تغطية: حيدر عبدالرضا داوود
استضاف مجلس الخنجي المرئي هذا الاسبوع سعادة الأستاذ أسامة بن عبدالله العبسي الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم سوق العمل بمملكة البحرين – رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص للتحدث عن تجربة البحرين فى تنظيم العماله الوافده ومحاربة الاتجار بالبشر، والارشادات التي عملت بها اللجنة وكذلك التحديات التي واجهتها في العمل بحضور عدد من المسؤولين في الادعاء العام والمحاكم بجانب رجال الاعمال والمهتمين.
وتضمنت الجلسة عدة محاور منها نشأة كل من هيئة تنظيم سوق العمل، واللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص، وانعكاس نجاح البحرين فى الحصول على المرتبة الأولى على دول مجلس التعاون فى مكافحة الاتجار بالأشخاص، بالاضافة إلى الحديث عن المؤشرات التي حققتها فى تنظيم سوق العمل، وتعاملها مع ارتدادات جائحة الكورونا فيما يتعلق بالوافدين، وأهم التحديات التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي مع العماله الوافده والحلول المطروحة.
كما تضمنت الجلسة الحديث عن مزايا نظام الفيزة / التأشيره المرنه للعمالة الأجنبية التي تتعامل مع التجارة المستترة وانعكاس آثارها على أصحاب الأعمال فى البحرين، بالاضافة إلى أهم المقترحات والتوصيات لتنظيم سوق العمل الخليجي، والتخفيف قدر الامكان من اثارها على العماله الوطنية والتركيبة السكانية بدول المجلس، وآثار تحرير سوق العمل، وتطبيق المساواة فى الحقوق والواجبات بين القوى العاملة الوطنية والوافده على الاقتصاد والتنمية وفرص العمل للمواطنين. كما طرح المتحدث سؤالا إن كان هناك توجه لالغاء نظام الكفاله بالكامل عن العامل الأجنبي، وانعكاسه على سوق العمل، وأهمية توحيده وتطبيقه على دول مجلس التعاون الخليجي كقانون عمالي موحد ومطبق على الجميع. كما تناول أيضا موضوع اصلاحات سوق العمل التي أدت الى زيادة العمالة الوطنية، ورفعت نسبة توطين الوظائف خاصة التي يوجد مواطنين يستطيعون القيام بها.
في بداية حديثه تطرق الضيف إلى جهود مملكة البحرين في هذه القضايا مشيرا إلى أنه في عام 2004 طرح البعض لدينا سؤالاً: كيف يمكن لبلد يعمل بها عشرات الآلآف من الأجانب، في الوقت الذي يبحث أبنائها فرص العمل وتتفشى فيها البطالة بين المواطنيين؟ الأمر الذي استدعي إلى تكوين لجنة لمعرفة الأسباب وطرح الحلول. وقال أن نسبة البطالة في تلك الفترة كانت ما بين 15 إلى 17% من مجموع السكان، وكان التساؤل المطروح: لماذا يفضلون التجار الوافدين على المواطنيين؟؟ وأضاف الكل يعلم بأن التكلفة في العمل التجاري جزء من المشكلة، وهناك مشاكل قانونية وبيروقراطية، والجزء القانوني كان مرتبطا بنظام الكفالة الذي يربط بين صاحب العمل والعامل الذي لا فكاك منه، بحيث يصبح عمل الوافد تحت السيطرة، ولا يمكن الاعتراض على أي شيء، وعلى العامل أن يعمل كما يقال له.
والمواطن الخليجي همه أن يحصل على حقوقه من خلال إحضار هذا العامل، وأصبحت هناك الكثير من المقولات التي تركز على هذا الموضوع ألا وهو موضوع الكفالة، الذي كان يعني للتاجر البحريني المحافظة على اسرار العمل من خلال تشغيل الأجانب، بينما الاعتقاد بأن المواطن يمكن له إفشاء هذه الأسرار لمصلحته. هذه الاختلافات بين المواطنيين والوافدين أدت إلى وجود سوقين للعمل، حيث كان معتاداً أن نسمع بأن البحريني لا يريد العمل في وظيفة صعبة، ولا يقبل العمل في الشمس، بينما رأينا البحرينيين والخليجيين يعملون في الشمس في شركات النفط بجانب الوافدين.
