Image Not Found

أين هو؟

طاهرة فدا – أثير

كانت تجري وهو خلفها تعبت ووقفت نظرت وراءها فلم تجده
تساءلت أين هو؟
أخذت تلف حول ذاتها في حركة دائرية تبحث عنه بلا جدوى
لا أثر له!
أين هو؟ سألت عنه الفضاء، صمت الفضاء العميق
لا جواب، سكون وهدوء غريب مخيف
صرخت تناديه يا أنت
قال: هل تقصدينني أنا
قالت: نعم أنت؛ أين أنت
قال: أنا هنا …هنا هنا… انظري
لفت تنظر بكل اتجاه لكن لا أثر له
قالت: “بسم الله الرحمن الرحيم تو مو هذا جني” (بالعمانية تخاطب نفسها)
جلست على الأرض متعبة يلسعها الرمل الساخن في وسط صحراء قاحلة وهي خائبة الأمل متوجسة من كائن غريب يحوم حولها، هي لا تراه وهو يراها
قالت محدثة نفسها: هو ليس بغريب عني بل أعرفه من سنين طويلة مضت
رد عليها ضاحكًا: منذ متى تعرفينني؟
قالت: “منذ حوالي ٢٢ سنة”
قال: “تذكري كيف التقينا؟”
قالت: “نعم شفتك في عرس حد من الأهل، كنت من أقارب العريس”
قال: “كنت حاطة مكياج ولابسة عباية حلوة شفافة وفستان ناعم ولماع”
قالت: “صح …وأنت سألتني أنتِ أخت سالم؟”
قال: “وأنت سألتني كيف تعرف أخوي؟ جاوبتك وقلت لك هو زميل دراسة”
قالت: “وبعدها بأسبوع جيت تخطبني”
قال: “فعلا جيت مع أخوي وعمي”
قالت: “لكن ليش اخترتني كزوجة لك؟”
قال: “حسيت أنك الزوجة المناسبة”
قالت: “غريبة وهل الإحساس جاك في أسبوع واحد فقط”
قال: “كان عمري صغير، كنت في العشرينات”
قالت: “وأنا كان عمري ١٧ سنة وكنت في المدرسة الثانوية، تعرف أذكر أني بكيت في ليلة العرس، كنت خايفة منك لأني ما أعرفك زين ولأني ما بكمل دراستي الجامعية وبنشغل بأمور الزواج والأسرة، بس أمي طمأنتني وقالت يا بنتي الكل يخاف بس بعدين يتعود لكن الألم والخوف ما راح والإحساس بالفراغ يقلتني إلى اليوم”
قال: “تراش ما تسمعي الكلام بس تطلبي وتعطي أوامر وتصرخي”
قالت: “يعني لو طلبت نخرج سوا في الأسبوع مره علشان نتعشى في مكان راقي صار هذا أوامر! ولو طلبت نسافر مثل الأوادم صار أوامر”
قال: “أنا إنسان بيتوتي ما أحب أطلع ولا آكل برع، يكفي نسير بيت الحيان ناكل، وش لو داعي نروح المطعم الفلاني والعلاني وندفع مبلغ وقدره في فاتوره ما لها داعي، بعدين الحرمة لازم تطيع زوجها طاعة عمياء يعني بس تقول حاضر وتسكت وما تناقش زايد، كذاك صفات الزوجة المحترمة”
قالت: “ما كنت أحب أننا نناقش اختلافاتنا في الآراء حول الحياة الزوجية قدام ابننا حمد لأنه كان يتضايق”
قال: “شفتي كيف إنك أم غير صالحة”
قالت: “يعني تو أنا اللي أم غير صالحة! كنت أرجع من الدوام أطبخ وأغسل وأسبّح حمد وأسوي معاه واجباته وأعشيه وأنومه والصبح أقومه حال المدرسة وأوصله بطريقي وأرجعه معاي من المدرسه، وأنت حضرتك نايم وتقلب القنوات”
قال: “ترا هذا واجبك الشرعي يا سلمى. كل أم تسوي كذا. بعدين أنا كنت أدفع قسط المدرسة تذكري”
قالت: “وأكثر من مره أنا دفعت قسط المدرسة”
قال: “ترا كان علي ديون مال بيتنا اللي بنيناه بالأقساط ”
قالت: “كنت أحس أنك بعيد عني وما تحس بتعبي وجهودي وابتعدنا عن بعض حتى في الفراش”
قال: “الرجال لما ما يرتاح مع حرمته يدور راحته برع وبصراحه من حقه لأنه يشتغل ويتعب ويريد زوجه تدلعه”
قالت: “وليش ما كنت تساعدني علشان ندلع بعض”
قال: “ترا ما شغلي، هذا واجبك أنت يا الزوجة الفاضلة، مهمتك تساهمي بالبيت من الناحية المادية والمعنوية”
قالت: “في أي مذهب هذا؟”
قال: “أرجوش لا تدخلي المذاهب بالنقاش، أمي وأمك وكل الحريم يسووا كذاك”
قالت: “وليش زوج أختك ما خلاها تشتغل وتكفل بكل مصاريف الحياة وحده”
قال: “لأنه هي شاطره ومريحتنه”
قالت: “دايما النقاش معاك ما مفيد وينتهي بلا حل”
قال: “تراني تعبت أفهمك الصح من الخطأ”

بحركة لا إرادية حسّت نفسها أنها تحفر في الرمل، وهي تتحدث معه إلى أن أصبحت الحفرة عميقة ووجدت نفسها تدفن ياسين زوجها في الحفرة

ترن ترن ترن ترن

صوت المنبّه بأذان الفجر

فتحت سلمى عينيها ورأت نفسها تلبس بيجاما ناعمة تحمل اسم ماركة فرنسية مشهورة عليها طبعات من زهور المارجريتا بألوانها الزهرية والبيضاء، وهي في غرفة نومها على سريرها. كانت منذ سنين تنام في غرفة منفصلة عن زوجها. نهضت من الفراش وذهبت كي تتوضأ وتصلي. صلّت ثم استخارت ربها. بدلت ملابسها كي تذهب إلى مكتبها، تذكرت أن لديها اجتماعًا مهمًا اليوم فهي رئيسة قسم الآن بعدما أكلمت دراستها الجامعية بمعدل ممتاز. ألقت آخر نظرة على وجهها قبل الخروج من المنزل وتذكرت كم الزمن كان له دور في نحت ملامحها لكن قالت في نفسها “بعدني حلوة”

نزلت درج المنزل وأخذت مفتاح سيارتها الفارهة وتوجهت للمكتب وفي طريقها طلبت كوبًا من القهوة المفضلة لديها.

وصلت المكتب ونظرت إلى صورة ولدها حمد الذي كان في بريطانيا يكمل دراسته الجامعية، قبّلت صورته وهي تدعو له بالرجوع بالسلامة، ثم أرسلت لزوجها رسالة نصية كتبت فيها ” اتصلت بالمحامي علشان أطلب الطلاق”، ولأول مرة انتبهت لمزهرية على طاولة مكتبها فسألت السكرتير: “من جاب هل الورد الحلو؟”
رد عليها: “أم حمد هذا الورد هنا من سنين لأنه صناعي مش طبيعي”
قالت: “ممكن تطلب لي ورد طبيعي ويكون لونه وردي”