حسين بن عبدالخالق اللواتي
منذ البدء عاندت شركة جوجل الصين، وعاملتها كدولة صغيرة وضعيفة، وهي البلاد الكبيرة، ذات المليار ونصف المليار إنسان، يعني أكبر سوق إستهلاكي في العالم. كان هذا قبل ١٥ سنة.
أرادت جوجل وقتها أن تدخل الصين، وتبيع برامجها على الدولة الصينية، وعلى عدد سكانها الكبير، وتستفيد من المهندسين والتقنيين الصينيين، والشركات الصينية، ليصنعوا لها معداتها، وبرامجها، وخدماتها، بأسعار بخسة، وفي نفس الوقت تتجسس على بلادهم وناسها، كما تفعل في دولنا، من دون أن تعطي هذه الدولة حقها كدولة، ناهيك أنها من الدول الكبرى والهامة.
وإدعت جوجل، ومازالت، إنها شركة أمريكية شريفة، لا تتجسس أبدا، لا على الناس، ولا على الحكومات، وأنها تفعل ما تشاء لأنها حرة تماماً، حتى عن حكومة الولايات المتحدة نفسها!
ثم ظهر أنها في الأساس شركة من شركات السي أي إيه، وأنها تجمع المعلومات عن كل الناس، فتنقل محتويات هواتفهم النقالة من صور وبيانات مالية، وتسجل مكالماتهم، وتنسخ ايميلاتهم، وترصدهم أينما يذهبون ويسافرون وكم يمكثون، وتتابع كل حركاتهم وجولاتهم على الانترنت، وتحفظ كل أسئلتهم واستفساراتهم لبرنامجها الأشهر Search، وتسجل كل نقرة من نقراتهم على لوحة المفاتيح وشاشات اللمس.
تجمع كل هذه البيانات عن الناس في قواعد بيانات إلكترونية ضخمة، ومنظمة جدا، وتفتحها على الدوام، وعلى مدار اليوم، للبحوث والتقصي من قبل كل أجهزة التجسس الأمريكية، الداخلية والخارجية. وفوق ذلك تعطيهم خلاصات يومية بحسب متطلباتهم.
وتتيح كل هذه البيانات والمعلومات لجهاز الموساد، ولدول العيون الخمسة، ولدولة الهند أيضا، توفرها مجانا، وفي مقابل أن يتركوها تعمل كيف تشاء في هذه الدول، وفي كل دول العالم.
كما توفر هذه المعلومات بحسب الطلب، للدول الحليفة والقريبة جدا من الغرب، وذلك بمقابل مادي وثمن.
ولكن عندما أرادت الدخول الى الصين، رفضت أن تعطيها أية معلومات، بحجة أنها شركة شريفة ونظيفة وإنسانية. وعاملتها بمعاملة فوقية، والغطرسة المعتادة من الغربيين، فكان من الصين أن منعتها من تشغيل برامجها في بلادها المترامية، فكنت لا تجد برامج Gmail و Maps و Search وغيرها في أي مكان في الصين.
ولكن الصين لم تحاربها، بل تركتها تفتح مكاتب لها لتطوير برامجها أمثال اندرويد، ومعداتها من أمثال نظارة جوجل، وتستفيد من المهندسين الصينيين والتقنيين والمصانع الصينية والبحوث في الجامعات الصينية، وأن تتشارك مع الشركات الصينية أمثال هواوي، والتي كان لها الفضل الكبير في تطوير مشغل أندرويد، وانتشاره الإنتشار الكبير، في مقابل المشغلات الأخرى مثل أبل وبلاكبيري ومايكروسوفت ونوكيا وموتورولا.
ثم جاء الغباء الترامبي الذي منع جوجل في السنة الماضية من التعامل مع هواوي برامجيا (software)، ما يسبب لجوجل الآن من ضربات كبيرة، ولبرامجها، ويؤدي الى كسر احتكاراتها، وإيجاد برامج بديلة لبرامجها المشهورة، هي أحسن وأكثر فاعلية، وأكثر أماناً وأقل تجسسا، من جوجل.
وجاءت هذه السنة، قبل أسبوعين، الغلطة الثالثة والكبرى، وهي منع المعدات (hardware)، هذه الغلطة ستكون القاضية على جوجل كشركة، وعلى برامجها، وعلى الهواتف التي تعمل على مشغل أندرويد.
هذا يعني إطلاق هواوي لمشغلها المسمى هارموني، وهو مشغل قوي جدا، كما أنه مشغل المستقبل، لما يسمى بإنترنت الأشياء IoT، وحرمان جوجل من تقنيات الجيل الخامس من الإنترنت المسمى 5G.
وفوق ذلك سيبدأ العمل بمكونات ومعالجات دقيقة مصنوعة بالكامل في الصين، ولا دخل للتكنولوجيا الغربية فيها، لا كثيرا ولا قليلا، بالتالي خالية من التجسس الغربي الوقح، والذي طال بكل فضاضة حتى رؤساء الدول الصديقة والحليفة من أمثال أنجيلا ميركل