عُمان – كتبت: وردة بنت حسن اللواتية
خلال جائحة كورونا تغير الكثير من روتين حياتنا اليومية، حيث قلّت حركتنا عن السابق لبقائنا في المنزل أغلب الوقت، خاصة أن الطلاب توقفت مدارسهم منذ مارس الماضي، والموظفون أصبحوا يعملون من البيت، إلى جانب التفكير بالمرض والقلق منه، وأدى كل هذا إلى انتشار اضطرابات النوم بين الناس.
ويقول د .يوسف بن علي الملَا من وزارة الصحة إن الأزمة التي أحدثتها جائحة كورونا أوجدت مناخا عاما من القلق، مما أدى إلى زيادة مستويات التوتر منتهيا بالأرق واضطراب النوم حتى لدى الأشخاص الذين لا يعانون منه عادة. في حين أنه من الصحيح أن النوم الجيد ضروري للصحة في الأوقات العادية إلا أنه أضحى ضحية أخرى من ضحايا كوفيد19، وبات أكثر أهمية في هذه الفترة والتي مرت علينا من العزل أو التباعد الاجتماعي .
فالنوم معقد للغاية ويمكن أن يستغرق إصلاح الأنماط المتقطعة فيه وقتًا، ولعل واحدة من أقوى أدوات ضبط ساعة الإيقاع اليومي (إيقاع الساعة البيولوجية للإنسان) هي ضبط وقت الاستيقاظ، فالساعة البيولوجية تلك هي الساعة الداخلية في الدماغ التي تساعد في تحديد أنماط النوم.
ولقد سمعنا طوال حياتنا أن وقت النوم يجب أن يكون قبل ثماني ساعات من وقت الاستيقاظ، لكن هل تعلم أن قضاء أكثر من ثماني ساعات في السرير سيقلل من فرصة تعزيز النوم الجيد؟ هذه الساعات الثماني هي إجمالي الوقت الموصى به وليس الحد الأدنى!
نظام المناعة
وأوضح: يجب أن ندرك أنَه لا يزال نظام المناعة حتى اليوم هو سلاحنا الوحيد لمحاربة هجوم فيروس كورونا، فالنوم العميق في الليل يمكن أن يقوي جهاز المناعة الطبيعي في جسمنا؛ حيث تظهر الأبحاث أن النوم يمكن أن يعزز إنتاج الخلايا التائية في جسم الإنسان، وهي نوع من خلايا الدم البيضاء التي تتحكم في كيفية استجابة جهازنا المناعي عند دخول أي فيروس إلى جسمنا.
ناهيك أنَه عندما نتمكن من إكمال دورات النوم الأربع بنجاح، يمكن لجسمنا بشكل فعال إنتاج وإطلاق نوع من البروتين يسمى السيتوكين، والذي يمكن أن يساعد جهاز المناعة لدينا على الاستجابة ضد أي هجوم ميكروبي بسرعة.
وذكر أنه عندما نحصل على نوم جيد، يمكن لعقلنا أن يعمل بشكل أفضل في القيام بالتفكير المعقد والتعلم والحفظ واتخاذ القرار. وبالنسبة للأطفال والكبار على حد سواء، فإن النوم السليم المنتظم لا يحسن المزاج ويمنع القلق فحسب، بل يحافظ أيضًا على مستوى الطاقة مرتفعًا ويساعدهم ويحسن من أداء الأشخاص بشكل وبآخر.
وهنا من الجيد أن نعي أنَ الأرق يسبب صعوبة في النوم، أو صعوبة الاستمرار فيه، ويمكن أن تكون الحالة قصيرة المدى (حادة) أو يمكن أن تستمر لفترة طويلة، ولعلَ الدوافع الرئيسية للأرق المصاحب لكوفيد19 يتمثل في الإجهاد أو التوتر وتغيير العادات.
