حيدر اللواتي – لوسيل
بالرغم من التوصيات التي يصدرها بنك التسويات الدولية الذي تأسس عام 1930 بمدينة بازل بسويسرا كل مرة، وحرصه على تقديم اللوائح الصارمة للبنوك المركزية بضرورة نشرها واتباعها التعليمات في المعاملات المصرفية العالمية ومن بينها مكافحة غسل الأموال، فإن الأخبار التي وردت مؤخراً بقيام بعض البنوك العالمية بعمليات غسل الأموال لمبالغ قذرة تقدّر بنحو تريليوني دولار خلال السنوات (1999 – 2017) صدمت الحكومات والبنوك المركزية في العالم.
فأين كانت أجهزة الرقابة والإشراف والتدقيق في البنوك المركزية والتجارية والمراكز الاستخباراتية والأمنية في العالم من متابعة هذه القضايا خلال العقدين الماضيين؟ ولماذا يتم تسريبها اليوم؟ الأخبار التي وردت وفق التقرير الصحفي للاتحاد الدولي للصحافة الاستقصائية آي سي آي جيه (ICIJ) يؤكد أن تلك الأموال ما هي إلا عبارة عن أرباح ناتجة عن مجموعة من الحروب التي اندلعت في العالم خلال العقدين الماضيين، ومنها بعض الحروب في المنطقة العربية، بجانب أموال عصابات المخدرات، والاتجار بالبشر، والاتجار غير القانوني بالسلاح والثروات المنهوبة من بعض الدول النامية، بالإضافة إلى مدخرات جمعها المهربون من تلك القضايا.
فمعظم العصابات العاملة في هذا الشأن نجحت في تحريكها وتداولها من خلال أكبر مصارف عالمية تعمل بعضها بقوة بدول مجلس التعاون الخليجي، حيث وردت أسماء بعض البنوك المركزية الخليجية التي تورطت في هذه العمليات نتيجة لتسامحها في عبور تلك التدفقات المالية القادمة من أكبر المصارف العالمية. التقرير تناول آلاف الوثائق المسربة حول الأنشطة المشبوهة التي تم تقديمها لوكالة مكافحة الجرائم المالية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية الذي يعمل على مراقبة الأموال المحولة سواء داخل أمريكا أو خارجها باسم «تسريبات فينسن».
بعض هذه الوثائق تحمل أسماء لشركات عربية تعمل في مجال إنتاج النفط والغاز، وأخرى لمؤسسات تعمل في دول في أمريكا اللاتينية، وفي كثير من دول العالم، الأمر الذي يؤكد بأن البنوك شهدت اختراقات وفجوات وعمليات فساد في إجراءات الحماية، بحيث تمكن المجرمون من استغلال تلك الثغرات والقيام بعمليات تهريب الأموال القذرة. الأيام القادمة ستكشف المزيد من أسرار هذه العمليات، إلا أن ورود أسماء بارزة لمصارف عالمية مثل «جاي بي مورغان تشايس» و«إتش إس بي سي» و«ستاندرد تشارترد» و«دويتشه بنك» و«بنك نيويورك مالون»، تضع علامات استفهام كبيرة أمام الجميع، في الوقت الذي نعرف أن بعض تلك البنوك تقوم بتقييم اقتصادات الدول من حيث القدرات الائتمانية لها وفي إدارة الأصول والقروض للمؤسسات المصرفية والمالية وفي تمويل الأنشطة الدولية.
فهل هذه التقارير ستعزز حدوث اضطرابات في الأسواق المالية والمصرفية، وفي عدم الاستقرار النقدي والمالي للاقتصاد العالمي خاصة في حالة اكتشاف بنوك وشخصيات أخرى متورطة في هذه العمليات؟ وهل يمكن لبنك التسويات الدولية من خلال تعليماتها للبنوك المركزية في العالم تستطيع تفادي الوقوع في شراك الأزمات المالية العالمية خلال السنوات القادمة في وجود آلاف الشركات الوهمية في العالم؟ سؤال مطروح على الساحة الدولية في ضوء اكتشاف هذه العمليات القذرة في البنوك العالمية. ما يهمنا هنا هو أن نبعد الشبهات عن مصارفنا الخليجية وضرورة وقف تلك العمليات في جميع الحالات، وإلا ستصبح المنطقة هدفاً للفساد والفوضى في العالم.