حيدر بن عبدالرضا اللواتي – الرؤية
الحديثُ عن مَيْنَاء السُّلطان قابوس بمطرح لن ينتهي؛ فهذا الميناء من المؤسَّسات العريقة التي تمَّ إنشاؤها في فترة السبعينيات من القرن الماضي، والتي كانتْ عِبَارة عن شركة مُساهمة عامة في بداية الأمر، ومنذ ذلك اليوم كان الإقبال كبيرا على هذا الميناء، في ظلِّ أعماله اليومية في تناول البضائع والمنتجات الواردة والصادرة من وإلى كافة أنحاء العالم.
ونتيجةً للدور الكبير للميناء، حظيتْ أسهمُ الميناء بالتداول الكبير في تعاملات وتداولات سوق مسقط للاوراق المالية عند إنشائها في العام 1988؛ حيث تجاوزت قيمة السهم أكثر من 320 بسية قبل أن يتم اتخاذ قرار بتصفية أعمال مؤسسة خدمات الموانئ (سابقا)، وتحويل الميناء ليكون سياحيا فقط وتحت إدارة شركة حكومية.
فبَيْن ليلة وضحاها، أعلنت الجهة المسؤولة عنها بوزارة المالية عن تصفية هذه المؤسسة من شركة مساهمة عامة إلى مؤسسة حكومية لاحقا لخدمة الأهداف السياحية، وإرجاع المبالغ الخاصة بالمساهمين بعد الانتهاء من تصفية هذا المشروع الناجح؛ وذلك قبل أكثر من 4 سنوات مضت. ومنذ ذلك اليوم، تجمَّدت مبالغ المساهمين لدى الوزارة المعنية خاصة الصغار منهم، والذين كانت مُدَّخراتهم في هذه المؤسسة تدفعهم إلى ضخ المزيد منها نتيجة للعوائد الجيدة التي كانوا يحصلون عليها سنويًّا.
وبعد مرور هذه السنوات الأربعة، ونظرا لحاجة المساهمين إلى أموالهم وإرجاعها، وإلحاحهم في الحصول على مستحقاتهم نتيجة للتصفية، اتخذت الحكومة خطوة أولية بإرجاع 150 بيسة لهم بعد 4 سنوات من الوقف، على أمل أن تُعِيد بقية المبالغ لهم في ظرف مدة سنة قادمة. ورغم تجاوزر تلك المدة اليوم، فهم ما زالوا ينتظرون الحصول على بقية أموالهم المجمدة، ويحتاجون إليها خاصة في هذه الظروف الاقتصادية التي خلقتها أزمة كورونا، الأمر الذي يتطلب من الجهة المسؤولة الرد على رسائل المساهمين.
الكل على علم بأن السلطنة تخطط لإنشاء شركات مساهمة جديدة في المستقبل، ومن هذا الواقع، إذا كانت هناك نظرة بإعادة النظر في ملكية هذه المؤسسة وعملها مستقبلا، فأنا أقترح وقف تصفيتها وتحويلها للحكومة وإبقائها كشركة مساهمة عامة، وذلك من خلال إعادة تسجيل المساهمين إليها مرة أخرى، مع ضخ رأس مال جديد من خلال جهاز الاستثمار العماني الذي يؤكد اليوم على أهمية جذب الاستثمارات الخاصة وتأسيس الشركات التي تدار من قبل القطاع الخاص، أو من خلال طرح أسهم جديدة، وتفعيل دور هذا الميناء الذي تمَّ تحويله إلى ميناء سياحي دون دراسة وافية لجميع الإيجابيات والسلبيات التي يُمكن أن تتحقق من هذا القرار؛ بحيث يخدم الميناء الأعمال التجارية بجانب السفن السياحية أيضا.
الكثيرُ يرى أنَّه من غير المستحب أن نقتل مؤسساتنا الناجحة بأيدينا وبسبب رغبة أشخاص معينين. فميناء السلطان قابوس بمطرح يجب أن يبقى منارة اقتصادية في البلاد تخدم الأهداف التجارية والصناعية بجانب الأهداف السياحية، وكل ما يمكن أن يقام من مؤسسات لها القيمة المضافة في تفعيل الحركة والنشاط الاقتصادي في البلاد، وتشغيل الباحثين عن عمل الذي بلغ عددهم اليوم 65 ألف باحث؛ منهم: 42% من حملة الشهادات الجامعية.
إنَّ ميناء السلطان قابوس -والذي يحمل اسم سلطاننا الراحل طيَّب الله ثراه- بولاية مطرح يعدُّ أحد الإنجازات الكبيرة التي خدمت التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد خلال العقود الماضية. وشهدت السلطنة خلال الأعوام الماضية إنشاء العديد من الموانئ الأخرى التي لها أهمية كبيرة في دعم أركان التنمية الاقتصادية في البلاد، والتي أصبح بعضُها يُنافس الموانئ الكبيرة في المنطقة. لكن ميناء السلطان قابوس بمطرح -ونظرا لقربه من المؤسسات التجارية بمسقط العاصمة والولايات المجاورة لها، وقدرته على إيصال وتزويد الأسواق بالاحتياجات والسلع اللازمة بوقت قصير وبتكلفة أقل- فقد بات الأمر يتطلب إعادة النظر فيه؛ لأن عمل المناولة من خلاله يقلل الزمن والتكلفة، على عكس ما يتم اليوم من استيراد وتصدير البضائع عبر ميناء صحار الذي يزداد أهميته هو الآخر.
الكثيرُ من التجار يرون أنَّ ميناء السلطان قابوس لا يجب أن يبقى مغلقاً ويخدم فقط الأغراض السياحية، وإنما يُمكن إعادة دوره في العمل التجاري أيضا، خاصة في مثل هذه الظروف التي نمرُّ بها، وعدم معرفتنا بنهاية جائحة كورونا؛ الأمر الذي يُبقِي الميناء مقفلا ومعطلاً.
ومن هذا المنطلق، يمكن تفعيل دور الميناء لخدمة السفن التجارية الصغيرة والمتوسطة التي تأتي من دول الخليج وإيران والهند وباكستان ودول أخرى، مع وجود الأرصفة الصالحة للنقل والمنالة ووجود الرافعات، خاصة وأنَّ الميناء تتواجد به جميع الخدمات والمؤسسات التي تُشرف عليه من الشرطة والجمارك والنقل.. وغيرها من المؤسسات الأخرى. ويُمكن عودة بقية الخدمات في حال تم اتخاذ قرار إعادة دراسة دور الميناء مرة أخرى؛ بحيث يمكن أنْ يكون فاعلا لخدمة القطاع التجاري والسياحي في آن واحد.
اليوم.. ثمَّة كفاءات إدارية جديدة تمَّ تعيينها في مجالس إدارات الشركات الحكومية، وبإمكان هؤلاء الشباب أن يقدموا خلاصة عصارتهم وآراءهم واقترحاتهم في مثل هذه القضايا، ووضع تصوراتهم لتفعيل دور هذه المؤسسات الوطنية خلال السنوات المقبلة.