وبذلك نحسّ بأننا نحن من خلقنا تلك المقولات عن اسواق العمل في المنطقة. كما أن نظام فرض المواطنيين على التجار كانت لها أضراراً على المدى الطويل سواء على التجار أو المواطنيين لأن القوانين كانت تقول بأن الوظيفة للمواطن، وإذا لم يتوفر فهي للوافد. كما دخلنا بنظام النسب في التعيينات بحيث يكون كل قطاع اقتصادي ملزم بتشغيل نسبة معينة من المواطنيين، وأصبحت هناك عملية المقايضة، أي يقوم التاجر البحريني بتشغيل 4 مواطنيين ليحصل على مأذونيات لـ 10 وافدين وهكذا. وأصبحت ضريبة الحصول على الوافدين من خلال تشغيل المواطنيين. وعندما تستمر مثل هذه العملية، فالمواطن ينظر على أنه لا بد له من أن يحصل العمل في نهاية المطاف، وصرنا نحلّ مشكلة آنية لأننا كرسنا أهمية تشغيل الوافدين في الاقتصاد ككل.
وفي عام 2004 توصلنا إلى أن هناك مشكلة في العمل، وأن تلك السياسة تؤدي إلى إغراق السوق من العمالة الوافدة، الأمر الذي أدى في عام 2006 إلى إصدار قانون سوق العمل، وعملنا على تقليل الميزة النسبية للوافد من خلال وضع رسوم كبيرة لإحضار العمالة الوافدة، وتم استغلال تلك المبالغ في عملية تدريب المواطنيين في مختلف التخصصات والارتقاء ببيئة العمل وبالعامل البحريني. وراينا في عام 2010 قد انخفضت نسبة البطالة من 17% إلى 8% واليوم عندنا بطالة بنسبة 4.5% نتيجة لتلك التغييرات.
وأرى أن الاقتصاد لا يحتاج إلى أسلوب الفرض، وإنما التعامل يجب أن يكون من المنظور الاقتصادي، ونحن قمنا بخفض القيود ولكن رفعنا قيمة الرسوم، ومن لا يلتزم بدفعها فانه سوف تفرض عليه غرامات بنسبة 150% بحيث تذهب تلك المبالغ إلى صندوق العمل التدريبي.
واليوم هناك تغييرات اقتصادية كبيرة في العالم، ولا تتناسب اقتصادات أمس. ونظام الكفالة يعني بأن صاحب العمل عليه ألا يتعامل مع شخص خارج العمل، وأن لا يعمل الوافد إلا عند كفيله. وهذا يؤدي أحيانا إلى خلق السوق السوداء في العمل نتيجة لوجود خلل في العرض والطلب. فشركات توصيل الخدمات على سبيل المثال لها سوق، وهؤلاء يحتاجون لعمالة مؤقتة ولساعات معينة فيمكن لهم التعامل من السوق. وفي هذا الإطار قمنا بتصحيح السوق والاوضاع من خلال اصدار الاعفاءات للعمالة المخالفة بحيث أدى الأمر إلى عودة 20% من العمالة الوافدة إلى دولها، فيما بقت 80% في البحرين، وقدمت عمالة وافدة أخرى لاحقا. والسؤال الذي طرحناه، لماذا نخالف العامل الوافد المسرح في الوقت الذي تحتاج إليه السوق حيث هناك طلب عليه في فترات معينة. فالمقاول يحتاج إلى عمالة لفترات بناء المشروع، وصاحب المطعم يحتاج إلى عمالة للتسويق والتوصيل، وكذلك الفنادق عندما تكون لديها فعاليات ومناسبات عديدة حيث جميعها تحتاج إلى عمالة مؤقتة، وكذلك المواطنيين يحتاجون إلى مصلح الكهرباء والمياه احيانا.
وهذا ما ادى بنا إلى التعامل بمواد قانونية جديدة تعطي الحق للعامل الوافد بأن يكون لديه سجل تجاري مرن، الأمر الذي أدى إلى حدوث ضجة كبيرة في البداية، حيث أفتى البعض بأن ذلك يتعارض مع نظام الكافل والمكفول، موضحين لهم بأن ذلك ينطبق على العامل المخالف الذي تحتاج إليه مؤسساتها في أعمالها، وليس من المسرحين في السوق بدون الرواتب.
أقول بأن العالم يتغير، والاقتصادات أصبحت معقدة وتتغير هي الأخرى كل 6 أشهر. وقد أدت جائحة كورونا أن يتوجه 72% من المواطنيين البحرينين للعمل من المنازل. واليوم فان العمالة في العالم تعمل بهذه الطريقة، والتاجر يبحث دائما عن أساليب للتقليل من التكاليف، وإذا ما رأى أنه يمكن أن يتعامل مع الوافدين ويرسل إنتاجه وأعماله للخارج فهذا سوف يؤثر على اقتصاداتنا بشكل كبير. علينا اليوم إعادة تنظيم أسواقنا وفق ظروف كل دولة. وإذا لم نتعاطى مع الاجراءات الحديثة وبصورة متفتحة، فسوف تفرض علينا من الخارج. واليوم يحصل هذا في بعض الاعمال، فهناك اليوم شركات وبنوك عالمية تقوم بتشغيل الناس في دول معينة للرد على المكالمات التي تهم عملائها، وهذا يمكن أن ينطبق أيضا على العاملين في عمليات المحاسبة بحيث لا تحتاج الشركات أن يكون المحاسب موجود في الشركة، وإنما تقوم من خلال الاجهزة الالكترونية المرتبطة مع الشركة في الحصول على جميع المستندات للاطلاع عليها واعداد التقارير اللازمة.
