فاطمة أنور اللواتي
منذ الصغر تعلمنا أن الساعة والدقيقة لهما قيمتهما عبر مآتمنا ومساجدنا وفعاليتنا الدينية. كنا نراقب آباءنا وهم يسارعون إلى المأتم ويتجهون للفعاليات الاجتماعية داخل السور في وقت محدد. تأخر دقيقة يؤثر وعدم الدقة في معرفة المكان قد يضيع عليك ثواب المشاركة. إلا أن الفعاليات المتكررة عاما بعد عام أصبح وقتها معروفا ومكانها مقررا فلهذا لا يصعب على من عاشرها أن يكون متواجدا في الوقت والمكان الصحيحين. هذا النظام والانضباط لم يقتصر على الوقت والمكان وإنما تعدى إلى نوعية “الفاتحة” التي تقدم هريس أو “عيش” ومرق أو “كهيرجي” كل ذلك وفق نظام دقيق.
إن تعدد الفعاليات في شهر محرم وبالذات في يوم عاشوراء هي واحدة من المحطات المهمة التي يبرز فيها النظام والانضباط الموروثين على مختلف الصعد. ويتجلى النظام والانضباط في عملية توزيع فعاليات العزاء داخل السور بين المأتم الكبير والمأتم الصغير ومسجد الرسول الأعظم. هذا الانضباط هو موضع فخر لنا ولأجيالنا. فما توارثناه من آبائنا وأجدادنا نورثه لأبنائنا وهي قيمة إسلامية وحضارية نعتز بها. لكن جائحة كورونا هذا العام ساهمت في كشف وجه ناصع آخر لمجتمعنا اللواتي.
في الأيام العشر الأولى من شهر محرم التي مرت، برز الانضباط والتنظيم بشكل يواكب الوضع حيث أغلقت المآتم والمساجد فتحولت بيوتنا الى مآتم ليتواصل معنا قائمو ومنضمو العزاء الحسيني بنفس الدقة والنظام والانضباط عبر القنوات الفضائية. ولكن منذ البارحة برزت ميزات أخرى لأبنائنا الشباب وإبداعاتهم.
لقد عشنا البارحة أجواء ليلة العاشر بكل تجلياتها التاريخية التي تعودنا أن نعيشها في سور اللواتية بالرغم من جائحة كورونا. لقد قام الشباب العامل بنقل أجواء ليلة العاشر من داخل سور اللواتية بطريقة مبدعة وجميلة ومؤثرة جدا عبر شاشتنا الصغيرة على قناتين، فنقلونا إلى داخل أروقة السور عبر لقطات تبرز المواقع التي اعتاد أن يتحرك فيها العزاء الحسيني بقراءتهم للنواحي في عزاء “العلمى”. كما أنهم اليوم (يوم العاشر) ربطوا أثناء عزاء “الحلقة” بين عالمين العالم الافتراضي لعام كورونا والعالم الواقعي لما قبل كورونا لنتخيل المشهد متكاملا بكل تفاصيله… ولكوني امرأة، فقد أضاء الشباب بإبداعاتهم شمعة وسط الغمة السوداء للجائحة لأحظى أنا وغيري من النسوة بفكرة واضحة ومتكاملة عن فعاليات عاشوراء.
اليوم نقول بكل فخر: كم من إبداعات جميلة ظهرت وتجلت بين الشباب على شتى الأصعدة من قراءة للمأتم الحسيني، إلى تأليف النواحي وقراءتها وتصويرها وإخراجها والكثير الكثير … التي اكتسبت رونقها من ثورة أبي الأحرار الإمام الحسين بن علي (ع)… ناهيك عن همة الشباب في جعل أبناء القبيلة يتبركون بالفواتح العاشورائية من غداء وعشاء عبر إيصالها إلى البيوت طوال هذه الأيام!
إنها عاشوراء العطاء… إنه حسين الفداء.. إنها زينب الكبرياء… إنهم أطفال كربلاء الأبطال لقد هزوا المشاعر وأججوا العواطف وسالت الدمعة الحارة لتهتز معها الضمائر والعقول وتتجلى عبرها التجليات الحسينية في مختلف الصعد.. عظم الله أجوركم وتقبل الله أعمالكم وأثابكم الله أبنائي وأخواني على كل ما قدتموه لنا بحب واتقان وجمال!