مُحسن جمعة محمد اللواتي – الرؤية
إنَّها لوقفة لصرخة لاحمة-بحق البيت العتيق- في جدار الأمة المسداة عن الدمار من كوارث الرق والاذلال، صوتها الداوي ينتشر في جغرافية العروبة وديار المسلمين ترّن في الأسماع الشرف والحمية والإيمان، إنَّأرض مجان رفعت علمها في فضاء سفارتها العريقة على أديم الشامات الغنية أرضها،زرعا وتاريخا وجمالا بشربا وبمنمقات الورود والأزهار وتوارث ثقافي وتفاعل علمي.
فتقول في نُطق صرختها يا أبناء العروبة لا تتخلوا عن بلاد الشام، ولا تسلموها لأعداء الله ورسوله الصهاينة، وأنقذوا قدس الأقداس الشريفة بسخاء مواقفكم الإنسانية وأموالكم، وقفوا سدا منيعا عن تسليم أرض فلسطين لمشاريع تحويلها صهيونيًّا ومن السدود القوية لهذا الأمر تقوية سوريا لا إضعافها؛ فالعمر قاصر وحساب المولى عسير.
إنَّ النسيج العُماني الرابط لأواصر العروبة، المشدود إلى مبادئ الدين القويم، وأن رجالات ومفكري الطرق الإباضية استقوا من منبع أصيل لرجالات الإسلام؛ فمثلا أبو بلال مرداس بن أديه التميمي الزاهد كان من أتباع أمير المؤمنين علي -كرم الله وجهه- وحارب معه في الصفين، لكنه انتقل مع من خرج على سيدنا علي كرم الله وجهه، وقد هاله ما آلتإليه حروب الخوارج من مآسٍ، فانضم مع كتلة القعدة منخرطا في الحركة السرية الذي تزعمها أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي ولازم المدارس والمجالس السرية بزعامة أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي.
ترأس أبو بلال جماعة القعدة في البصرة، وعندما اشتدت حملة ابن زياد عليهم، وسجن شيخهم ثم أطلق صراحة خشية قبيلة بني تميم التي كان أبو بلال ينتمي إليها لكنه أحس بعدم الأمان فهاجر إلى آسك بإيران، وقاد النضال منها والحروب. ومن وصيته لأصحابه المقاتلين عدم تخويف المسلمين من أصحاب آسك، ولا يجردوا سيفا إلاّ ممن حاربهم، وعند خروجه من آسك وهو في حرب مع ابن زياد، وقد صادف مالا وفيرا لابن زياد ولم يُصادره بل أخذ حصته منه كأي فرد من المسلمين معه ووزع البقية على المحاربين حسب حصة بيت المال.
وأساس تأثير أبي بلال في التوجيهات الدينية هو أصل منبعه ما استقى من مصادر علماء الشريعة، والظاهر أنه سلك طريق السير والسلوك الذي أدى به إلى الزهد فالزهد هو أساس السلوك صفة العدل، وهذا ظاهر في مختلف وصياته لأصحابه وأثر ذلك في حكمهم ولهذه السجية العدلية، نرى في عمان أقواما عديدة فبجانب الصبغة الأباضية أعدادهم كبيرة فهناك أعداد كبيرةمن السنة أيضا،مع غيرهم.
ذكرنا هنا سيرة أبي بلال مرداس وأثره في بناء التأريخ ونسيج البناء الاجتماعي، فهناك العديد من الذين سبقوا أبي بلال ولهم أثر عدلي وأخلاقي وتنظيمي اجتماعي المبني على أسس الفضائل الشريعة الموروثة لكآفة جوانب الحياة دينا ودنيا.
