حسين بن عبدالخالق اللواتي
ترامب قضى على حلمها بأن تكون الأولى مع نهاية 2020.
كل جريمتها أنها أرادت أن تكون الأولى في العالم. لم تستوعب درس سامسونغ من قبل.
سامسونغ هي الأخرى أرادت أن تكون الاولى، وأن تسبق هواتف أبل، وسرعان ما تم ضربها.
أتت الفرصة سريعا لضرب سامسونغ، إنفجرت بطارية في هاتف من هواتفها، وهو يحصل مع كل البطاريات الحديثة، يحصل بنسبة صغيرة تعتبر مقبولة صناعيا، وهو يحصل في كل الهواتف.
ولكن الإعلام الغربي لم يدع هذه الفرصة أن تمر بسلام، فبدأت الجوقة الإعلامية الهائلة تدق ليلا ونهارا، وتصور الأمر كأن جميع هواتف سامسونغ تنفجر، في وجوه النساء الجميلات خاصة والأطفال، وبدأت الناس تصدق، وتنشر الصور والأخبار والفيديوهات الخاصة بالإنفجار، فتجمع النشر الشعبي على النشر الرسمي الغربي، ودب ذعر شديد في قلوب الناس، ولم يغفروا لسامسونغ أن البطارية ليس من صنعها.
فتراجعت مبيعات سامسونغ تراجعا كبيرا في تلك السنة، وعادت أبل إلى الصدارة، وكأن الامر ليس تنافسا شريفا على قلوب الناس، ولكن حيل وحرب قذرة.
وقعت هواوي ضحية صراحتها ونجاحها وطموحها وسذاجتها الفائقة في ساحة ظنتها نظيفة، وتقوم على الكفاءة والجد والإجتهاد، والمنافسة الشريفة.
حالما أعلن مدير هواوي ريتشارد يو، في عام 2018، عن نيتهم في زيادة مبيعاتهم في العالم، لتصبح هواوي الأولى في مجال الهواتف الذكية، حتى إشتدت الضغوطات الحكومية الأمريكية عليها من كل نوع ومن كل جانب.
وحالا تم توقيف إبنة مؤسس شركة هواوي بطريقة مهينة وغير قانونية في طائرة على وشك الإقلاع في مطار كندي دولي.
بالرغم من كونها مواطنة كندية، أوقفها البوليس الكندي، وعاملها كمجرمة من دون حقوق مصانة، منها حقها في العلم بالتهم الموجهة لها، وحالا تم أخذها مصفدة من الطائرة إلى السجن.
جاءت أوامر القبض من حكومة واشنطن، وطلبات ترحيلها إلى هناك، تمهيدا لمحاكمتها وسجنها في الولايات المتحدة ولمدة طويلة.
بعدها في مايو 2019م أوجدت حكومة واشنطن قائمة سوداء بكل الشركات الصينية الهامة، وعلى رأسها هواوي، لمنع التعامل معها، والمقاطعة الكلية لها.
مقاطعة البرامج والتطبيقات.
بحسب هذه المقاطعة للسوفت وير (software)، تم تهديد ومنع الشركات الأمريكية من تزويد هواوي ببرنامج التشغيل إندرويد، ومنع مجموعة أخرى من البرامج المهمة، هي جوجل إيميل، وخرائط جوجل، وبرنامج البحث، وبرنامج فيسبوك وتويتر وواتساب، وسوق البرامج (Play Store).
بسب هذه الحرب خسرت هواوي 12 بليون دولار من مبيعاتها الخارجية في عام 2019م، وهو يشكل أكثر من 50 بالمائة من مبيعات هواتفها الذكية. وإنخفضت نسبة مبيعاتها العالمية من قرابة 19 بالمائة، إلى قرابة 15 بالمائة فقط. وعادت أبل لتحتل المرتبة الثانية بعد سامسونغ، وتنحدر هواوي إلى المرتبة الثالثة. وكانت هذه الضربات شديدة على هواوي وأحلامها في إحراز المرتبة الأولى.
لم ترد هواوي ولم تصعد بل خضعت للضغوط الحكومة الأمريكية، ووافقت على دفع مختلف الغرامات المجحفة، وظلت تشتري مكونات بقيمة مئات البلايين من الدولارات، من الشركات الأمريكية، وتدفع بلايين أخرى لشركة جوجل لبرامجها المشهورة، وتساعد جوجل في تطوير نفس برامجها وغيرها من البرامج، بالرغم من أن جوجل إنصاعت لأوامر واشنطن، وقاطعت هواوي.
عندما فهم ترامب بأن هذه المقاطعة أضرت بالشركات الأمريكية، وبشركة جوجل نفسها، وبطلب ملح من جوجل، وافق على إعطاء مهلة لبرامج جوجل، لسنة واحدة فقط، على شرط إستخدامها على هواتف هواوي المباعة فعلا، وليس الجديدة.
