Image Not Found

الادخارات في زمن الجائحة

حيدر اللواتي – لوسيل

الادخارات التي كونّتها بعض الشعوب والحكومات في السنوات المنصرمة من حياتها، أصبحت اليوم عوناً لهم في مواجهة تداعيات الجائحة التي ستكمل عامها الأول خلال شهر يناير من العام المقبل.

واليابانيون إحدى الشعوب التي تهتم بالإدخار منذ الصغر بالرغم من توافر مزايا وأساليب الترفيه والادوات والسلع المختلفة في بلدهم. إلا أنهم يدخّرون ويستفيدون من إدخاراتهم، كما يفيدون الدول الأخرى لأنهم من الشعوب التي تبتعد عن التبذير والاستهلاك الكبير، عكس بعض الشعوب الأخرى التي تقترض من أجل العيش والترفيه والتبذير. فالجائحة اليوم تغّير هذه المعادلات، بحيث أصبح الكل مهتماً بما لديه من أموال لإنفاقها وقت الضرورة والحاجة، خاصة ممن فقدوا الكثير من أموالهم وتجاراتهم بسبب الاغلاق للمؤسسات بعدة أشهر بسبب هذا الوباء.

لقد تناولت قضية اليابانيين تجاه الادخار بالكثير من التفاصيل في اطروحة الدكتوراة قبل سنتين كنموذج للشعوب التي تهتم بالادخار منذ الصغر، حيث يعملون على الاستفادة من مبالغهم المدخرة على شكل إيداعات في عمليات التنمية الاقتصادية، وفي تعزيز الاستثمارات الداخلية، بجانب الترفيه عن أنفسهم، بالاضافة إلى اقراض الدول الأخرى. وهذا ما جعل اليابان واحدة من أكثر الدول الدائنة بمدخراتها الكبيرة التي يتم جمعها من الافراد وربات البيوت وغيرها من الفئات الاخرى.

وهذا ما تناوله مؤخراً إقتصادي هندي موضحا أن اليابانيين يوفرون الكثير، ولا ينفقون من المال إلا ما يحتاجونه، في الوقت الذي تتميز فيه اليابان بتصدير المنتجات إلى العالم بأكثر مما تستوردها، الأمر الذي يزيد من فائضها التجاري سنويا بأكثر من 100 مليار دولار، وهو عكس الأمريكيين الذي ينفقون الكثير من الأموال، ويستوردون من العالم أضعاف بحيث أصبح العجز التجاري لديهم بأكثر من 400 مليار دولار سنويا.

ونظرا لحاجة الشعب الأمريكي ومن على شاكلته، فانهم يتجهون نحو الاستدانه من دول كاليابان والصين وكوريا والهند وغيرها، وبالتالي تتحول تلك الأموال على شكل استثمارات ومشاريع وشراء السندات والعملات الأجنبية والضمانات بالعملة الأمريكية ليستمتع بها الاقتصاد الامريكي. وهذا الأسلوب ظل لسنوات عديدة مستمراً، ولكن يتغير الآن في ظل التهديدات والحروب التجارية والضرائب غير المقنعة التي تفرضها أمريكا في الرئاسة الحالية لترامب الذي يحارب كل ما هو غير أمريكي، وبالتالي تضطر الحكومات والشعوب إلى إتخاذ اجراءات وقرارت مضادة ومنها عدم التسهيل في تقديم القروض للدول الأخرى.

لقد تمكنت أمريكا في الاعوام الماضية من أخذ أكثر من 5 تريليون دولار من العالم من إدخاراتهم، لتنفقها على مؤسساتها التي تتميز بالاستهلاك الكبير. وبالتالي يمكن القول بأن دولاً كاليابان والصين والهند ومثيلاتها هي من تستثمر في أمريكا من خلال تقديم تلك المبالغ. ولدى العرب مثلاً شعبيا في هذا الشأن يقول: «كِدّي يا غزالة، وكُلي يا سبالة» الذي ينطبق في هذه الحالة التي تمر بها الدول في عمليات الادخار والاستثمار والاستدانة.

العالم سوف يستمر في هذه الحالة ما دامت هناك شعوب تدّخر وأخرى تنفق بسخاء، إلا أن الجائحة علّمت الكثير من الدروس للشعوب وخاصة الأمريكي بضرورة الادخار حتى لا يرى نفسه مرمياً في الشارع كما هو حاصل اليوم بسبب تفشي هذا الوباء الذي قضى على آلاف الامريكيين في ظرف الشهور القليلة الماضية.