Image Not Found

حمود السيابي يكتب “بروة استدعاء لمطرح “

مسقط – الشبيبة

في إصداره الأخير يقارب الأستاذ حمود بن سالم السيابي بين التاريخ والفن الروائي عبر منجزه السردي الجديد “بروة استدعاء لمطرح” والتي تعد مقاربة روائية لتاريخ هذه المدينة من خلال استدعائه لشخصية الوالي اسماعيل الرصاصي أيام السلطان سعيد بن تيمور.

والرواية التي تقع في 400 صفحة تحاور زمنين، زمن كتابة الرواية، حيث إغلاق مطرح مع ظهور وباء الكوليرا وبطلها سعيد الذي يسرد قصة والده، وأيضا حكاية الحب التي يعيشها مع الفتاة الصورية، وزمن آخر مع رحلة مدينة مطرح في التاريخ الحديث، والأحداث التي وقعت خلال فترة السلطان سعيد وواليها الرصاصي، مرورا بالشخصيات المطرحية الشهيرة وحاراتها ودروبها.

وفي غلافها الأخير يسجل الكاتب محمد بن سيف الرحبي كلمته عنها ليقول أنها “ليست رواية.. بل أكثر من ذلك، حيث يمكن وصفها بمخطوطة تاريخية عمانية مبتلّة بماء بحر عمان وهو يقبّل أقدام مدينة مطرح، فيكاد يصل إلى قلعتها الحصينة مستحضرا واليها الرصاصي وحاراتها وبيوتها متوغّلا في سيرتها القديمة.. وهي ديوان شعر مكتوب بما تبقّى من حبر قصيدة امرؤ القيس حينما يبكي على الأطلال، وما لم يتمكّن نزار قبّاني من قوله لحبيبته بلقيس فنثره الأستاذ حمود السيابي على لسان بطل روايته وردا وياسمين على حبيبته “الصوريّة”.. ويضيف الرحبي: “هي ليست رواية.. بل وثيقة إدانة لحاضر نسي المدينة، أغلق أبوابها حينما ابتليت بالفيروس اللعين، وهي التي تركت أبوابها مفتوحة للغرباء يخطفون كحل عينيها، ويسرقون هذه العروس العمانية في وضح النهار، فمرضت مطرح وهي التي كانت تداوي المرضى من سائر عُمان.

ويصفها الروائي محمد الرحبي بأنه “رواية، ناصعة الجمال، وجريئة، وموثّقة.. لما جرى قبل عشرات السنين، حافظة ما يجري لعشرات السنين القادمة”.

يقسم السيابي روايته إلى مجموعة عناوين لكل فصل، يسائل في بعضها أبيه عن أحوال مطرح، ويصفها في ظل الحظر منتقد حصارها، من أجواء الرواية نقرأ منها:

“نصف قرن تغيّر فيه الكل إلا أبي وكأنه يخرج لتوه من هيبة بيت البرزة بنفس المحزم الصدئ والتفق الذي تكلَّس على خشبه الزمان ليمارس هيبته على طفولتنا وشبابنا بل وكهولتنا.

وتجددت كل البيوت إلا بيت أبي ما زال بصفته حيث يختبئ الظلام، وبليوانه الذي تحركه “بانكة” السقف فنشم مطرح القديمة برطوبتها وملحها وبروائح مرقة الدال في الهوتيلات واحتراق خبز التنور.

ورغم أن الوالدة أضافت ساعة “سيكو” على دماليج رسغها وإن لم تعرف قراءة الأرقام ولكن لتشاطر أيدي الصويحبات الممدودة بالساعات على فوالة قهوة الضحى، بينما أبي ما زال على ساعته “الراس كوب” التي لم نعد نراها إلا في المسلسلات التلفزيونية الخليجية التي تصور التجار القدامى والنواخدة والكرانية والطواويش حيث تتدلى الراس كوب من جيوب كيتانهم بسلاسلها البيضاء ولا تفتح أغطيتها إلا إذا ارتفع الأذان ليتأكدوا من انضباط الوقت في الساعات أو ليحاسبوا المؤذن الذي يبتلع الدقائق أو تبتلعه الساعات.

كان أبي مجرد عسكري بسيط في بيت البرزة إلا أنه يرى نفسه من موقعه تحت شعار الدولة البوسعيدية ركنا من الأركان وكاتمًا من كاتمي الأسرار.

وكلما جاء ذكر جلالة السلطان سعيد بن تيمور تلفَّت أبي يمنة ويسرة حبًّا وخوفًا، فكان لا يتوازن في جلسته إلا بعد أن تنحني أهدابه محبة لصورة السلطان سعيد التي تتوسط بنديرتين سعيديتين في مرايا الليوان.

وكلما ساءلتُ أبي عن مطرح والسلطان سعيد وإسماعيل الرصاصي لعل في تجميعي لإجاباته يتيح فرصة لتوثيق زمنه فأجاري الكتاب في استشراف زمن كتبوا عنه دون أن يعيشوه، فأكتبه أنا على لسان شاهد من العصر، رمقني أبي بنظرة تلسعني إلى نخاع النخاع.

لقد انتحرت خطواتي نحو كتابة رواية تحمل اسمي لأن الشخص الذي اخترته لبطولة عملي الأول لا يستجيب لاستفسارات المؤلف لتغتني الشخصية بالتفاصيل، ولا يتقيد بتعليمات المخرج فتتكامل الشخوص نضجا، ويرفض التجاوب مع أحلامي بالتحرك في السطور، فاختنقت الأحلام.”

وهذا الإصدار الروائي هو الأول للسيابي الذي كتب في مرحلة الثمانينيات عدة نصوص قصصية نشرتها جريدة عمان التي عمل فيها سنوات طويلة قبل مغادرته إياها كرئيس تحرير ليعين في مجلس الدولة لفترتين.

يذكر أن هذه الرواية من إصدارات مؤسسة بيت الغشام كآخر إصداراتها، ويتوفر الإصدار في مكتبة المؤسسة والتي من المتوقع أن تتحول إلى اسم آخر ضمن مشروع جديد قريبا يتولاه محمد الرحبي علما أنه تولى إدارة مؤسسة بيت الغشام منذ إنشائها في شهر أكتوبر من عام 2012، وقدمت خلال ما يقارب السنوات الثماني أكثر من 750 إصدارا أغلبها لكتّاب عمانيين وشاركت في فعاليات عدة داخل السلطنة وخارجها.