مصطفى محسن اللواتي
وها هو عاشوراء “الاستثنائي” قد مر، استثنائي بكل ما للكلمة من معنى، استثنائي في:
– مرارته التي ألزمتنا البيوت ومنعتنا من المشاركة الجماعية في إحياء هذه المناسبة المفجعة.
– وفي تحويله المنازل الى حسينيات تقام فيها شعائر الحزن والبكاء والجزع، بعد ان اتشحت بالسواد، وامتلأت بالرايات واللوحات القماشية وغيرها والتي تذكر بالحسين(ع) ومقامه وعظمته وفكره ومصيبته.
– وفي تجميعه الأسر والعوائل ليشاركوا بعضهم المواساة وقت المجالس والشعائر الحسينية.
– وفي تلك الابداعات الشبابية التي برزت، وفي تلك المواهب والطاقات التي اكتشفت واخذت فرصتها لتثبت نفسها، وهو ما احاول في الاسطر القادمة التركيز عليه نظرا لاهمية الأمر لمجتمعنا.
حينما ننظر للظروف التي رافقت شهر محرم في هذا العام، لم يكن احد يتخيل ان هذا الشهر الحسيني يمكن احياؤه بهذا الشكل المبهر والإخراج الرائع والذي -في رأي- غطى وحقق اشباعا نفسيا معقولا، وان كانت الشعائر لا غنى عنها الا بما تعودناه وألفناه.
– أول ما “يجب” الاشارة اليه في هذا الصدد، هو تلك القنوات “المحلية” والتي ابدعت في بث “المجالس” وما يسبقها او يتبعها من “المرشا” و “الفخري” واللطميات والزيارات والأدعية وغيرها من البرامج والشعائر الحسينية المتنوعة، سواء عبر البث المباشر او التسجيل المسبق.
قنوات:
– “مسجد الرسول الأعظم(ص)”، والتي كانت تبث عبر اليوتيوب باسم الرسول ميديا.
– “مجالس اهل الكساء(ع)”، والتي كانت تبث بنفس الاسم.
– “أناجيك” وايضا كانت تبث بنفس الاسم.
هذه القنوات الثلاث قدمت برنامجا متكاملا بدءً من المرشا والفخري والقرآن والمجلس واللطميات بأنماطها المختلفة كعزاء المسجد وعزاء “الحلقة” وعزاء “العلما” واختتاما بالزيارة.
وخصصت هذه القنوات ليوم العاشر وليلته برنامجا حافلا حاولت فيه محاكاة البرنامج العاشورائي المعمول به في سور اللواتية ليلة ويوم العاشر لكي لا يشعر المشاهد/المعزي بأي نقص، ولكي يعيش الجو العاشورائي المتعود عليه قدر المستطاع.
نقطة اخرى ملفتة في هذه القنوات، انها لم تهمل الآباء والذين تعودوا ان يقرأوا في هذه الليالي في كل المجالات والشعائر التي ذكرناها، وكان الشباب القائم عليها يتصلون بهم واحدا واحدا لا لأن هؤلاء “البركة والخير” يحتاجون للفرصة، فهؤلاء نفوسهم اكبر، وصيتهم اوسع، ولكن لان لهم جمهورهم من جهة، ولان الثواب والاجر يجب ان يشمل الجميع.
هذه البادرة تدل على ذوق جميل، وحس اجمل، وتأكيد على عدم اقتصار القنوات على اعطاء الفرص للشباب فقط وذوي الاصوات القوية، بل هي لكل المجتمع.
ولا اريد ان يفوتني ذكر “تسجيلات الغدير” والتي منذ سنوات وهم يستخرجون من ارشيفهم الغني والثري كليبات جميلة جدا، يوثقون من خلالها العزاء الحسيني كله بكل رجاله وفعالياته لتصل للاجيال يتعرف عليها وليفخر بآبائه وأجداده ويقرأ الفاتحة على اناس اعطوا جزءً كبيرا من حياتهم ووقتهم لهذا العزاء وهذه الشعائر لتصل الينا عبر الأجيال.
القائمون على هذه الفعاليات فرغوا انفسهم طوال هذا الموسم، تركوا اسرهم وعوائلهم، اخذوا اجازات من عملهم، خففوا من دراستهم، خففوا من نومهم، وضحوا بالكثير في سبيل ان يعيش المجتمع أجواء عاشوراء، وان تصل رسالة الحسين كاملة له، وان يبقى الحسين حياً في الشعور والعاطفة والفكر، ولا تنقطع الصلة بمجالسه بسبب جائحة طارئة سرعان ما تختفي.
هم حقا رجال ترفع لهم القبعات، مبدعون، مضحون، متفانون، مثابرون..
لا الكلمات، ولا أي شيء سيفيهم حقهم، انما هو قليل من الشكر والامتنان لفعل كبير جدا قاموا به.
– الامر الآخر الذي أريد الاشارة إليه هو “الخطباء” من مجتمعنا والذين ادوا دورا كبيرا جدا، وقدموا اداءً رائعا جدا، وكانوا بمستوى الحدث، ومستوى المناسبة، ومستوى المسؤولية.
ولا اريد الخوض في الاسماء، لان جميعهم ادوا رسالتهم، وتحملوا ضغط المجالس الكثيرة التي كانت تصل الى ٣ احيانا للخطيب الواحد وهذا فقط في القنوات.
لقد كان هؤلاء الخطباء عمادا أساسيا لنجاح الموسم، وكان بعضهم اضافة كبيرة للمنبر الحسيني الذي لا يزال يقدم الجديد والجيد باستمرار.
شكرا لكل هؤلاء الخطباء، والذين لا ينتظرون جزاءً ولا شكورا، لأن أجرهم عند إمامهم الحسين(ع)، ولكن “شكرا” هذه مجرد اعتراف بالامتنان، وبالفضل، والا فإن ما قدموه لا يفيه الا الحسين(ع)، ولا اشك لحظة انه معهم ولن يتركهم.
وما دمنا نشكر الخطباء، فلا يمكن ان نتجاوزهم دون ان نشكر الرواديد (اعرف ان اللفظ ليس عربيا ولكن هكذا تعارفت اللهجة ان نطلق على قاريء النوحيات/اللطميات) فهؤلاء ايضا ساهموا بجهد كبير في هذه التظاهرة الحسينية الحزينة، وكذاك قراء القرآن الكريم والادعية والزيارات.
والشكر لكل من كان يعمل معهم في صمت ومن خلف الستار تمويلا وعونا معنويا واستشارة وكل من مهد لهم المساجد والحسينيات والبيوت ليستطيعوا النقل والتسجيل…الخ.
جهود جبارة من طاقم كبير جدا، جمعها الحسين(ع) في مائدة حبه وعشقه، لتنقل للناس رسالته، ومنهجه، ومأساته، ولتعرّف الناس بشاعة اعدائه وبشاعة الظلم عبر التاريخ.
نتمنى من كل المجتمع، وبالخصوص القائمين عليه ان يقدروا هؤلاء وما بذلوه من جهود استثنائية في ظرف استثنائي، وكانوا كما نقول بالعامية “قدها وقدود”.
السلام عليك يا ابا عبدالله ورحمة الله وبركاته.