Image Not Found

تحديات غرف التجارة بدول المجلس

حيدر بن عبدالرضا اللواتي – عُمان
[email protected]

تلعب الغرف التجارية والصناعية دوراً كبيراً في تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية مع المؤسسات المماثلة، بجانب أنها تمثّل أحيانا بوابات لفتح مسيرة العلاقات الدبلوماسية ما بين الدول، وقد ازداد دورها التجاري والاقتصادي والاجتماعي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، خاصة في العقود الثلاثة الماضية في أعقاب تأسيس منظمة التجارة العالمية التي عززّت حجم التجارة العالمية، وحركّت الكثير من الاستثمارات الدولية والمواد الخام والقوى العاملة في العالم، فهي تقوم بدور نشط في تسهيل دور الشركات والمؤسسات المحلية والعالمية، وفي تحريك المواد الخام والصناعات والمنتجات والسلع بين دول العالم من خلال المعارض الدولية، كما تحفّز الوفود التجارية الأجنبية والمحلية في دعم الاستثمارات وإيجاد الشراكات العالمية، واستقطاب الوسائل الكفيلة والتكنولوجيا والمعرفة للصناعات الجديدة لتعزيز الرقعة الصناعية في الدول.

وقد شهدت الدول الخليجية خلال العقود السبعة الماضية تأسيس هذه الغرف التي تتميز كل منها بأنظمة وقوانين داخلية، فهي تعتبر الممثل الرسمي لمؤسسات القطاع الخاص في تعاملاتها مع المؤسسات الحكومية والغرف التجارية في الخارج، ورغم أهمية هذه المؤسسات، إلا أنها تحتاج اليوم إلى مزيد من الإصلاحات في أنظمتها وقوانينها وفق رؤى سعادة عبدالرحيم نقي الأمين العام السابق لاتحاد غرف مجلس التعاون الخليجي والذي تناول تلك القضايا في محاضرة خاصة بمجلس الخنجي المرئي مؤخرا تحت عنوان «تاريخ ومسيرة غرف التجارة والصناعة والهدف الأساسي لإنشائها» مؤكداً أن إعادة هيكلة الغرف الخليجية من حيث القوانين والأنظمة هو مطلب وطموح الكثير من التجار والأعضاء، والهدف من ذلك هو أن تكون هذه الغرف جاذبة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بجانب المؤسسات الكبيرة.

كما أن العلاقات بين الغرف التجارية والصناعية ووزارات التجارة والصناعة يجب أن تكون علاقات تكاملية وليست تنافسية مثلما يحصل ذلك أحيانا في المنطقة، بحيث ترتقي هذه الأمور لمصلحة الاقتصادات الوطنية والعلاقات الخليجية البينية عامة، وعند تعريفه لهذه المؤسسات، ذكر المحاضر أن الغرف التجارية والصناعية هي مؤسسات تعمل للحفاظ على مصالح التجار وتشارك في بناء الاقتصادات الوطنية والمساهمة في المسؤولية الاجتماعية، وهي اليوم أهم إحدى المؤسسات الاقتصادية في المجتمع المدني، وتشارك في صنع القرار السياسي بالإضافة إلى تنظيم الأعمال التجارية للمؤسسات والشركات.

إن تاريخ الغرف التجارية في العالم قديم، حيث أسس أول اتحاد اقتصادي في مرسيليا بفرنسا أُطلق عليه اسم «غرفة كان» في عام 1599، بعد ذلك تم تأسيس غرفة هامبورج بألمانيا عام 1665 ثم غرفة تورينو بإيطاليا عام 1729 وغرفة جيرسي بانجلترا عام 1768 وفي العام نفسه تم تأسيس غرفة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية التي يوجد لديها اليوم 500 غرفة في مختلف المهام والتخصصات، وبالنسبة للغرف العربية فإن غرفة الصلت بالأردن تعتبر أقدم غرفة تجارية تم إنشاؤها عام 1883، تلتها غرفة تجارة حلب في عام 1885، بعد ذلك تم إنشاء المزيد من الغرف العربية وتوسعت اختصاصاتها، وعلى المستوي الخليجي تعتبر غرفة البحرين أقدم غرفة في المنطقة حيث تم إنشاؤها عام 1939 على أساس الجمعية التجارية، تلتها الغرف الخليجية الأخرى التي تم إنشاؤها بمراسيم سلطانية وملكية وأميرية، وتعمل جميعها على تنظيم المصالح التجارية والصناعية والزراعية والخدمات، كما تعمل على تعزيز العلاقات مع الغرف التجارية والصناعية في العالم، بالإضافة إلى رعاية المصالح التجارية، وتقديم الخدمات اللازمة لأصحاب التجارة في ممارسة أنشطتهم وتعاملاتهم التجارية وحماية حقوقهم، وللغرف التجارية أيضا تعاون مع المؤسسات الرسمية والوزارات والدوائر والهيئات الحكومية والأهلية، وتقوم بتنظيم الفعاليات والبرامج والمعارض التي يتطلبها الترويج لاقتصادات الدول، ويتراوح بقاء مجالس إداراتها ما بين 3 إلى 4 إلى 5 سنوات وفق اللوائح الداخلية لها، فيما تساهم الغرف التجارية في المنطقة منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي في تأسيس عدد من الشركات المساهمة والبنوك والمصانع والمشاريع الكبيرة، ولها مواقف في العديد من القضايا العربية والإسلامية.