كما أن الحكومة الصينية لم تصعد مع ترامب، ولم تقاطع الشركات أمريكية، ولم تمنع من نقل التكنولوجيا الصينية.
بسبب هذه السياسة المهادنة، وعدم الدخول في حرب، عادت هواوي لتستعيد جزءا من حصتها السوقية، والتي إرتفعت إلى قرابة 18 بالمائة، في الربع الأول من 2020م.
مقاطعة المكونات.
وبالرغم من مهادنة هواوي، وحكومة الصين، وخضوعهما للإملاءات الأمريكية، عادت حكومة الولايات المتحدة، لتصعيد الحرب التجارية من جديد، وتشدد المقاطعات أكثر وأكثر، فمنعت في الشهر الماضي على الشركات الأمريكية، وغير الأمريكية، التعامل، وبيع المكونات لهواوي.
بحسب هذه المقاطعة الجديدة، محرم على هواوي شراء الرقائق والمعالجات والرقاقات وأشباه الموصلات، وهي كلها مكونات هامة وأساسية في الهواتف الذكية.
تشتري هواوي حاليا معالجاتها المتقدمة من شركة تايوانية إسمها (TSMC)، وخضعت هذه الشركة التايوانية لإملاءات واشنطن، وخسرت قرابة 55 بالمائة من مبيعاتها، والتي تقارب مبلغ 400 مليار دولار سنويا، بل إضطرت لفتح مصنع جديد لها في أمريكا، بإستثمار يبلغ قرابة 30 مليار دولارا.
طبعا هواوي تستطيع فتح مصنع رقاقات معالجاتها وأشباه الموصلات (Processor) بنفسها، وفي داخل بلادها، فهي تملك التكنولوجيات المطلوبة لها، بل ولأكثر منها، لأنها هي بنفسها وضعت الخرائط الهندسية الدقيقة لمعالجاتها المتقدمة، وكان هذا من خططها المستقبلية، ولكنه الآن إضطرت لتعجيل خطة بناء هذا المصنع، ولكن عملية البناء سيؤخر معالجاتها المتقدمة لمدة سنتين أو ثلاثة.
هناك شركة تايوانية أخرى تبني معالجات هواوي، وهي الآن تحت ضغوط شديدة من أمريكا والغرب لتقاطع هواوي، ولكنها ربما توافق على بناء المعالجات لهواوي، هذا سيساعدها في إستمرار إطلاق هواتفها الجديدة والمتقدمة، أمثال P40 Pro و Mate 30 Pro، وكل الموديلات العادية.
هواوي كانت تستعد لهذا اليوم منذ بدايتها، ولكن كان لديها رغبة أكيدة في اللعب الجماعي، والتعامل مع كل العالم، بحيث تبيع لهم، وبدورها تشتري منهم بمئات البلايين سنويا، وتساعدهم في التوسع السوقي، والتقدم العلمي، بدلا من الحرب والتنافس الوجودي معهم، ولهذا بقيت ترضخ للإملاءت الظالمة، ومازالت ترضخ، ولم تطلق برنامج التشغيل الخاص بها، والذي كان جاهزا لديها، وتحت الإستخدام، ولكن في دائرة مغلقة، وفي داخل الصين فقط، ومازال يستخدم داخل الصين، ولم يخرج منها حتى الآن، ولكن تشديد العقوبات والضغوطات القوية ستغير اللعبة بعد اليوم.
برنامج التشغيل (نظام التشغيل) الخاص بهواوي يسمى هارموني (HarmonyOS)، ولديه مميزات كثيرة، منها إنه أسرع من نظام الإندرويد، ومن نظام أبل، حجمه صغير، مفصل بالضبط على معالجات هواوي المتقدمة، بالتالي يعطي فاعلية وقدرات أكبر للمعالج، كما أنه لصغر حجمه يمكن تركيبه على الشرائح الصغيرة، لكل المعدات المنزلية، مثل الغسالات والثلاجات والأفران والتلفزيونات والمصابيح والسيارات، وهو ما يسمى إنترنيت الأشياء (IoT).
بجانب “هارموني” لدى هواوي كل البدئل لبرامج جوجل، وللبرامج الأخرى المشهورة، فلديها برنامج إيميل مجاني، وآخر للخرائط والملاحة (Here Maps) مجاني، وبرامج مماثلة، إن لم تكن أحسن، للمحادثات الواتسابية، ولفيسبوك، وتويتر، والبحث، كما لديها “سوق البرامج” الخاص بها، إسمه (App Gallery).
والطريف أن أغلب الناس لا يعلمون بأن المقاطعة والحرب الأمريكية لا تستطيع منع الناس من أن ينزلوا بأنفسهم كل هذه البرامج الممنوعة من مواقعها، أو من مواقع خاصة، وتشغيلها على هواتفهم من نوع هواوي، وذلك بكل سهولة.