تغير السلوكيات
وأشار د.يوسف: أثناء الفترة الماضية خاصة مع التباعد الاجتماعي أو العزل المنزلي، ونظرًا لأن بعض الناس عاطلون عن العمل والأطفال خارج المدرسة، فإن العادات والسلوكيات التي اعتدنا عليها قد تغيرت بشكل لا يمكن إنكاره.
فازداد الميول للنوم والقيلولة، والبقاء لوقت متأخر بشكل ملحوظ، مع شرب المزيد من المنبهات والقهوة على سبيل المثال، وتناول الطعام بالقرب من وقت النوم، وتغيير أو تقليل التمارين، مع استمرار القلق والتفكير لمنتصف الليل.
وأضاف: طبعا بات جليا بأنَ الحياة قد تغيَرت منذ انتشار فيروس كورونا، وأبدى الناس عن زيادة قلقهم والمخاوف المتعلقة بعدم اليقين والتي تسود المجتمعات، مترقبين علاجا ناجعا، وتحصينا ضد هذا الفيروس.
وهذا ما أكدته الدراسات الأخيرة إلى أن هناك زيادة في عدد المرضى أو الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في النوم، مع الشكوى من تأخر النوم وتقطعه وضعف نوعيته، نتيجة للاستمرار المفرط للقلق وفرز هرمون الكورتيزول استجابة للإجهاد والتوتر المستمر .
التوتر
وتابع موضحا: بكل أسف الإجهاد والتوتر أثقل كاهل المجتمعات، ومن الصعب إيقاف التوتر لأن عالمنا يهتز الآن بهذه الجائحة، فمثلا يحاول الآباء إدارة العمل من المنزل إن استطاعوا، وهناك من يحاول خلق بيئة مناسبة لأطفالهم في الجو الخانق للجائحة، ومساعدة أطفالهم للاستعداد ربما للعام الدراسي المقبل، إضافة إلى الضغوط المالية، وعدم اليقين بشأن الأمن الوظيفي، ونقص رعاية الأطفال، وتعطيل الروتين اليومي.
كما قد تكون قلقًا بشأن الإصابة بالعدوى أو مرض أحد أفراد أسرتك، أو قد تصبح مهووسًا بالأعراض المتعلقة بالفيروس حتى لو كانت بسيطة. وبلا شك هنالك الكثير من عدم اليقين وهذا لا يناسب الناس، كما قال: الاضطرابات وعدم اليقين -ان صح لي التعبير- يعطل نومنا، سواء أخذنا وقتًا أطول قليلاً للنوم، أو الاستيقاظ قليلاً أو الذهاب إلى الفراش بعد قليل .
ولعل التنويه هنا إلى أنَ اضطرابات النوم المرتبطة بالقلق تشمل الأحلام المزعجة وصعوبة النوم أو الاستمرار في النوم.
فالحرمان من النوم أمر مخيف بشكل خاص هذه الأيام، لأن النوم المضطرب يمكن أن يتسبب في ضعف الجهاز المناعي، مما يجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة بالفيروس، بل ويمكن أن تؤثر قلة النوم أيضًا على سرعة تعافيه إذا مرض.
ناهيك أنَ اضطرابات النوم قد تكون مؤشرا لتطور أمراض أخرى مستقبلا كالشلل الرعاشي أو ارتفاع ضغط الدم، إضافة إلى أن هكذا اضطرابات قد تزيد السمنة وتضعف الأداء الوظيفي، فالأفراد الذين يقضون وقتا أكبر متابعين أخبار الفيروس، هم أكثر عرضة للإصابة بأعراض الاكتئاب أو اضطراب النوم.
كما أن الاستمرار بالقلق والأرق، قد ينتهي بالبعض إلى معايير تشخيص الأرق المزمن، ومنها عدم القدرة على النوم في غضون 30 دقيقة أكثر من ثلاث مرات في الأسبوع لأكثر من ثلاثة أشهر، وهنا يجب أن أكد بأنَ المخاوف من العدوى وآثارها الاقتصادية ليست سوى سبب واحد للحالة.