ورغم تلك الأهمية، إلا أن هناك اليوم جدال في المجتمع التجاري الخليجي فيما يتعلق بعضوية الغرف في المنطقة باعتبار أن عضويتها إجبارية، الأمر الذي يساعد غرف المنطقة في تكوين وفورات مالية كبيرة سواء من رسوم العضوية أو الرسوم الأخرى على حساب بعض التجار البسطاء، بينما دورها استشاري في إصدار التشريعات والقوانين التي تهم التجار وأصحاب المؤسسات والشركات في الدول الخليجية ، أي أنها تعتبر إحدى المنصات لعرض تلك القوانين والتشريعات فقط، ولكن في السنوات الأخيرة أصبح لها دور كبير في توسيع العلاقات السياسية مع بعض الدول، بجانب المشاركة في المجالات التي تهم العمل والعمّال سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي أو الدولي.

ويرى المحاضر أن الغرف التجارية في المنطقة تواجه اليوم الكثير من التحديات، منها عدم قدرتها على تمثيل جميع الأعضاء في العمل التجاري والاقتصادي، باعتبار أن هناك آلاف العضويات المسجلة في الغرف من مختلف المهن والتخصصات، وهذا بالتالي يؤدي إلى ضعف في التمثيل الانتخابي عند إجراء الانتخابات، أما التحدي الآخر فيكمن في عدم الاستقرار الوظيفي للعاملين في الغرف الخليجية عند تغيير رئاسة وأعضاء مجالس إداراتها رغبة منهم في التغيير، الأمر الذي يؤدي إلى الإخلال بحقوق بعض الموظفين القدامى، كما أن هناك تحدياً آخراً يكمن في كيفية تمثيل المؤسسات الصغيرة، حيث يرون أصحاب هذه المؤسسات أن حقوقهم مهضومة في العمل اليومي للغرف، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث الصراعات بين أعضاء مجالس الإدارة والمنتخبين، وهذا الشعور أصبح يتنامى وسط قطاع أصحاب المؤسسات الخاصة الخليجي، حيث يرى بعض التجار أن هناك غياباً في التمثيل المناسب لأصحاب بعص المهن ولرواد الأعمال في عضوية مجالس الإدارة واللجان، وكذلك في الاجتماعات الإقليمية والدولية وفي سفريات الوفود التجارية للخارج.

لقد أصبحت الغرف التجارية في المنطقة رقما صعبا كما يراه الأمين العام السابق للغرف الخليجية السابق، الأمر الذي يتطلب تفعيل دورها خلال المرحلة المقبلة بحيث تكون متواجدة في العمل الحكومي والخاص والمجتمع المدني، كما من الضروري إشراك المؤسسات الصغيرة بل وتمويلها ماديا لتقوم بدورها المرجو، وليستمر أعضاؤها التجار الخليجيون الصغار في ممارسة أنشطتهم التجارية، فيما يتطلب من المؤسسات الحكومية دعم رؤى الغرف فيما يتعلق بالعمل التجاري ومتطلبات القطاع الخاص، ونظرا إلى أن الغرف التجارية تتمتع بأرصدة مالية كبيرة، فإنها تستطيع بناء الاستراتيجيات المطلوبة، وتعزيز برامج القطاع الخاص والمؤسسات الصغيرة، وإعادة دراسة الأطر التشريعية لتشمل جميع القطاعات والمهن والخدمات التي تقدمها المؤسسات، بحيث يكون لها صوت مسموع سواء في الفعاليات الداخلية أو الخارجية.

الكثير من التجار يأملون في أن تصبح الغرف التجارية الخليجية على غرار اتحاد الغرف الأوروبية، وأن يتحقق حلم التجار في إنشاء برج الاتحاد الخليجي بهدف تعزيز المزيد من العلاقات مستقبلا، وتفعيل الاتفاقيات الاقتصادية بين دول المجلس بجانب تعزيز المجالات التجارية والصناعية فيما بينها، كما هناك مطالب للتجار بأن تتوفر المواصفات المهمة في أعضاء مجالس إدارة الغرف بحيث يكون عضو المجلس جامعياً على أقل تقدير، وأن يكون صاحب رأس مال جيد، وليس من العاملين في التجارة المستترة، ويكون له ثقل وأرث وفهم تجاري، كما من المهم ألا يتم إصدار التشريعات التجارية من الجهات المعنية إلا بعد أن تتم مناقشتها من قبل المسؤولين في الغرف، مع إعطاء فرص للتجار الصغار في الدخول إلى المجالس واللجان التي تضمها الغرفة تمهيدا للمستقبل.