إنَّ المؤسسين الأساسيين للمذهب الأباضي على الأسس الإسلامية؛ هم: الإمام جابر بن زيد الأنصاري أخذ العلم من أو على سبعين بدريا تعلموا وأخذوا علوم الشريعة من شخص رسول الله -صلى الله عليه وآله وصحبه. وأبوعبيده مسلم بن أبي كريمة التميمي، وقد ولي أمر الأباضية بعد وفاة الإمام جابر ابن زيد وكان يلقب بـ”الكهف”، لعلمه والتبحر فيه وقد أسس في البصرة مدرسته التي استقطبتطلابه من مختلف أرجاء بلاد الإسلام من عمان وخراسان واليمن وشمال إفريقيا. ولما اطمأن لمقدار تحصيلهم العلمي أمرهم بالرجوع وأداء الرسالة.
وعند دراسة فحوى الحركة الأباضية من الأساس وانتشارها فيما بعد، نرى الأسس المستقيمة وتداول الأمر بين جماعات القعدة وزعماء الحركة المذكورة وغيرهم، هذا التأثير الوسطي المتماسك المؤدي للتعايش مع مختلف فرق المسلمين وعدم الإضرار بهم.
فتح اليمن: دخل أبو حمزة الشاري بمفهوم (129هـ) أن الناس منا ونحن منهم إلاّ مشركا بالله خارجا عن الدين ذلك أثناء الحرب، وكان الشاري يعمل كجندي من جنود طالب الحق عبدالله بن يحيى الكندي الحضرمي، وكان طالب الحق ذا سيرة حسنة وخلق رفيع حصل على تأييد اليمنيين؛ فمع المجاهدين العمانيين انضم معهم رهط كبير من اليمنيين في الجهاد ضد حكم الأمويين الجائر، وسيرة طالب الحق في حضرموت كانت حسنة رفيعة الخلق؛ فحاز ولاء الناس بمختلف مذاهبهم ومنها لقبوه بطالب الحق، ولما دخل طالب الحق صنعاء بعد أن استقر الأمر في حضرموت بعد حربه مع ولاة الأمويين والتغلب عليهم وهم مدبرين، نهى جنده عن مهاجمة المستدبر ثم إنه وقع في يده ضحاك بن زمل وإبراهيم بن جبلة وهما كانا من عمَّال الأمويين في حضرموتأطلق صراحهما فاختارا صنعاء، عندها حبسهما طالب الحق قائلا لا ضير عليكما، وإنما حفظا على حياتكما من غضبة الناس، فإن شئتما امكثا أو شئتما ارحلا، فاختارا الرحيل، ثم جمع جميع الأموال من خزنة الولاة ووزعها على أهل اليمن، ومنع جيشه ومن معه لأنَّ تلك الأموال في شبهة الاغتصاب الذي دأب الأمويون أن يمارسوه على الناس فأرجعها لهم.
وفي عهد أمامة صلت بن مالك، قالت الزهراء في قصيدتها وهي تستنجد بالإمام لنصرة المسلمين وتخليص جزيرة سقطرى:
واستبدلت بالهدى كفرا ومعصية وبالأذان نواقيسا من الخشب
وبالذراري رجالا لا خلاق لهم من اللئام علوا بالقهر والغلب
جار النصارى على واليك وانتهبوا من الحريم ولم يألوا من السلب
كـم مـن منعمة بكـــر وثـيبــة من آل بيت كريم الجد والحسب
تدعو أباها إذا ما العلج هم بها وقـد تلقف منهـا موضـع اللـبب
وباشر العلج ما كانت تظن به على الحلال بوافي المهر والقهب
وتذكُر بعض المصادر أن نداء الزهراء للإمام:
قــل للإمـام الـذي تُرجـى فضائله ابن الكرام وابن السادة النجب
أمست سقطرى من الإسلام مقفرة بعد الشرائع والفرقان والكتب
وفي نهاية هذا المقال، ومن التكامل له أن أنهِي عن الحال الوجداني للأمة العمانية وهي جزء من الأمة العربية والإسلامية؛ ذلك ما أعلن عنه سماحة المفتيالشيخ أحمد بن حمد الخليلي، عن تحريم تسليم القدس وما حواليها للغرباء، وهذه فعلا خلجات قلوب أهل عُمان المحروسين، معبرا سماحته عن الومضات التاريخية الموروثة للمبادئ الحقه فله الشكر كل الشكر.