حيدر أحمد اللواتي – عٌمان
ينبهر الانسان وهو ينظر إلى التطور المذهل التي وصلت اليه المعرفة البشرية في مجال العلوم الطبيعية، وكيف استطاع الانسان أن يسيطر على الطبيعة ويتمكن منها، ووصل الغرور بنا في بعض مراحل البشرية بأن ظننا أن بإمكاننا أن نلم على معرفة كاملة بالعلوم الطبيعية، فعندما طرح لا بلاس على نابليون فهمه للعالم والقوانين الفيزيائية السائدة فيه وكيف أن بإمكان البشرية معرفة المستقبل من خلال تطبيق قوانين نيوتن وكل ما نحتاج اليه هو معرفة متغيرات الوقت الحاضر، سأله نابليون ولكن اين الله في منظومتك، فأجاب لا بلاس: انني لا أحتاج الى فرض وجوده!!!.
ولذا قفز السؤال أمامي ترى لو حاولنا القيام بتحديد كمية المعرفة البشرية للعالم المادي فكم ستبلغ هذه النسبة؟ وهل بالفعل وصلنا الى نسبة من هذه العلوم تجعلنا نشعر بالزهو والفخر، تعالوا معي -عزيزي القارئ- لنحاول سوية وصف المعرفة البشرية بالعلوم الطبيعية وصفا كميا.
في بداية الأمر لابد من التنبيه بأنها أولى المحاولات ولم أستطع أن أعثر على مراجع في هذا الصدد ولذا فهي محاولة أولية وتقريبية للغاية ولكنها في نهاية المطاف ستعطينا إحساسا صحيحا وبشكل تقريبي حول كم المعرفة التي نلم بها حول العالم المادي.
لاشك أن كم المعلومات التي يمكننا معرفتها حول العالم المادي لا يمكن أن يتم حصرها ولهذا فإننا اذا استخدمنا المعلومة كوحدة قياس فان الفرق بين ما نعرفه وما لا نعرفه سيكون لا نهائيا لأننا سنقوم بالقسمة على ما لا نهاية، وعلى الرغم من صحة ما ذكرناه من الناحية العلمية الا أن اللانهائيات من الأمور التي تزعجنا اذ أنها لا تعكس لنا التطور الكبير بين المراحل التي مرت بالبشرية لأن الفرق سيبقى كما هو لا نهاية له بين ما نعرفه الان وما سنعرفه بعد آلاف السنوات ومن هنا وحتى نبتعد عن شبح اللانهائيات فمن المفيد ان نستخدم أسلوبا آخر ربما يوصلنا الى نتائج تبعث أملا أكبر في النفس.
لنتوجه الى أساس المعرفة البشرية للماديات من حولنا فكل ما نراه أمامنا من كواكب ومجرات وما قام البشر بتصنيعه يرجع الى أساس مادي اولي وهو الذرة وهذه الذرات تتشكل من الكترونات ونواة والتي تتكون من نيترونات وبروتونات.
والبروتونات والنيوترونات تتشكل من مواد أولية وهي الكوارك، وحسب ما نعرفه في الوقت الحالي فان الالكترونات والكواركات هي جسيمات أولية تتكون منها كل أشكال المادة التي نعرفها، لذا فانه قد يكون مفيدا لنا لكي نقوم بحساب كمي للمعرفة البشرية أن نقدر كميا معرفتنا بالجسيمات الأولية التي تتكون منها المادة، وتقدر عدد الجسيمات الاولية التي تدخل في تكوين المادة ثلاث جسيمات أولية وهي الالكترون ونوعين من الكوارك، وبالتالي فان معرفتنا بهذه الجسيمات الأولية وتحديد ذلك كميا قد يوصلنا الى الهدف المطلوب.
من المعروف أن المعرفة بالشيء تكون بالإجابة على خمسة أسئلة وهي ما هو؟ وكيف؟ ولماذا؟ ومتى؟ واين؟ فهل وصلت معرفتنا بالنسبة لهذه الجسيمات الثلاث بحيث أننا قادرين على الاجابة على الاسئلة الخمسة؟
الواقع أن العلم في الوقت الحالي يجيب على بعض هذه الاسئلة ولكنه لا يجيب على لماذا؟ فلسنا قادرين أن نعلم لماذا تتكون المادة من هذه الجسيمات الثلاثة فقط.
كذلك فنحن غير قادرين على معرفة موقع الجسيمات بشكل دقيق بل ما نعلمه أن هناك استحالة في تحديد موقع الجسيم كليا وكذلك فنحن لا نعلم طبيعة الجسيم بصورة قاطعة بل أننا نظن أنه ليس جسيما بالمعنى الذي في مخيلتنا عن الجسيم (ككرة صغيرة صلبة) وانما هو شكل ربما يجمع بين الجسيم والموجة، نعم نظن أننا نعلم متى وجدت هذه الجسيمات ومتى تكونت النواة والذرات، أما كيف تكونت فلا علم لنا ولكننا نعتقد أن هذه الجسيمات بسيطة لا تتكون من شيء مادي آخر.