وفي جلسة الاسئلة، قال المحاضر أن علينا رفع الوعي تجاه هذه القضايا وإيجاد حلول للمشاكل القائمة، وأن نؤكد بأن المواطن دائما يجب أن يكون في المقدمة. فالايدي العاملة تبقى هي المعطيات الاقتصادية المهمة في العملية الانتاجية، وأن الانظمة يجب أن تكون واضحة بحيث يكون كل عامل وطني أو وافد منتج، وألا يشعر المواطن بأن أنظمة العمل تحميه وبالتالي يستكين من عمله. ويجب على الشباب ان يسندوا على أنفسهم.
اليوم هناك حاجة في المجتمعات الخليجية للعمالة المخالفة للأعمال التي يقوم بها في بعض الشؤون، فلماذا لا ُيعطى الفرصة بأن يكون مستقلا او مشاركا مع مواطن. والمجتمع الخليجي حتى اليوم لا يقدّر قيمة العمل الذاتي للشخص الذي يعمل لحسابه في بعض المهن لانه يعتبر من الأعمال الدنيئة، وبالتالي يحصل على صعوبة في إيجاد عائلة تقبل منه الزواج من ابنتها.
ولكن مع تغيير القوانين تصبح بئية العمل أكثر جذابة للمواطن نفسه، وبالتالي تتراجع أعداد العمالة الوافدة. نحن نعرف أن التجار يضعون شروطا في العقد أمام العامل الأجنبي، وهذا حقهم إذا كان لديه عمل يسند إلى هذا العامل، ولكن أن يتركه في الساحة ولا يقدم له الرواتب والالتزامات الأخرى، فان القوانين هي التي ستبحث عن حلول لهذه القضايا، فيما المحاكم لا يمكن لها تعطيل القوانين السارية في البلد للاحتياج الوقتي للعمالة ووفق احتياج كل مؤسسة في الأوقات المحددة. وعليه يمكن الاستعانة بالعمالة السائبة الموجودة في الدول بحيث لا يكون هناك تكدس سواء من الشركات أو المواطنيين.
المهم ألا يجب أن نلزم بعض المؤسسات بتشغيل العمالة بدوام كامل، ويمكن السماح بالحركة للعمالة الوافدة حسب حاجة الاقتصاد، الأمر الذي سمحنا لهم أيضا بفتح السجلات التجارية، ولكن هذا لا يعني بأن كل من لديه سجل تجاري أن يأتي بعمالة وافدة أخرى.
اليوم علينا استخدام التكنولوجيا المتطورة في مؤسساتنا لعمل المشاريع المنتجة التي يمكن من خلالها رفع كميات التصدير. وهذه تحتاج إلى عمالة أقل من الصناعات التقليدية القائمة التي لا تستطيع الانتاج بكميات كبيرة للتصدير. نحن علينا أن نبحث عن استثمارات التي لها من القيمة المضافة العالية وذلك من خلال استخدام أفكار تكنولوجية جديدة. وعلينا أن نعرف كيف يفكّر المستثمرون القادمون من ألمانيا واليابان وبقية الدول الاوروبية خاصة فيما يتعلق بتشغيل العمالة، بحيث نُعطي الاولوية للعمالة الوطنية في مشاريعهم لأنهم يتوقعون ذلك، أما إذا أعطينا الأهمية بأن لا مانع لدينا من تشغيل مدير عام وافد في المؤسسة، فان ذلك يعطي المجال لهم بالاعتماد على العمالة الوافدة. هم يتوقعون بأن تكون القوانين في دولنا مثل دولهم، وعلينا استغلال هذه الميزة، وعلينا التأكيد لهم بالاعتماد على العمالة الوطنية.
وأخيرا نقول بأن المواطن الخليجي هو الملام لأنه أقدم على استخراج السجل التجاري وسلمه للوافد للاستمرار في التجارة المستترة (التستر وتأجير السجلات التجارية) وهذا ما يجب محاربته ووضع القوانيين للحد منها.
في الجزء الثاني سوف نتناول قضية الاتجار بالبشر.