بجانب من جاؤوا بتأشيرة الزيارة أو السياحة وبقوا مُعلقين هنا للاستفادة من الوضع الاقتصادي قبل الجائحة. ورغم ذلك، فإنَّ عدد العمالة الوافدة في البلاد يصل اليوم إلى 1.2 مليون عامل بعدما تناقص عددهم في الأعمال الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص في آن واحد خلال فترة الجائحة.
وبالرغم من أنَّ العمالة الوافدة كانت ترتكب مخالفات تجاه أنظمة وقوانين العمل خلال السنوات الماضية، إلا أنَّ عددها كان يتزايد عاماً بعد الآخر خلال العقدين الماضيين، فيما كانت وزارة العمل تقوم بتنظيم سوق العمل من خلال القرارات التي كانت تتخذها في هذا الشأن، حيث كانت المؤسسات وأرباب العمل يتعرضون إلى دفع المُخالفات نيابة عنهم، وكان يتم أيضاً ترحيل الآخرين وحرمانهم من دخول سوق العمل مرة أخرى، كما يحصل الآن مع الذين يرغبون في الخروج طوعاً ومغادرة البلاد بشكل نهائي.
بعض أفراد هؤلاء العمالة الوافدة يعملون في مهن إلكترونية وكهربائية وفي تصليح الأدوات المائية وفي الكثير من الخدمات والأعمال الخاصة في المنازل كالزراعة والنظافة وبأسلوب الدوام الجزئي. ومع رحيلهم من المُتوقع أن تزداد قيمة وأسعار الخدمات التي تحتاح إليها المؤسسات الفردية في الشركات والمنازل، في ذات الوقت تَفتح هذه المُغادرة للعمالة الوافدة فرصاً جديدة للعمانيين لتأسيس مشاريع خاصة بهم، وفتح مؤسسات الخدمات التي يحتاج إليها الناس في المحلات والمنازل والمباني.
ومن هذا المنبر أطرح حلاً لحل مُعضلة العقار القائمة من خلال قيام المؤسسات الحكومية والشركات الكبيرة والصناديق بشراء العمارات والمباني القائمة الفارغة ومنحها للموظفين العاملين لديها مقابل خصم قسط شهري من رواتبهم الشهرية على مدى السنوات الـ 25 القادمة، بحيث يرتاح هؤلاء الموظفون والعاملون من دفع الإيجارات الشهرية. وهذا معمول به في بعض الدول مثل سنغافورة التي تمنح موظفيها مثل هذه الامتيازات والحوافز في حياتهم، ويتم خصم بقية المبالغ بعد تقاعدهم من الأعمال. وهذا يُعتبر في حد ذاته نوعاً من الادخار للحكومة والمؤسسات الخاصة والعاملين في تلك المؤسسات، بحيث يبقى الموظف والعامل يهنأ هو وأفراد عائلته في حياته وأثناء عمله وليس لاحقاً عندما يُصاب بالكبر والعجز. ومع وجود شركات التأمين فإنَّ هذه القروض ستكون مؤمنة في حالة حصول أي أمر سيئ – لا سمح الله – للموظف أو العامل. ومع دخول الأموال الجديدة إلى السوق سوف تحرّك الكثير من الأنشطة الاقتصادية التي تضررت من الجائحة خلال الشهور الماضية، فيما يتَّجه الموظف والعامل إلى مزيد من الاقتصاد والادخار في حياته وأثناء عمله. وهذه الخطوة سوف تشجع المؤسسات والشركات العمانية على توظيف مزيد العمالة الوطنية، والسماح لها بالاستعانة بالعمالة الوافدة للعمل في المهن التي لا يقبل عليها العمانيون.