وهكذا سنجد أنفسنا أننا بالكاد نستطيع الاجابة على ثلاث اسئلة من خمسة أي ما نسبته ٦٠٪.
ولكن مهلا هل هذه كل الجسيمات الأولية؟ و الاجابة لا هناك جسيمات أخرى يصل عددها الى ١٢ جسيما على أقل تقدير ونحن نجهل اي دور لها أي أن علمنا بالجسيمات الاولية يقتصر على ٣ جسيمات من ١٢ جسيم أي أننا نعلم دور ٢٥٪ من الجسيمات الأولية ونجهل الباقي، وقد قدرنا أن نسبة معرفتنا للجسيمات الثلاث تصل الى ٦٠٪ وعليه فان نسبة المعرفة في هذه الحالة ستصل الى ١٥٪
ولكن مهلا فهناك أيضا المادة المضادة، فلقد وجد العلماء وأثبتوا وجود مادة مضادة فالإلكترون مثلا له توأم مضاد له في الشحنة فاذا التقى به تعانقا عناقا حارا بحيث يضمحلا الاثنين معا ويتحولان الى طاقة، وهكذا البروتون وغيرها من المواد المضادة وقد استطاع العلماء في نهاية العقد الأول من هذا القرن من تخليق هذه المواد المضادة في المختبرات، ولكننا ولتسهيل المهمة سنهمل المادة المضادة في حساباتنا حول كمية المعرفة البشرية لأننا نظن أن المادة المضادة تشكل نسبة بسيطة جدا من مجموع المادة الموجودة في هذا الكون.
حسنا إذا قلنا بأن نسبة معرفتنا تصل الى ١٥٪ فهذا انجاز كبير بالفعل، ولكن وللآسف الشديد فهذه النسبة غير صحيحة وذلك لأن المادة التي نتعامل معها لا تشكل سوى ٥٪ من مجموع المادة الموجودة في الكون، فهناك المادة المظلمة والتي تكون ما نسبته 27 % من مجموع المادة الموجودة في هذا الكون، لنعد الى أسئلتنا الخمسة التي تحدد لنا كم المعرفة التي لدينا حول موضوع (وهي ما هو؟ وكيف؟ ولماذا؟ ومتى؟ واين؟) ولنحاول أن نجيب عليها حول المادة المظلمة، أما السؤال الأول فنحن لا نعرف عن كنه هذه المادة المظلمة أي شيء، ولا نعرف كيف وجدت ولماذا وجدت، ومتى وجدت ولا نعرف أيضا أن توجد بشكل دقيق، ولككنا نعرف أنها موجودة لأن عددا من الظواهر العلمية لا يمكن لنا أن نفسرها الا بافتراض وجودها في المجرات العملاقة في هذا الكون الرحيب كما أننا نعلم بأن لها كتلة وأنها غير مرأيه ولا تتفاعل مع المادة العادية سوى عن طريق الجاذبية كما أنها لا تتفاعل مع مادة أخرى مظلمة.
ولذا فمن المنطقي أن نفترض ان معرفتنا بهذه المادة المظلمة تقارب الصفر، ولكن لنحفز أنفسنا ولنفترض أننا نلم بما نسبته ٠.١ بالمائة من المعارف المرتبطة بهذه المادة المظلمة.
ذكرنا سابقا بأن المادة المرأيه تشكل ما نسبته ٥٪ من المادة الموجودة في هذا الكون بينما تشكل المادة المظلمة ما نسبته ٢٧٪ فماذا عن الـ ٦٨٪ المتبقية من المادة المكونة لهذا الكون.
إن الـ ٦٨٪ من المادة في هذا الكون تكون ما يعرف بالطاقة المظلمة، وهي منتشرة بشكل كبير في هذا الكون وهي التي تؤدي الى سرعة تمدد الكون، ترى ما هي كمية معرفتنا بالطاقة المظلمة؟ إن معرفتنا بهذه الطاقة المظلمة لا تكاد تتجاوز بعلمنا بوجودها، ولا توجد لدينا أية معلومات أخرى عنها، وبهذا فان كمية معرفتنا لا تتعدى الصفر بكل الأحوال.
وبهذا فاذا قمنا بعملية حسابية بسيطة وبشكل بدائي فان معرفتنا بهذا الكون المادي ستقدر بـحوالي ٠.٨ ٪، وهذا يعني أن أمامنا ٩٩.٢٪ من الكون لا يزال مجهولا.
لنشمر عن سواعدنا فأمامنا الكثير لنتعلمه، ولكن لننتبه فلربما تتلاشى هذه المعرفة تماما إذا اصطدمت بمادتها المضادة.
المعلومات العلمية الواردة في المقال مقتبسة من كتاب We have no idea
للكاتب Daniel Whiteson and Jorge Cham