ضوء النهار والضوء الأزرق
ويشير د.الملا أنَ التباعد الاجتماعي خلال الأشهر الماضية، والعزل المنزلي لبعض الحالات، أضاف سببا آخر للشعور بالخمول الدائم، وهو نقص التعرض لضوء النهار الطبيعي، وهي بلا شك الإشارة البيولوجية الرئيسية للتنبه، وهذا ما لا يتوافر في الضوء الاصطناعي داخل المنزل، ويشرح هذا الفارق بأن الجسم يفرز قبل النوم وخلاله هرمون الميلاتونين الذي يتناقص مع اقتراب الصباح ويتوقف كليا مع ضوء النهار، إضافة إلى الإفراط في القيلولة أثناء النهار
وأشار إلى نقطة مهمة منتشرة في المجتمع، حيث قال: بكل أسف صار الكثيرون يفرطون في البقاء أطول أمام الشاشة أكثر من أي وقت مضى سواء بمشاهدة التلفاز أو الأجهزة اللوحية الأخرى، والتي بشكل وبآخر تؤدي إلى انبعاث الضوء الأزرق من تلكم الأجهزة، منتهية إلى تعطيل إنتاج الجسم لمادة الميلاتونين في الليل، وهو هرمون يساعد في تنظيم دورة النوم والاستيقاظ.
ولمنع هكذا سلوك من التدخل في النوم، يجب عليهم استخدام مرشح الضوء الأزرق المنخفض أثناء المساء، ومحاولة التوقف عن استخدام الجهاز قبل ساعة على الأقل من النوم.
إرشادات
وقال د.يوسف: بلا شك أنَ جائحة كورونا تركت نفوسًا محطمة، ووضعت أنماطًا جديدة للبشر، وخلقت حالة نفسية تكاد تكون جماعية بكل مكان بالعالم، ولكن عندما يكون لدينا ضغط بسبب عوامل خارجة عن سيطرتنا، فإن وسيلة تقليل التوتر هي حصر التركيز على الأمور التي تقع في نطاق سيطرتنا.
وفي ظل الظروف الحالية، فإن ما هو تحت سيطرتنا بشكل أساسي هو تكيفنا مع تغييرات نمط الحياة التي تفرضها، ولذلك يجب تعلم والتقيد ببعض الإرشادات تجنبا لهكذا اضطرابات منها:
الانتظام بموعد النوم والاستيقاظ، وتعريض نفسك لأشعة الشمس قدر الإمكان لكي تساعد على تحسين مزاجك وتنظيم ساعة الجسم البيولوجية . طبعا ما لم تكن قد نمت قليلًا جدًا في الليلة السابقة، من المهم تجنب النوم أثناء النهار أو بعد الظهر، لأن هذا يقلل من ضغط النوم ويزيد من خطر الإصابة بالأرق.
وأكد قائلا: لعل من بعض تلكم النصائح والتي دائما ما نؤكد عليها، وهي أن لا تمكث في السرير لأكثر من نصف ساعة بعد الذهاب إلى الفراش إذا كنت لا تنام، فعندما يتأخر النوم، من الأفضل النهوض من السرير والقيام بنشاط هادئ والعودة إلى الفراش فقط عند ظهور علامات التعب، فمن المهم في هذه الأزمة أن يكون الناس أكثر يقظة بشأن سلوكياتهم.
إلى جانب اتباع أسلوب حياة صحي بدلاً من اللجوء إلى الأدوية للنوم أكان في المواقف العادية أو أثناء التباعد الاجتماعي مثلا، مع تذكر أنه لكي تتمكن من العمل بشكل فعال، وتناول الطعام الصحي، والاستمتاع باللعب، والعناية بأحبائك في الأوقات العادية أو أثناء هذه الجائحة، فعليك أن تنام جيدا.